خيم الحزن والالم على اجواء البوسنة والهرسك عندما تعالت في اجوائها انباء وفاة ابو الامة الرئيس السابق على عزت بيجوفيتش ذلك الزعيم الذي تمتع بحياة حافلة تنوعت بين النضال دفاعا عن المبادئ والاستقلال وبين السير قدما في تحقيق ابسط مكتسبات العصر لدولة طالما عانت من اجواء الصراعات والحروب .بيجوفيتش الذي تولى رئاسة البلاد من عام 1990 إلى عام 2000 وكان أول رئيس للبوسنة والهرسك كدولة مستقلة، سيذكره الناس رجلا بسيطا متواضعا وسياسيا يصعب وصفه أعاد الاستقلال إلى البوسنة والهرسك بعد قرون من خضوعها لسيطرة أنظمة أخرى، كما سيذكرون رئيسا للبلاد التي خاضت في أسوأ حمام للدماء في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية. تتحدث سيرته الذاتية عن رجل لم يعرف يوما معنى للراحة حتى بعد تحقيق الاستقلال لدولته، فذلك الرجل الذي ولد في 8 آب/أغسطس عام 1925 في بوسانسكي ساماتش انتقلت أسرته إلى العاصمة البوسنية سراييفو حيث أتم تعليمه الابتدائي والثانوي وبدأ دراساته في مجال الزراعة بعد ثلاثة أعوام. لكنه سرعان ما أظهر ذلك الفتى المراهق اهتماما بالامور الدينية والقومية وانضم إلى منظمة الشبان المسلمين التي كانت تعمل على تأصيل القواعد الاسلامية والمطالبة بحقوق المسلمين، حيث لم يرق هذا للنظام الشيوعي في يوغوسلافيا السابقة بعد الحرب العالمية الثانية فاضطهده النظام بسبب آرائه وأنشطته السياسية.، الى ان حكم عليه في عام 1946 بالسجن ثلاث سنوات بسبب نشاطه السياسي، حيث استغل فترة السجن في القراءة وتهيئة نفسه لدراسة القانون التي أتمها في سراييفو عام 1956، سرعان ما قرر اعتزال السياسة بعد أن حصل على درجة الدبلوم الجامعية. الا انه ما لبث في أوائل الثمانينيات ان انضم لمجموعة من المثقفين المسلمين كانوا يعكفون على إعداد إعلان إسلامي يهدف إلى الاطاحة بالشيوعيين وإقامة مجتمع على أساس من المباديء الاسلامية، مما ادى الى سجنه 14 عاما لكن الحكم خفف لاحقا إلى ست سنوات. وفي أوائل التسعينيات من القرن الماضي وفي المراحل الاولى من حل يوغوسلافيا السابقة عاد عزت بيجوفيتش إلى السياسة ليشكل في تشرين الثاني/نوفمبر عام 1990 حزب العمل الديمقراطي الاسلامي(إس دي إيه)، الذي فسرت نشأته على مباديء أخلاقية بأنه جاء رد فعل على تأسيس أحزاب قومية للكروات والصرب في صربيا وكرواتيا والبوسنة. وبعد انهيار يوغوسلافيا السابقة عام 1990 كان بيجوفيتش يوصف بأنه سياسي معتدل حدد للبوسنة طريقا محايدا في النزاع بين النظام اليوغوسلافي السابق في بلجراد والنظام في زغرب بعد أن قررت كرواتيا الانسلاخ عن الدولة الفيدرالية، حيث كان بيجوفيتش مدركا أن كرواتيا ومقدونيا وسلوفينيا قررت إعلان الاستقلال ومن ثم انهيار يوغوسلافيا تيتو فقرر أن على البوسنة أن تنتهج النهج نفسه، الا ان هذا الاتجاه لم يحظ بترحيب من صرب البوسنة ولا من النظام في بلجراد فانساقت البلاد إلى صراع امتد 43 شهرا وتميز بعمليات تطهير عرقي وإراقة دماء. كما دفعت السياسة التي اتبعها وكانت غالبا من وضع مستشاريه ورفقائه المقربين في الحزب المسلمين البوسنيين تحت حكمه إلى تعميق الصراع العرقي في البوسنة والهرسك مما أدى إلى فتح جبهة مع كروات البوسنة في أواخر عام 1992، مع ذلك نجح في كسب تأييد غربي له بوصفه سياسيا معتدلا يسعى إلى إقامة بوسنة وهرسك متعددة الاعراق لا بوصفه زعيما لبلد تنظمه القوانين الاسلامية. لقد كان بيجوفيتش واحدا من مفاوضي السلام الثلاثة الاساسيين في البلقان إلى جانب كل من نظيريه الصربي سلوبودان ميلوسيفيتش والكرواتي الراحل فرانيو توديمان ووقع في كانون الاول/ديسمبر عام 1995 اتفاقية إطار العمل للسلام في البوسنة والهرسك بعد أكثر من أسبوعين من المفاوضات في دايتون بأوهايو. ومع اعتلال صحته وبعد تعرضه لازمتين قلبيتين استقال بيجوفيتش من الرئاسة في أواخر عام 2000 ولكنه ظل يرأس حزب العمل حتى تشرين الاول/أكتوبر عام 2000 حينما أعلن اعتزاله وانسحابه الكامل من الحياة السياسية، لكنه بقي يحكم في الظل وفي صمت حزبه بوصفه رئيسا شرفيا له. وفي آخر ظهور له من خلال مقابلة قصيرة لمحطة تلفزيون محلية في سراييفو أجريت معه في المستشفى دعا بيجوفيتش جميع البوسنيين إلى التغلب على الانقسامات العرقية ونسيان الضغائن من أجل ازدهار البلاد.