لموضوع الصداقة أهمية خاصة في تفكير المخرج سعد الشرايبي، تناوله في جل أفلامه القصيرة والمتوسطة، وجعل منه هماً مركزياً في فيلمه المطول الأول "يوميات حياة عادية" 1990. هل المسألة تعود الى اعتبارات خاصة مرتبطة بالحياة الشخصية للفنان؟ أم أن وجوده في مدينة كبيرة بحجم الدار البيضاء، التي تضم كل مظاهر وتناقضات المجتمع المغربي في مرحلته الانتقالية الممتدة، هو الذي أملى عليه إعادة الاعتبار الى العلاقات الانسانية في واقع يعاند ما هو انساني؟ أسئلة عدة يمكن طرحها على أعمال هذا المخرج، إلا أنه في فيلمه الأخير "نساء... ونساء" حاول معالجة الموضوع نفسه لكن من زاوية الواقع المعقد والمتموج للمرأة. فإذا كان الشرايبي تعرض في "يوميات حياة عادية" لتأثير الزمن في الصداقة ولمفعول التحولات الجارفة على المبادئ والقيم، فإنه حاول في "نساء... ونساء" استعراض بعض مظاهر العنف الذي يمارس على جسد المرأة وعلى كيانها، فضلاً عن أنه ينزع الى تقديم نوع من التأمل في الظاهرة الانثوية. يتعلق الأمر في هذا الفيلم بشابة "زكية" تعمل صحافية منشطة لبرنامج نسائي في قناة تلفزيونية، تجمع بين الرغبة الجامحة في اتقان عملها وبين التعاطف الظاهر مع قضايا النساء، لدرجة أن عملها يستقطب كل اهتمامها ويمتد الى حياتها الخاصة. يحصل أن تلتقي مع ثلاث صديقات لها درسن جميعاً بالكلية. وفي اللقاء تنطلق قصة كل واحدة منهن، اذ أنهن يعشن ظروفاً مختلفة تماماً في العلاقة مع ذواتهن ومع الرجل ومع العمل. أربع وضعيات ترصد أربع حالات نسائية في مجتمع يشهد تمزقات وتحولات كبرى، في العلاقة مع المال والقيم والأسرة والحب. واحدة مطلقة وغنية نسبياً، الثانية تتزوج من رجل سادي فتضطر الى محاولة قتله، الثالثة معلمة تزوجت من زميل لها، والرابعة "زكية" وهي التي يركز عليها الفيلم في سرده بحكم التزامها بالبرنامج التلفزيوني تتعرض لمضايقات الإدارة. وما تواجهه من مواقف ذكورية استخفافية يؤدي الى فصلها عن العمل وتحملها مسؤولية تحرير مجلة نسائية في ما بعد. غير أن الفيلم اذ أعطى أهمية خاصة لهذه الأوجه الأربعة للمرأة فإنه قدم صوراً رجالية في غاية السلبية. كل الشخوص الرجالية تتميز اما بالعنف أو بالمكر والانتهازية أو بالتصرفات التآمرية. وإذا كان موضوع الصداقة بين النساء يثير اهتمام المخرج، فإن لمسألة العنف حضوراً بارزاً ابتداء من العنف اللفظي في البرنامج التلفزيوني وصولاً الى العنف المادي الممارس على جسد المرأة. والفيلم يحاول الاعلاء من شأن الصداقة النسائية والتضامن الذي تولده أحياناً، لمحاصرة بعض مضايقات هذا العنف. ولهذه الظواهر وجود واقعي قاس في مجتمع أصبح يعطي للقيم المادية الأهمية الحاسمة. وقد حاول سعد الشرايبي في "نساء... ونساء" ان يبرز التناقض الصارخ بين التفتح النسبي للمرأة المغربية وبين واقعها اليومي، بين النزوع الجارف الى الحرية وبين الاكراهات المختلفة التي تشل حركتها. لكن هل تمكن المخرج من اظهار هذا التناقض بشكل سينمائي مقنع؟ وهل الرغبة في التعبير عن واقع المرأة في قوته وهشاشته وجدت ما يلزم من الوسائل المناسبة لابرازه؟ ذلك ما يحار المرء في العثور عليه داخل نسيج الفيلم. إذ لا تكفي النيات الحسنة في العمل السينمائي والفني عموماً، والتعاطف مع المرأة يفترض انصاتاً مركباً يجمع بين الوعي الاجتماعي والفهم السيكولوجي والتمكن التقني لتأطير وجود المرأة في تناقضاتها واشكال هشاشتها، فضلاً عما يستلزمه الأمر من حس جمالي يتناسب مع الجمالية المغرية للجسد الانثوي. نجد محاولات عدة في الفيلم على هذا الصعيد، لكن هناك حالات من الارتباك في الحكي والتركيب ظاهرة للعيان على ايقاع الفيلم. وبناء السيناريو يعاني من هفوات، ومتواليات عدة يظهر عليها جفاف كبير في التصوير والحوار والتركيب. ومع ذلك توجد مقاطع كثيرة تفوق المخرج فيها، ولحظات قوة لا تعدم بعض مشاهده. غير أن الفيلم كما يتقدم في كليته يظهر الفارق الكبير بين المشروع الذي يسكن المخرج وبين الانجاز، بين الرغبة في اختراق لغز الظاهرة الانثوية في تعبيراتها الجسدية والاجتماعية وبين تمظهراتها في الشريط. "نساء... ونساء" هو الفيلم المطول الثاني لسعد الشرايبي، اضافة الى بعض الأشرطة القصيرة والمتوسطة التي أنجزها. ولأن السينما المغربية والعربية اتخذت باستمرار من المرأة قضيتها الكبرى، بحكم أن كل الظواهر الاجتماعية والتناقضات والتحولات تجعل من جسدها المختبر الأبرز، فإن المتابع يتوقع تناولاً أصيلاً، فكرياً وسينمائياً، لمفارقات هذه المرأة في مواجهتها لذاتها وللرجل. ولا شك في أن بعض لحظات الفيلم تنتزع الاعجاب بحكم قوتها وحقيقتها، من قبيل الحوار النسائي الحميم أو بعض مشاهد العنف. لكن المخرج بقي موزعاً بين الميل نحو التعبير عن قوة الجسد الانثوي وبين ابراز مظاهر العنف الممارس عليه، ومتأرجحاً بين الرغبة وحقيقة الانجاز.