في مقال قيّم حول "زمن التقنية" يحاول عبدالكريم الخطيبي أن يرسم "الخارطة الثقافية العالمية" انطلاقاً من علاقة الثقافة بزمن التقنية، ومن ربط أولي للثقافة بالزمن. فالثقافة في نظره هي أولاً وقبل كل شيء تنظيم للزمن والمكان والمعرفة المحددة لهوية مجموعة ما. ولما كانت الهوية ذاتها ذاكرة في صيرورة دائمة، وزمانا متفتحاً على أنماط الزمان جميعها، فإن "الزمن التقني" لا يكتفي بأن ينضاف إلى الانتظامات الأخرى للزمن، وإنما يعيد هيكلتها، وبالتالي هيكلة الهويات والثقافات. وهكذا فهو يبدل صورتنا عن أنفسنا وعن الآخرين، بل وينزعنا عن الزمان الذي ألفناه ليحشرنا في زمانية مغايرة. انطلاقاً من هذه العلاقة المركبة للزمن بالثقافة يحاول الخطيبي أن يرسم "الخارطة الثقافية العالمية" فيقسم الثقافات إلى: ثقافات فاعلة باعتبارها قوى توسعية للتقنية ولسرعة الزمن... وثقافات في صيرورة متباطئة داخل زمن التقنية... وثقافات تعيش انحطاطاً، وتستعمل الزمن باعتباره حاضراً أبدياً، تنتظر ما قد يحدث حولها وفي دواخلها، ويتعلق الأمر هنا بتاريخ الحنين والانهيار... وأخيراً هناك ثقافات تقاوم الموت في ظل الابادة نفسها، الابادة العرقية". ما يعيب هذه الخارطة انها ليست جغرافية بقدر ما هي انطولوجية، إن صح التعبير. ذلك ان هذه الأنماط من الثقافات تكاد توجد في كل ثقافة. وما ذلك إلا لأن كل ثقافة لا تعيش زمانية طاهرة. كل ثقافة تعيش تعدديات زمنية. فالثقافة حتى وإن لم تعرف إلا جدولاً زمنياً واحداً، فهي تعيش دوماً تعددية زمنية تتردد بعلية تضافرية Surdژtremirژ.أورد حازم صاغية، في مقال مؤلم بصراحته وصدقه "الحياة"، أفكار - 12 كانون الأول/ ديسمبر لقطة تلفزيونية تشخص تضارب الأزمنة التي تعيشها الثقافة بصفة عامة وغلبة زمانية الحنين والخلود، التي يعيشها الانسان العربي، ويتعلق الأمر ببرامجنا التلفزيونية المفتوحة "بما يتخلل من أسئلة وإجابات عن أحوال أهل القرية الفلانية الذين يسلمون عليك". أما السؤال، إذ يرد من مستمع - مشاهد، فلا يجد من يقطعه أو يحد من استرساله في الانشائيات وعرض الحال، تبعاً لاخضاع التلفزيون لاخلاقية موروثة لا صلة لها باخلاقياته الجديدة التي يمليها زمنه الخاص. المستمع - المشاهد، بل الثقافات التي يحملها تعيش صراعاً بين زمانيتين: "الزمن الذي يمليه التلفزيون" أي زمن التقنية، وزمن الحنين والتواصل والاتصال والرتابة، زمن "الاخلاق الموروثة". هذا الحنين إلى الزمن بوصفه حاضراً أبدياً، والذي يتحين الفرصة ليأخذ من التلفزيون وقته، والذي تقاومه مزاحمة صارمة للزمن التقني قد تؤدي بالساهر على البرنامج ان يقطع حبل التواصل، هذا الحنين إذن موجود دوماً حتى وان استطاع زمن التقنية أن يقمعه ويوقف من فورته. على هذا النحو إذن هناك تعددية زمانية وجودية، وبالتالي تعددية ثقافية، لا عبر أنحاء العالم، بل في صميم كل هوية وقلب كل ثقافة.