يستعد حزب العمل الديموقراطي الحاكم في البوسنة الى عقد مؤتمره في ايلول سبتمبر المقبل في جو يسوده عدم التفاؤل. وعن تلك القضايا تم اللقاء مع رئيس حكومة الاتحاد الفيديرالي في البوسنة ونائب رئيس حزب العمل البوسني الحاكم ادهم بيجاكجيتش لتوضيح صورة الموقف بعد توقيع اتفاق السلام. كيف تم التفاهم والتنسيق بين الحكومة الاتحادية والحكومات الثلاث الأخرى؟ - تشكل بموجب اتفاق دايتون للسلام مجلس وزراء على مستوى الدولة يتولى تحديداً المسؤولية عن رسم السياسة والتجارة والاتصالات على المستوى الدولي، اضافة الى السياسة النقدية والضريبية. وتقوم الدولة، وفق هذا الاتفاق، على كيانين: فيديرالية البوسنة والهرسك وجمهورية صربسكا، ولكل منهما حكومة خاصة به. والبوسنيون والكروات وآخرون ممثلون في حكومة الفيديرالية، لكن حكومة جمهورية صربسكا تضم الصرب فقط في الوقت الحاضر. شكلت حكومة الفيديرالية عقب توقيع اتفاق واشنطن، واجرت اول اتصالات لها مع حكومة جمهورية صربسكا في السنة الاخيرة. ومنذ تعيين رئىس الوزراء الجديد للجمهورية، ميلوراد روديك، احرز التعاون بين الكيانين تقدماً في بعض الجوانب. الى التعاون المتبادل، يتوجب على حكومتي الكيانين ان تتعاونا ايضاً مع مجلس الوزراء وفق دستور البوسنة والهرسك. ما هي صيغة الحكومة الاتحادية الفيديرالية؟ - اثر توقيع اتفاق واشنطن، الذي جرت بواسطته تسوية النزاع بين البوسنيين والكروات، تشكلت الحكومة الفيديرالية، ومارست كامل صلاحياتها بعد توقيع اتفاق دايتون. وتتألف حكومة الفيديرالية من 12 وزيراً ووزيري دولة. وتبيّن ان الوزراء الكروات يؤلفون ما لا يقل عن 30 في المئة، وتضم ايضاً وزراء من الصرب. وتتخذ القرارات بغالبية الاصوات. ويصادق على قراراتها اولاً من قبل برلمان الفيديرالية الذي يتألف من مجلسين: مجلس النواب ومجلس الشعب. واخذاً في الاعتبار ان مجلس الشعب يعمل بالاستناد الى الاجماع الوطني للبوسنيين والكروات، فان هناك امكانية لمنع تمرير اقتراح تقدمه الحكومة. وتتخذ الحكومة نفسها القرارات بغالبية الاصوات، وينبغي ضمان مشاركة وزراء من الشعبين على مستوى الخبراء، بغض النظر عن التقسيمات القومية. وتشكل هذه الحقيقة اساساً للاداء الناجح لحكومة الفيديرالية. ما هو وضع البوسنة بقيادة حزب العمل الديموقراطي، وما هو مستقبل البلاد في ضوء التركيبة السياسية الحزبية القائمة؟ - قام حزب العمل الديموقراطي بتعبئة الشعب البوسني بعد خمسين سنة من الشيوعية في البوسنة والهرسك. وحسب برنامج هذا الحزب وقواعد عمله فانه ليس حزب البوسنيين، بل يضم ايضاً ممثلين لقوميات اخرى، لكن باعداد اصغر. وعلى المستوى العالمي، يُصنّف ضمن احزاب الوسط، مع مكوّن اسلامي قوي. ويمكن مقارنته بالاتحاد المسيحي الديموقراطي في البيئة السياسية الاوروبية، لكن لحزب العمل الديموقراطي هويته الاسلامية. وتمكن بمثل هذا التنظيم والعمل ان يحشد الجزء الاعظم من البوسنيين في البوسنة والهرسك، الذين جرت تعبئتهم للدفاع عن البلاد خلال العدوان. وتمكن في خضم معركة رهيبة وبالغة الصعوبة، من بناء جيش يمتاز بتعدد القوميات والحفاظ على ارث الديموقراطية الاوروبية. وتبعاً لذلك، لم تلق الحياة البرلمانية وحرية وسائل الاعلام الدعم اثناء الحرب، وبعدها ايضاً، الاّ في اراضي البوسنة والهرسك الخاضعة لسيطرة حزب العمل الديموقراطي. وننشط في الوقت الحاضر في تنمية اقتصاد السوق، باعتباره احد الشروط التي تميز البلدان الديموقراطية في اوروبا. لم نتخلص بعد من ارث النظام الشيوعي، لكن وضعنا كل الخطط القانونية للتخلص منه. تمكنت البوسنة والهرسك من البقاء خلال الحرب بفضل مساعدات متنوعة من بلدان شقيقة. وكان احد اشكال هذه المساعدة المتطوعون الذين انضموا الى وحدات جيش البوسنة والهرسك. وفي نهاية الحرب جرى تسريح الوحدات العسكرية، وخضعت الوحدات التي تضم جنوداً اجانب لهذه الخطوة. ومنح اولئك الذين قبلوا هذا النموذج جنسية البوسنة والهرسك واصبح بامكانهم ان يعيشوا فيها. كما ان كثيرين منهم تزوجوا فتيات بوسنيات، ويواصلون العيش بسلام. لكن نواجه بعض المشاكل مع جماعات تجنح الى الجريمة. ومع ذلك، فان هذا يتعلق بعدد ضئىل من الافراد الذين احتكوا بمجرمين محليين. وهي ظواهر طبيعية بعد حرب كهذه، ومن الضروري في وقت ما خلال فترة السلام ان يجري التوقف عن الاحتفاظ بالسلاح. ما تزال القوى الخارجية تفضل التعامل مع بقايا النظام السابق وتتجنب بناء خلافات ثقة مع القوى الجديدة؟ - نواجه موقف "مكتب الممثل الاعلى" الذي ينشط، على رغم مسؤوليته عن تطبيق اتفاق السلام في البوسنة والهرسك، لتجميع القوى التي تمثل بقايا الحركة الشيوعية في المرحلة السابقة. وعلى رغم ان هذه الاحزاب ترتدي قناع الاشتراكية الديموقراطية، فانها لم تحقق بعد هذا التحول. وهي لا تزال تخضع للتأثير القوي للشيوعية ولالحاد عدواني كان سائداً في هذه المناطق لمدة خمسين سنة. يتصدى حزب العمل الديموقراطي سياسياً لمثل هذا الموقف من جانب "مكتب الممثل الاعلى". وعدا هذا المكتب، تنشط في البوسنة والهرسك ايضاً تنظيمات اخرى من الليبراليين الاوروبيين والاشتراكيين الديموقراطيين. نحن نرحب بالتأثيرات التي تهدف الى دعم تطوير الديوقراطية وربط البوسنة والهرسك بالعالم، لكن ندين ميل عامل دولي الى اي حزب او خيار سياسي. ما هو وضع طوزلا بعد الحرب والى أي مدى يتعاون محافظ المدينة مع رئيس الوزراء اليوغوسلافي السابق؟ - السيد سليم بيسلاغيتش هو محافظ طوزلا ونفوذه يبدو واضحاً. وفي الحقيقة فانه ورث إرث حزب انتي ماركوفيتش، لكن التعاون مع رئىس الوزراء السابق ليوغوسلافيا لم يعد قائماً. وتمكن بيسلاغيتش بفضل شعبية محلية ووطنية بوسنية من حشد عدد كبير من الاتباع في طوزلا. ولبلدية طوزلا خصوصيتها، اذ تمثل اساساً المدينة وحدها من دون القرى. وكانت تمتاز قبل الحرب بمستوى عالٍ من التصنيع وبطبقة عاملة قوية، فاستطاع بيسلاغيتش ان يبني شعبيته ويستميل هذه الشريحة من العمال الصناعيين. هل صحيح ان لديكم رئيس حكومة ظل في الاتحاد الفيديرالي وما هي وظيفته؟ - توجد في اراضي البوسنة والهرسك تجارب لتشكيل "مجلس وزراء بديل"، حيث يتجمع سياسيون معارضون وشيوعيون سابقون تحت قناع الاشتراكية الديموقراطية. اضافة الى سيف الدين توكيتش، ينشط في تنظيم هذه الحركة البديلة رئىس "لجنة هلسنكي" سرجان ديزدارفيش والرئيس السابق لحزب المزارعين الكرواتي جليكو ايفانكوفيتش. وينحصر نفوذهم في اراضي جمهورية صربسكا، لكنه ضئيل جداً في مناطق الفيديرالية لأن خيارات المعارضة الفعلية الوحيدة هنا تتمثل بحزب الديموقراطية الاجتماعية بزعامة زلاتكو لاغومدجيا والسلطة المحلية لسليم بيسلاغيتش. ما هي أسباب استقالة وزير الصناعة والمعادن؟ - بعد سنة من عمل الحكومة تحت قيادتي شملت التعديلات التي طرأت عليها وزيرين. وجرى ذلك لأن مسؤوليات جديدة اُنيطت بهما. الوزير عزالدين كابيتانوفيش بروفسور جامعي ولديه وظيفة ناجحة في جامعي طوزلا وساراييفو. وحل مكانه رجل من الاقتصاديين يملك خبرة في مجال عمله، وكان الرأي ان هذا حل اكثر براغماتية. تبعاً لذلك، ليس هناك اي كلام عن تقديم استقالة، بل يدور الحديث عن تغييرات عادية في الحكومة. الى أين وصلت العلاقة بين حزبكم وحزب الاتحاد من أجل البوسنة الذي يتزعمه رئيس وزراء البوشناق المناوب حارس سيلاجيتش؟ - يرجع التعاون بين حزب العمل الديموقراطي وحزب الاتحاد من أجل البوسنة والهرسك الى الائتلاف الذي تكون من هذين الحزبين الى جانب الحزب الليبرالي والحزب المدني قبل الانتخابات المحلية في ايلول سبتمبر 1997. وكان هدف هذا الائتلاف الانتخابي، الذي ضم اربعة احزاب واستقطب عدداً كبيراً من المؤيدين، الحفاظ على البوسنة والهرسك موحدة وديموقراطية. ولا يزال الائتلاف مفتوحاً لانضمام احزاب اخرى لان اشراك عدد كبير من الصرب والكروات الموالين للبوسنة سيكون ضرورياً لتحقيق مثل هذه الفكرة. ويضم حزب البوسنة والهرسك في صفوفه عدداً كبيراً من هاتين القوميتين، ما يجعله موضع اهتمام من قبل حزب العمل الديموقراطي للحصول على قاعدة تأييد اوسع. أين وصلت عمليات اعادة المهجرين الى ديارهم؟ - تتجلى عودة البوسنيين والمنتمين الى قوميات اخرى الى ديارهم بوضوح في الفيديرالية وحدها، إذ عاد حوالي 200 ألف شخص منذ نهاية الحرب، لكن العودة الى اراضي جمهورية صربسكا الصربية كانت رمزية فحسب. عاد البوسنيون والكروات بعدد ضئيل، باستثناء شريط حدودي بين الكيانين. كما عادوا على نطاق ضيق الى بانيا لوكا. ستأخذ عملية العودة الى الفيديرالية هذه السنة مداها الكامل. وتحققت عودة كبيرة الى الاراضي الواقعة الى الشمال من زينيتسا جيبتشي وماغلاي ودوبوي. كما ان عملية العودة مفتوحة الى كانتون وسط البوسنة. والمشروع الخاص بالعودة الى كانتون الهرسك - نيريتفا قيد التنفيذ. يقال ان القوات الدولية تتعمد مضايقة الشرطة البوسنية ومنع تسليح الجيش؟ - تتحمل قوات تثبيت السلام "سفور" SFOR و "آي بي تي إف" IPTF، بموجب اتفاق دايتون، التزامات في ما يتعلق بالجيش والشرطة في الفيديرالية. فكل رجال الشرطة يجب ان يُدرّبوا ويحصلوا على شهادات "آي بي تي إف". وهناك الى حد ما قيود على حمل السلاح، خصوصاً الاسلحة البعيدة المدى. لا توجد حواجز تفتيش خاصة للشرطة، وهذا ضمان لحرية الحركة في الفيديرالية. وتعزز هذه المظاهر، حسب اعتقادي، السلام في البوسنة والهرسك. ما هو تقييمك للوضع الاقتصادي وكيف تتم المعاملات التجارية مع الخارج؟ - ليس للبوسنة والهرسك حدوداً الاّ مع يوغوسلافيا وكرواتيا. وتجري التجارة بشكل اساسي عبر كرواتيا لان الحدود الى الشرق مغلقة كلياً. واستخدمت كرواتيا هذا الموقع الجيوستراتيجي لتحقيق عائدات تجارية كبيرة. كما انها انتفعت اقتصادياً من تمثيل شركات عالمية نتيجة لتحكمها بالسوق في البوسنة والهرسك. ونلاحظ اخيراً ظهور رجال اعمال في الفيديرالية يبذلون مساعٍ لتخطي هذا الحاجز واجراء اتصالات مباشرة مع مراكز تجارية كبيرة في اوروبا والولايات المتحدة. وسيمكن هذا التطور الايجابي حكومة الفيديرالية من السيطرة على السوق ضمن مجال نشاطها في المستقبل. الى ذلك، ادخلت الحكومة اجراءات حمائية للسلع المحلية بهدف رفع الانتاج في فيديرالية البوسنة والهرسك. قمنا ايضاً، بدعم من مسؤولي جمارك دوليين بتوفير سيطرة جمركية سليمة على معابر حدود شرعية، وبدأنا تدريجاً نفرض سيطرة على حدودنا الوطنية الغربية. وهناك اضافة الى الحدود الوطنية خط الحدود بين الكيانين، الذي تأتي عبره السلع من جمهورية الصرب اليوغوسلافية، ما يزيد في خفض واردات الموازنة للفيديرالية. وماذا عن حجم المساعدات التي تقدمها الدول العربية والاسلامية وهل تتناسب مع احتياجاتكم؟ - كانت المساعدات التي قدمتها البلدان الاسلامية مهمة بشكل خاص خلال العدوان على البوسنة والهرسك، لكن كانت مهمة ايضاً في وقت لاحق اثناء برنامج "جهّز ودرّب" لجيش الفيديرالية. كما تبدو المساعدة واضحة في قطاع التعليم والرعاية الصحية. لكن نتوقع حالياً مشاركة البلدان العربية وغيرها من البلدان الاسلامية في عملية التخصيص في البوسنة والهرسك وفي تطوير الانتاج في البلاد بقوة اكبر. ويمكن ان يُنفّذ ذلك عبر تبادل السلع مع مؤسسات في البوسنة والهرسك. كما توجد امكانات كبيرة لتطوير هذا التعاون، خصوصاً في عملية تخصيص المصارف المتوقعة في السنة الجارية. وتبعاً لذلك، فاننا نتوقع تدفق اموال من بلدان اسلامية، وسيعني هذا دعماً يمكّن البوسنيين من تعزيز استقلالهم الاقتصادي، وبناء مراكز علمية وفق الخطط المرسومة، مثل بناء منشآت ثقافية ومساجد. كيف تتصور مستقبل خلافات البوسنة مع صربيا وكرواتيا؟ - اظهرت جمهورية الصرب اليوغوسلافية وجمهورية كرواتيا نوايا عدوانية تجاه البوسنة والهرسك، فكان هدفهما في الحرب الاستيلاء على اكبر ما يمكن من ثروات البلاد وتقسيمها بالفعل الى جزئين في وقت لاحق. وحال الوطنيون البوسنيون بنضالهم ومقاومتهم البطوليتين دون تحقيق هذه الاهداف. لكن جمهوريتي الصرب وكرواتيا لم تتخليا عن هذه النوايا، لذا لا نزال نواجه المحاولات لتحقيق الاهداف التي لم تتحقق خلال الحرب. ربما اطلعت على الاتفاقات بين الصرب والكروات. فرئيسا هاتين الدولتين، سلوبودان ميلوسيفيتش وفرانيو تودجمان وقّعا في السابق اتفاقاً في كراجورجيفو يتعلق بتقسيم البوسنة والهرسك وتقاسم مناطق النفوذ. ونتيجة لذلك، لا نزال في البوسنة والهرسك نشعر بتأثير قوي للجمهوريتيين المجاورتين. يقال ان الرئيس علي عزت بيكوفيتش يعاني من مشاكل صحية ولن يترشح لمنصب الرئاسة في الدورة المقبلة؟ - الرئيس علي عزت بيكوفيتش شخص مهم جداً بالنسبة الى حزب العمل الديموقراطي. واُصيب قبل سنة بنوبة قلبية، لكنه شفي من النوبة ويزاول حالياً مهماته، وهو امر بالغ الاهمية بالنسبة الى البوسنة والهرسك في اللحظة الراهنة. الشائعات التي تتعلق بمن سيخلفه ليست الاّ حسابات وتقديرات لاجهزة استخبارات اجنبية. سيتحدد خليفة فعلي في الانتخابات التي ستجري في ايلول سبتمبر المقبل. ومن المحتمل ان يترشح الرئىس عزت بيكوفيتش مرة اخرى وان يستمر في قيادة حزب العمل الديموقراطي. هذه قرارات شخصية تعود اليه، وستُتخذ في الوقت المناسب. كيف ترى مستقبل البلدان الاسلامية في ظل هيمنة النظام العالمي الجديد؟ - اعتقد انه ينبغي للبلدان الاسلامية ان تقبل "تحدي العالم"، وانجازات حضارتها تضاهي انجازات حضارات اخرى. بهذه الطريقة، لن يفضي التطور في المستقبل الى نزاعات بين الحضارات بل الى تعاون بينها. يمكن للحضارة الاسلامية، بهذا المعنى، ان تقدم الكثير، خصوصاً ما يتعلق بتقدم العلاقات بين الافراد. وفق هذا المنظور، لا ارى مستقبل العالم في النزاع بين الحضارات، كما يتنبأ بذلك بعض منظري المستقبل. سيتجه العالم بدلاً من ذلك الى تعاون كامل وتطوير للديموقراطية في شكلها الاصيل، وهو شىء ملازم للمنظور الاسلامي في ما يتعلق بهذه القضايا. وفي نهاية الحديث شكر رئىس حكومة الاتحاد الفيديرالي في البوسنة والهرسك ادهم بيجاكجيتش كل البلدان الاسلامية والافراد للدعم الذي قدموه للبوسنة والهرسك، اذ تمكنت بفضل هذا الدعم ان تصبح بلداً له سيادة على ارض اوروبا، ويؤلف البوسنيون غالبية سكانها.