توصلت الاطراف المعنية بقضية ايرلندا الشمالية امس الى اتفاق تاريخي يضع حداً لصراع مستمر منذ مطلع القرن ارتدى طابعاً عنيفاً منذ اواخر الستينات. وجاء الاتفاق نتيجة جهود ضخمة بذلها الوسيط الاميركي السناتور السابق جورج ميتشيل ورئيسا الوزراء البريطاني توني بلير والايرلندي بيرتي اهيرن. واعتبر بلير ان "الشجاعة انتصرت" لكنه حذر من ان الاتفاق "يجب الا يفلت من ايدينا". وقال نظيره الايرلندي : "بزغ فجر حقبة جديدة لنا جميعا. انه يوم يجب ان نحيي ذكراه. انه وعد بمستقبل زاهر". وتزامن التوصل الى الاتفاق مع احتفال الايرلنديين والبريطانيين بعيد الفصح. وجاء ليتوج 22 شهراً من المفاوضات الشاقة التي تكثفت وتسارعت وتيرتها في الساعات الاخيرة في ظل اصرار لندن ودبلن على عدم تأجيلها الى ما بعد الفصح. وقالت مصادر رسمية بريطانية ان قادة الاحزاب الثمانية المشاركة في المفاوضات في ستورمونت قرب بلفاست كلفوا منذ الاعلان عن الاتفاق على وضع اللمسات الاخيرة على تفاصيله كونه سيطرح على استفتاء شعبي في ايرلندا الشمالية وفي الجمهورية الايرلندية جنوباً، بحلول الشهر المقبل. وتمكنت الاطراف من تذليل عقبات هددت بوقف المفاوضات وتتعلق بأمرين رئيسيين. أولهما، تشكيل مجلس تشريعي لايرلندا الشمالية يتقاسم فيه البروتستانت الموالون لبريطانيا الذين يشكلون غالبية في الاقليم الحكم مع الكاثوليك، في مقابل تخلي هؤلاء عن مطلب الانضمام الى الجمهورية الايرلندية. ويتعلق الشق الثاني، من الاتفاق بتشكيل مجلس يضم ممثلين عن ايرلندا الشمالية والجمهورية الايرلندية لايجاد تواصل بين شطري ايرلندا، في مقابل تخلي دبلن عن مطالبها الدستورية المتعلقة باستعادة الاقليم. وشكل الاتفاق انتصاراً لكل من الرئيس الاميركي بيل كلينتون ورئيس الوزراء البريطاني اللذين تعهدا العمل سوياً للتوصل الى السلام في الاقليم. كما شكل انتصاراً للسناتور ميتشيل الذي تحوّل بطلاً في اوساط الكاثوليك الايرلنديين الذين يشكلون مجموعة ضغط قوية لوبي في الولاياتالمتحدة. وخاطب رئيس الوزراء البريطاني الايرلنديين مشدداً على أن "حسن تنفيذ الاتفاق يتوقف على ارادتكم وتفكيركم، كما يتوقف على مد يد الصداقة إلى الذين كانوا خصوماً". وقال بلير، الذي وقف نظيره الايرلندي إلى جانبه: "اليوم فقط شعرنا بالمكافأة التي تنتظرنا والعمل على الفوز بها سيستمر". وقال رئيس الوزراء الايرلندي: لم يحقق أي منا كل ما كان يبتغيه، لكن كل منا يستطيع التركيز على مكاسب فعلية ذات مغزى" في الاتفاق. وعقد ميتشيل مؤتمراً صحافياً عرض فيه جوانب من الاتفاق الذي جاء في 67 صفحة. وقال: "هذا المساء، أصبح بامكاننا ان نوجه كلامنا إلى أنصار العنف الذين يحتقرون الديموقراطية في كل أنحاء ايرلندا الشمالية وأولئك الذين يستخدمون القنابل والرصاص أداة، لنقول لهم إن طريقكم ليس الطريق الصحيح، لن تحلوا المشاكل في ايرلندا الشمالية بالعنف، بل تزيدونها تعقيداً". وإضافة إلى كونه يرفع مستوى العلاقة بين البروتستانت والكاثوليك، يشكل الاتفاق منعطفاً في العلاقات بين بريطانيا والجمهورية الايرلندية. وبات في استطاعة السكان في ايرلندا الشمالية البالغ عددهم 6،1 مليون نسمة أن يتقاسموا الحكم في برلمان يضم 108 مقاعد. وينهي ذلك "حكماً مباشراً" فرضته لندن على الأقليم منذ 26 عاماً. ويولي شؤون إدارة ايرلندا الشمالية إلى حكومة محلية تؤول رئاستها إلى مرشح الحزب الأكبر في الاقليم. وتناط بالبرلمان المحلي مهمة إقرار التشريعات الصادرة عن المجلس الايرلندي - الايرلندي، ما يعني ان القرار النهائي في ايرلندا الشمالية يعود إلى سكانها.