يريد الأوروبيون بريطانيا حصان طروادة عبر الأطلسي وداخل الادارة الأميركية، في حين تعثر حل المشاكل داخل البيت الأوروبي نفسه. فدور العراب الأميركي في المشكلة الايرلندية واضحاً وتقف المسألة البلقانية شاهداً على محدودية قوة الكتلة الأوروبية في المسرح الدولي حتى في الشق الشرقي من أوروبا. وأصبح من الضروري بعد ذلك ان تلهث أوروبا لصيانة مصالحها القديمة في الدائرة الجيو - سياسية الثانية، وهي المتوسط والشرق الأوسط على رغم انفراد واشنطن بالأزمات فيها. وتريد أوروبا تحقيق اختراق ديبلوماسي عبر لندن، وتحريك العملية السلمية الغارقة في مستنقع الشرق الأوسط، حتى يمكن تلميع صورة أوروبا التي تعاني من أزمات خصوصاً مع تركيا التي حرمت من دخول البيت الأوروبي في نطاق الدول المقبولة في الموجة الأولى من توسيع الاتحاد. وبسبب تلك الكوابح والتعقيدات يوصف الاتحاد الأوروبي بأنه يفتقر الى سياسة خارجية موحدة ومتوازنة، والعالم يعرف ان أوروبا لا تستطيع ان تكون لاعباً بغير مباركة واشنطن، ولهذا فهي زاهدة في اعلان خطط خارجية لا تستطيع تنفيذها، أو اطلاق تصريحات مجانية لا تقدم ولا تؤخر سوى اضعاف صدقيتها. ولا يتصور من جانب آخر وجود ديبلوماسية خارجية متطابقة لپ15 دولة ذات مصالح متباينة مهما تكن درجة النجاح في التوليف وتحقيق التناغم بين السياسات الخارجية التي لا تتلاقى مع مصالح واشنطن أو سياساتها الثابتة، مثل مصالح ألمانياوفرنسا في ايران. مع ذلك هناك حد أدنى من المصالح المشتركة لدول الاتحاد الأوروبي أرست سياسات خارجية واضحة لكنها مشلولة أو مؤجلة بانتظار انفراج دولي محدود، أو ظهور فرلاص تحرك لا يلقى معارضة أميركية فورية، ومن ذلك رئاسة بريطانيا للاتحاد الأوروبي في النصف الأول من السنة الجارية، اذ امكنها التحرك دولياً بمباركة واشنطن. وتمكن رئيس الوزراء البريطاني طوني بلير ووزير خارجيته روبن كوك من استخدام المسرح الدولي لاتخاد مواقف ذات بريق خارجي، اثارت جدلاً في الداخل، وهو أمر تقليدي رافق الحكومات العمالية دائماً. ويلوح اليوم أعداء الدور الأوروبي في الشرق الأوسط بأزمة مشابهة لمجرد ان وزير الخارجية البريطاني اطلق تصريحات تشجب اقامة المستوطنات في شرق القدس وخصوصاً في جبل "أبو غنيم". وفعل ذلك باسم الاتحاد الأوروبي وبتفويض منه في اجتماع وزراء خارجية الاتحاد في ادنبرة في مطلع الشهر الماضي. يعود التحرك الى 14 كانون الثاني يناير الماضي، حين قدم وزير الدولة للشؤون الخارجية ديريك فاتشيت مبادرة أوروبية في الشرق الأوسط، عارضاً نتعاوناً أمنياً مع تل أبيب والسلطة الفلسطينية، اضافة الى التعاون التقني موضحاً لرئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو وللرئيس ياسر عرفات ان المساعدة العملية الأوروبية تساعد في احتواء المخاوف. ويشير ذلك التحرك المبكر للديبلوماسية البريطانية الى عزم رئيس الوزراء بلير اغتنام فرصة رئاسة بريطانيا للاتحاد لتحقيق نوع من الاختراق للديبلوماسية الأميركية المستأثرة بالقضايا والمشاكل الكبرى والمعقدة في العالم وأبرزها قابع في النطاق الاستراتيجي الأوروبي كالبلقان والمتوسط والشرق الأوسط. تتبع امكانية الاختراق من العلاقة الخاصة بين لندنوواشنطن التي تجعل التحرك الديبلوماسي البريطاني في المناطق، التي لا تقبل فيها الادارة الأميركية عادة مشاركة مهما كان حجمها، مقبولاً من دون حساسيات كالتي تثيرها فرنسا مثلاً. كذلك لأسباب يتعلق بعضها بحزب العمال نفسه، والحزب الديموقراطي الأميركي. ويتعلق بعضها الآخر بالتفاعل الشخصي وعلاقة الرئيس الأميركي برئيس الوزراء البريطاني. لكن توافق بعض السياسيات قد يطغى على العوامل الشخصية، مثل انفراد بريطانيا من بين شريكاتها الأوروبيات في تأييد موقف واشنطن تجاه العراق وحشد قواتها الى جانبها في الخليج ما أبقى كلمة "تحالف" على قيد الحياة. لذلك يملك بلير وكوك أوراقاً رابحة يلعبان بها في المسرح الدولي بمباركة واشنطن، ويهمهما ان يحققا الى جانب الكسب المعنوي في أزمة الشرق الأوسط، نجاحاً في معالجة معضلة تركيا التي تفاقمت بعد رفض النظر في طلب انضمامها الى الاتحاد الأوروبي في الدفعة الأولى. ولا يدّخر الاتحاد الأوروبي وسعاً في دفع بريطانيا لبذل أقصى ما تستطيع على الجبهة الديبلوماسية واستغلال رصيدها لانعاش سياسة الاتحاد الأوروبي الخارجية قبل انتقال الرئاسة في حزيران يونيو المقبل الى النمسا ذات الموقع الأدنى على المسرح الدولي، وفي الوقت الذي تنهمك فيه المفوضية الأوروبية بجهود وضع اللمسات الأخيرة لاصدار العملة الموحدة وتحديد الدول المنخرطة فيها. وربما تكون زيارة رئيس الوزراء البريطاني الى فلسطين في أيار مايو المقبل، وتعد زيارة وزير الخارجية ممهدة لها، فرصة لتحريك المياه الراكدة في الشرق الأوسط، على يد رئيس حكومة شاب يحب المفاجآت كظهوره أمام البرلمان الفرنسي هو الأول من نوعه في تاريخ البلدين. ومع انه لا يتوقع اجتراح معجزات، الا ان أي دفع الى الأمام خير من انحدار عربة الشرق الأوسط بتسارع نحو الهاوية.