نائب وزير الخارجية الروسي فيكتور بوسوفاليوك مسؤول عن العلاقات مع 80 بلداً في افريقيا والشرق الأوسط بالاضافة الى ايران وتركيا وافغانستان، بيد انه جمّد الكثير من الملفات الساخنة ليمضي 40 يوماً في بغداد متابعاً الأزمة العراقية، ومن المنتظر ان يمنحه الرئيس بوريس يلتسن وساماً رفيعاً ما يؤكد ان موسكو تعتبر ما حصل "انتصاراً" يسجل للديبلوماسية الروسية. ولئن كان هناك من كسب فإن ذلك يعني تلقائياً ان طرفاً تحمل الخسارة، اضافة الى ان المنتصر ينبغي ان يحصل على أكاليل غار في أسوأ الأحوال وغنيمة في أفضلها. فما هي حصيلة موسكو من الأزمة؟ تعامل الكرملين، منذ البداية، من منطلق انه سيكون رابحاً في حال الانفراج ويسجل لنفسه فوزاً بالنقاط، أو اذا اقدمت واشنطن على حل عسكري تترتب عليه مضاعفات سلبية فيكون انتصر بالضربة القاضية، على الأقل في منطقة الشرق الأوسط حيث كانت مواقع الولاياتالمتحدة ستتعرض الى هزات عنيفة يمكن لروسيا ان تستثمرها لتخفيف الضغط الأميركي على محوري حلف الأطلسي الآخذ في التوسع باطراد، وبحر قزوين حيث ترى روسيا ان مصالحها النفطية والاستراتيجية تتقوض بفعل الزحف الأميركي على المنطقة. وعلى نطاق أوسع، حاولت موسكو ان تضع الخطوة الأولى نحو العالم المتعدد الأقطاب وتعيد تفعيل مجلس الأمن كقوة عالمية بديلة من القطب الواحد. ورغم تراجع الكرملين في اللحظة الأخيرة عن فكرة عقد اجتماع لوزراء خارجية الدول المناهضة للعمل العسكري، فإن روسيا ارادت استغلال التباين في المواقف لاحداث أو تعميق الصدع بين الولاياتالمتحدة وحلفائها في أوروبا. ومن خلال البوابة العراقية يمكن ان تعود موسكو الى الشرق الأوسط كما كانت خرجت من البوابة اياها اثناء احتلال الكويت. وقد يأتي في المقام الأخير، من حيث الترتيب وليس الأهمية، "الواقع العراقي" الصرف، اذ ان بغداد كانت طوال العقود الأربعة الأخيرة شريكاً، وحليفاً أحياناً، لموسكو. ويرتبط البلدان بعلاقات سياسية واقتصادية وتسلحية ادت ليس الى تعزيز الأواصر فحسب بل خلقت أيضاً مراكز قوى متنفذة داعمة للعراق داخل روسيا، ضغطت على صناع القرار لحملهم على اتخاذ "اجراءات ما" لتسريع رفع العقوبات وبالتالي فتح الآبار النفطية أمام الشركات الروسية. الا ان موسكو ليست قادرة في ظل وضعها الحالي على خوض نزال مع واشنطن، ولذا حاولت تغليف الدواء المر بشوكولاته الأممالمتحدة وتسويق المقترحات الروسية وكأنها عروض دولية، رغم ان الكرملين سعى في الداخل الى الايحاء بأنه حقق اختراقاً مهماً في السياسة الخارجية، وكان الهدف من ذلك التغطية على اخفاقات متوالية في الاقتصاد وتأمين قاسم مشترك جمع الحكم والمعارضة. وربما خلق التعاطي الروسي مع الأزمة الأخيرة انطباعاً بأن موسكو في سبيلها الى اعتماد استراتيجية جديدة على الصعيد الدولي وفي الشرق الأوسط تحديداً. ولكن روسيا لن تفلح في وضع ثوابت في السياسة الخارجية ما لم يحسم الصراع الداخلي، وسيظل الوزير يفغيني بريماكوف يتعامل مع الشأن الدولي بعين واحدة وعينه الأخرى على المتغيرات السريعة، الراهنة والمستقبلية، في الكرملين.