يحذِّر صندوق النقد الدولي، في آخر توقعاته الاقتصادية الدولية، من ان النمو الاقتصادي في الشرق الأوسط سيتضرر اذا بقيت أسعار النفط متدنية. وقال الصندوق في التوقعات التي نشرها يوم الأول من أمس في واشنطن: "اذا استمر تدهور أسعار النفط الدولية، فسيتعرض النمو الاقتصادي في المنطقة الى مخاطر جدية وخصوصاً في الدول المصدرة للنفط الكبرى في المنطقة". لكن التقرير عن "توقعات الاقتصاد الدولي"، الذي يصدره صندوق النقد الدولي مرة كل ستة أشهر، يخلص ايضاً الى ان الآثار السلبية التي خلفتها الأزمة الآسيوية على منطقة الشرق الأوسط لم تكن بالحجم الذي كان يُخشى منه. ويقول التقرير: "كانت الآثار السلبية المباشرة التي خلفتها الأزمة الآسيوية محدودة حتى الآن، اذ تراجعت أسعار الأسهم موقتاً في بعض دول المنطقة، وازدادت الفروق بين أسعار الفائدة المدفوعة على الديون الدولية". ويتوقع صندوق النقد الدولي، في تقريره نصف السنوي، ان تنمو دول الشرق الأوسط وأوروبا النامية، أي الدول العربية في هذا الشرق ومصر وايرانوتركيا ومالطا وقبرص، بنسبة 3.3 في المئة في خلال سنة 1998، ما يشكل تراجعاً نسبته واحد في المئة عن نسبة النمو العام الماضي، وتراجعاً عن النسبة التي توقعها صندوق النقد الدولي في تشرين الأول اكتوبر الماضي، والتي كانت 4.2 في المئة. لكن توقعات الصندوق تشير الى ان نسبة النمو في هذه المنطقة ستبلغ أربعة في المئة سنة 1999. ويلفت الصندوق في تقريره الى ان أسعار النفط في الأسواق الآجلة ترتفع منذ فترة لكنه يحذر من ان مستقبل هذه الأسعار المنظور لا يزال محاطاً بالشكوك. وتتَّسم توقعات الصندوق الدولي اجمالاً بالتفاؤل حيال الأوضاع الاقتصادية العالمية، بعدما مرَّت الأزمة المالية الآسيوية أو تكاد. وتخلص هذه التوقعات الى ان حدة الأزمة المالية التي انفجرت في آسيا في منتصف عام 1997 الماضي خفّت منذ كانون الثاني يناير الماضي، وتعافت الأسواق جزئياً بعدما كانت وصلت الى حضيض. ويتوقع الآن ان يبلغ متوسط النمو الاقتصادي في سنة 1998 ثلاثة في المئة بعدما كان هذا المتوسط أربعة في المئة منذ سنة. ويلفت تقرير صندوق النقد الدولي أيضاً الى ان الأزمة الأخيرة التي حلت بالنظام المالي العالمي كانت نسبياً معتدلة وغير حادة بالمقارنة مع ما كانت عليه آخر أزمة تباطؤ نمو اقتصادي عالمية أي التي شهدها العالم بين 1990 و1993، اذ تدنت وقتها نسب النمو الى ما بين 1.75 و2.75 في المئة. كما ان الأزمة الأخيرة كانت أرحم من الأزمات التي شهدها العالم عام 1974/ 1975 وبين عامي 1980 و1983. ويعزو خبراء صندوق النقد الدولي هذا كله الى قوة الطلب في الدول الصناعية والآثار السلبية المحدودة التي خلفتها الأزمة الآسيوية على مناطق اخرى، ما ساهم في التخفيف من حدة التباطؤ الذي كان متوقعاً. ويتوقع صندوق النقد الدولي ان يبقى النمو الاقتصادي العالمي، في المدى المتوسط، أفضل من المتوسط الذي شهده العالم منذ عام 1970. ويتوقع صندوق النقد الدولي ان تتراجع نسبة النمو الاقتصادي في السعودية الى 2.1 في المئة سنة 1998 بعدما كانت 2.7 في المئة العام الماضي و1.4 في المئة عام 1996. اما نسبة التضخم فالمنتظر ان تبقى أقل من 0.5 في المئة، أي أدنى نسبة بين الدول النامية كافة. اما نسبة النمو في الكويت فستتراجع من 1.5 في المئة عام 1997 الى 1.2 في المئة السنة الجارية، فيما ستتراجع نسبة التضخم من 1.7 الى 1.1 في المئة. وفي مصر ستبقى نسبة النمو الاقتصادي الفعلية خمسة في المئة سنة 1998، أي كما كانت عام 1997 الماضي، لكن أفضل من نسبة 1996 التي كانت 4.3 في المئة. اما نسبة التضخم فالمنتظر ان تواصل التراجع الى 4.5 في المئة السنة الجارية بعدما كانت 6.2 في المئة عام 1997 الماضي و7.2 في المئة سنة 1996. ويخلص تقرير صندوق النقد الدولي الى ان تضافر تدني أسعار النفط مع تراجع الدخل السياحي وتراجع تحويلات المصريين العاملين في الخارج، أضعف احتمالات النمو الاقتصادي قصير المدى في مصر. لكن التقرير يشير ايضاً الى ان الجهود الفالحة التي تبذلها الحكومة المصرية لاحقاق الاستتباب الاقتصادي العام ولتنفيذ الاصلاح البنيوي، أدت الى تحسن ملحوظ في الاداء الاقتصادي المصري. وكانت نسبة النمو الاقتصادي في الأردن عام 1997 خمسة في المئة والمنتظر ان تبقى هذه النسبة على حالها سنة 1998. اما التضخم فالمنتظر ان تزداد نسبته من ثلاثة في المئة عام 1997 الماضي الى أربعة في المئة سنة 1998 الجارية. ويشير التقرير الدولي الى ان الاقتصاد الأردني يواصل قطف ثمار التنفيذ الناجح لسياسات الاصلاح والاستتباب الاقتصاديين. وينتظر تقرير صندوق النقد الدولي ان تكون نسبة النمو الاقتصادي في الجزائر جيدة السنة الجارية، اذ ستزداد هذه النسبة من 1.3 في المئة عام 1997 الى 4.8 في المئة السنة الجارية. اما نسبة التضخم فالمنتظر ان تتراجع الى خمسة في المئة السنة الجارية بعدما كانت 18.7 في المئة عام 1996. واذا صحت توقعات صندوق النقد الدولي الخاصة بما تبقى من السنة الجارية في المغرب فستتحوَّل نسبة النمو الاقتصادي من تراجع بلغت نسبته 2.2 في المئة العام الماضي، الى نمو نسبته 7.6 في المئة سنة 1998، فيما ستبقى معدلات التضخم متدنية وعلى اثنين في المئة. ويتوقع تقرير صندوق النقد الدولي ان تكون نسبة النمو الاقتصادي التونسي 5.9 في المئة السنة الجارية بعدما كانت 5.9 في المئة عام 1997، فيما سيبقى التضخم أقل من أربعة في المئة. وستشهد نسبة النمو الاقتصادي تحسناً في السودان أيضاً، أي من 5.5 في المئة عام 1997 الماضي الى 6.5 في المئة سنة 1998. اما معدلات التضخم فالمنتظر ان تتراجع، كما تفعل منذ فترة من الزمن، من 114 في المئة عام 1996 الى 32 في المئة العام الماضي والى نسبة 15 في المئة حسب بعض التصورات سنة 1998. والمنتظر ان يبطئ النمو في ايران من 3.2 في المئة العام الماضي الى 2.89 في المئة سنة 1998. ويعزو الصندوق الدولي هذا التراجع المنتظر الى تدني أسعار النفط والى خفض الانفاق الحكومي الرأسمالي، وبقاء الصادرات غير النفطية راكدة والتأخر في تطبيق الاصلاحات البنيوية. وتراجع النمو في تركيا الى 5.75 في المئة عام 1997 والمنتظر ان يواصل التراجع سنة 1998 فيما تبذل الحكومة التركية مزيداً من الجهود في سبيل خفض معدلات التضخم التي تقترب أرقامها من ثلاثة أعداد على أساس سنوي. ويتوقع صندوق النقد الدولي أن يواجه بعض الدول، بما فيها عدد كبير من الدول المنتجة للنفط، تعديلات مؤلمة في أعقاب الأزمة الآسيوية، وذلك بسبب تراجع عائدات النفط وما يخلفه هذا التراجع من آثار على حسابه الجاري. ويشير تقرير الصندوق الدولي الى ان 14 دولة تعتمد على النفط كمصدر لنحو نصف أو أكثر من نصف ما تجنيه من الصادرات. ومن هذه الدول السعودية والكويت والعراق وليبيا وقطر والبحرين وسلطنة عُمان واليمن وايران وفنزويلا. وفي العالم تسع دول تعتمد على النفط كمصدر لعشرين في المئة أو أكثر من عائداتها من العملات الاجنبية، ومن هذه الدول الامارات وسورية وروسيا واذربيجان والنروج. ويعتمد عدد كبير من هذه الدول اعتماداً كبيراً على النفط في تمويل معظم الانفاق الحكومي. وللمرة الأولى منذ بدأ صندوق النقد الدولي "يدلي" بتوقعاته وينشرها في تقرير نصف سنوي، تضمن التقرير الأخير فصلاً جديداً يحلل شؤون "الشرق الأوسط وشمال افريقيا" وتتضمن هذه المطنقة دول الجامعة العربية وايران ما ينم عن تقيِّد بالتصنيف الذي تعتمده المؤسسة الدولية الشقيقة، أي البنك الدولي. ويقول صندوق النقد الدولي ان هذه الدول الواحدة والعشرين تضم 5.8 في المئة من سكان الأرض، فيما هي مسؤولة عن 4.6 في المئة من الانتاج العالمي، كما يقاس باجمالي الناتج المحلي، وعن 3.5 في المئة من الصادرات العالمية من السلع والخدمات. وبالمقارنة مع هذا تنتج الهند، التي يشكل سكانها 17 في المئة من سكان الأرض، نسبة مماثلة من الانتاج العالمي. اما الصين التي يقطنها خُمس سكان الكرة الأرضية، فمسؤولة عن 12 في المئة من الانتاج العالمي. وتعادل حصة دول الشرق الأوسط وشمال افريقيا من الانتاج العالمي حصة ألمانيا، لكنها أقل من حصة اليابان البالغة 7.7 في المئة، وأكبر من حصة فرنسا البالغة 3.4 في المئة، وحصة بريطانيا البالغة 3.2 في المئة.