أخيراً تدخل الزعيم الأعلى للجمهورية الاسلامية آية الله علي خامنئي مباشرة في الصراع الدائر بين أقطاب المؤسسة الدينية الحاكمة في ايران في شأن اعتقال محافظ طهران غلام حسين كرباستشي. وتم تدخله عبر استدعائه رؤساء الهيئات التنفيذية والقضائية والتشريعية والطلب منهم "التنسيق الكامل" في ما بينهم على اساس "القانون والعدل"، علماً بأنه حرص على ألاّ يبدو تدخله في الصراع تدخلاً في شؤون القضاء، فهو لم يعلن تأييده للاعتقال ولا اعترض عليه مع أن سلطاته غير المحدودة بصفته ولياً للفقيه تسمح له بأن يأمر فيُطاع. ويثير هذا التدخل المتأخر كرباستشي اعتقل السبت الماضي تساؤلات عدة: لماذا سكت خامنئي حتى الآن؟ ولماذا سمح للصراع بين تيارين رئيسيين ضمن المؤسسة الدينية الحاكمة، التيار المتشدد الذي يمثله اليمين المحافظ والمعتدل أو الإصلاحي، الذي يمثله اليسار الراديكالي رمزه البارز الرئيس محمد خاتمي الذي يعتبر كرباستشي من أبرز انصاره أن يتفاقم الى حد تبادل علني غير مسبوق لخلافات واتهامات وتهديدات؟ ولماذا سمح أصلاً لرأس السلطة القضائية آية الله محمد يزدي والمدعي العام للدولة حجة الاسلام محمد غيلاني بإعتقال كرباستشي، الذي هو في موقع أكبر من أن يمكن أحداً اتخاذ مثل هذا الاجراء ضده بدون موافقة أعلى رأس في السلطة؟ ولكن لعل السؤال الأهم هو هل ان هذه التطورات ستقود الى تعزيز مواقع المتشددين في صورة عودة ما للمبادئ الأصلية للثورة الاسلامية الخمينية، التي لا شك في أنها تراخت وضعفت بعد نحو 20 سنة على انتصارها، أم ستؤدي الى مزيد من التراخي والضعف لهذه المبادئ، وبالتالي الى تعزيز دعاة الاعتدال والاصلاح بزعامة خاتمي الذي يبقى في النهاية موالياً لهذه المبادئ على رغم براغماتيةٍ واضحة في التطبيق؟ الأرجح أن قضية غلام حسين لن تكون نتيجتها انتصاراً جذريا لا لمعسكر اليمين المحافظ ولا لمعسكر اليسار الراديكالي. وقد لا تكون مجازفة كبيرة الجزم بأن اعتقال محافظ طهران، والاجراءات المحتملة التي يمكن ان يسفر عنها، لن تغير كثيراً في طبيعة النظام الإيراني الذي ستحتفظ مراكز القوى في ظله بمواقعها الحالية مع استمرار بقاء السلطة المطلقة محصورة في أيدي المركز الأقوى الذي يمثله ولي الفقيه بصفاته الشاملة، بما فيها صفتي المرشد الديني والقائد الأعلى للقوات المسلحة. وعلى رغم تمنيات المتمنين فليس هناك ما يشير حتى الآن الى ان خاتمي قادر على أن يحسم أمراً أو يبت قضية في اتجاه من شأنه لا أن يضعف سلطة ولي الفقيه فحسب، بل حتى أن يغير توازن القوى أو يلعب دوراً أكبر مما هو مسموح به في هذا الإطار. وتكفي الاشارة الى أن خامنئي، باستدعائه مسؤولي مراكز القوى للبحث معهم في قضية غلام حسين، تعامل مع رئيس الدولة المنتخب بغالبية ساحقة من الشعب الإيراني خاتمي بمستوى واحد مع آخرين هم ليسوا في النهاية سوى موظفين معينين مثل رأس السلطة القضائية والمدعي العام ورئيس مجمع مصلحة تشخيص النظام، وهذا الأخير يرأسه علي أكبر هاشمي رفسنجاني وهو معين ومنصبه يمنحه سلطة "تزكية" أي قرار يتخذه رئيس الدولة أو البرلمان! وحين يستدعي ولي الفقيه رئيس الدولة المنتخب ويأمره بتنسيق مواقفه مع موظفين، فالتمنيات - حتى بتحول غير جذري في النظام الإيراني - لا تزال في مستوى التمنيات... الآن وحتى مستقبل منظور.