عاماً بعد عام يتزايد عدد المخرجات السينمائيات في المغرب، خصوصاً وأن المخرجة السينمائية المغربية بشكل عام استطاعت أن تحقق لها تواجداً ملحوظاً في هذا المجال الفني الصعب، من خلال الأفلام السينمائية التي قدمتها أو على الأقل تلك التي شاركت في انجازها إما من خلال كتابة السيناريو لها أو الإنتاج أو التمثيل. وقد برزت في هذا الجانب مجموعة من المخرجات السينمائيات اللواتي تعددت وجهات نظرهن السينمائية كما تعددت خصوصيات الأفلام السينمائية التي قدمتها كل واحدة منهن، سواء على مستوى الطرح الفكري لصورة المرأة فيها أو من حيث المراحل الزمنية التي تسعى كل واحدة منهن لتقديم أفلامها ضمن مرجعيتها العامة. فريدة الرائدة ومن بين المخرجات السينمائيات المغربيات اللواتي حققن حضوراً كبيراً في المشهد السينمائي المغربي المخرجة الكبيرة فريدة بليزيد التي قدمت مجموعة من الأفلام السينمائية التي حققت نجاحا لافتا للنظر وكانت محور نقاشات ومتابعات سواء في الصحف السيارة أو في الملتقيات والمهرجانات السينمائية المغربية والدولية. ومن بين هذه الأفلام فيلمها السينمائي الأول الشهير «باب السماء مفتوح». وقد اعتبر هذا الفيلم لحظة انجازه وعرضه عملاً سينمائياً قوياً ليس فقط بالنسبة للسينما المغربية بل حتى بالنسبة للسينما العربية خصوصا ما تعلق منها بقضايا المرأة والدفاع عنها وعن حقوقها. هذا الفيلم الذي يحكي قصة نادية، الشابة المغربية المهاجرة التي ستعود من مكان إقامتها في باريس لرؤية والدها في فاس وهو على فراش الموت، حيث ستلتقي بامرأة أخرى ذات عمق ديني قوي، وتتأثر كثيراً بها، ما يدفع بها لتحويل بيت والدها الكبير الذي كان ينوي كل من أخيها وأختها بيعه، إلى مأوى للنساء المعدمات. أما فيلمها السينمائي الثاني الذي قامت بانجازه عام 1999 والذي حمل عنوان «كيد النساء» فإنها استوحت فيه حكاية شعبية جمعت بين ابنة أحد التجار المعروفة بذكائها وحيلها و التي جسدتها ببراعة فنية الفنانة سامية أقريو وبين ابن السلطان القاطن بمحاذاة بيتهم والذي سيتزوج بها بعد صراع طويل بينهما ، وقد جسد دوره الفنان السينمائي المغربي رشيد الوالي. والفيلم على رغم طابعه الحكائي الشعبي ينحاز إلى مساندة المرأة والدفاع عنها، كما أنه يقدم صورة ايجابية للمرأة المغربية منذ سالف الأزمان . بعد هذا الفيلم تقدم فريدة بليزيد فيلماً آخر هو «الدارالبيضاء يا الدارالبيضاء» المنجز عام2002 والذي يدخل ضمن خانة الأفلام المغربية التي تتزايد بشكل كبير في تأطير فضاء الدارالبيضاء، هذه المدينة الكبيرة. لكن ما هيمن على فضاء هذا الفيلم هو الصراع الذي كان ناشباً بين الشخصيات في هذا الفيلم ، ولم يتم التركيز فيه بالضرورة على قضايا المرأة، كما هو الشأن مثلاً مع الفيلم الذي سيأتي بعده والذي ستعود به ومن خلاله المخرجة إلى طرح قضايا المرأة، وهو فيلم «خوانيتا بنت طنجة» الذي اقتبست قصته عن رواية «هذه الحياة الكلبة» للكاتب الاسباني أنخيل باسكيت. وهذا الفيلم يدافع هو الآخر عن المرأة ويقدم صورة لها لكن هذه المرة في بعدها العالمي، وليس المغربي أو العربي فحسب. تحيز الى النساء وإذا كانت المخرجة فريدة بليزيد قد ساهمت ومنذ بداياتها السينمائية في تقديم صورة للمرأة في مختلف تجلياتها الاجتماعية فإن رفيقة دربها السينمائي المغربي المخرجة المغربية فريدة بورقية التي قدمت في السابق فيلم «الجمرة» في سنة 1981 وكانت رائدة فيه على مستوى الإخراج السينمائي المغربي النسائي، كما كانت رائدة فيه على مستوى طرح مسألة المعاناة الاجتماعية بالنسبة للنساء القاطنات في القرى الجبلية خصوصاً بعد سجن المعيل لهن أو موته، ورغبتهن في إعالة أبنائهن وحمايتهن، تعود لتخرج فيلما سينمائياً جديداً هو فيلم «طريق العيالات» الذي يعلن لنا منذ عنوانه تحيزه إلى النساء والدفاع عنهن في الطريق الذي اخترنه أو كتب عليهن المشي فيه وأردن التخلص منه. وهذا الفيلم هو من بطولة كل من الفنانة منى فتو والرائدة عائشة ماهماه. وهو يحكي قصة أمينة التي ستذهب إلى منطقة الشمال المغربي حيث زوجها في السجن، بسبب اتجاره بالمخدرات، وفي طريقها إلى هناك ستتعرف على سيدة مسنة اسمها للا رحمة، تبحث هي الأخرى عن إبنها الراغب في الهجرة السرية إلى أوروبا. إن هذا الفيلم يقدم صورتين مختلفتين للمرأة سواء على مستوى الواقع الاجتماعي أو النظرة إلى العالم، عن طريق تقديم كل من المرأة الشابة والمرأة المسنة، تمشيان معاً في نفس الطريق، طريق الحياة، تساعد كل واحدة منهما الأخرى. وهي نظرة ايجابية للتعاون النسائي على المستوى الرمزي حيث تتلاقى الأجيال وتتكامل في ما بينها. أما بخصوص الجيل الجديد من المخرجات السينمائيات المغربيات، فقد برزت منهن كل من نرجس النجار التي حقق فيلمها السينمائي الأول «العيون الجافة» نجاحاً ملحوظاً سواء من حيث قوة الفكرة التي يعالجها وهي الدفاع عن النساء اللواتي يعانين من الفقر وتفرض عليهن تحت وطأته أنواع من الممارسات اللانسانية، أو من حيث طريقة الإخراج المنفتح فيه، الذي فسح المجال للممثلين للتعبير عن ذواتهم خصوصا النساء منهم بكل قوة، داخل هذا الفضاء المغلق الذي وجدن أنفسهن يعشن فيه. وفي هذا الفيلم سعت المخرجة لتقديم صورة حزينة للمرأة قصد لفت الأنظار إليها وتخليصها مما هي فيه، وقد كانت خاتمة الفيلم مؤشرة على التحول الايجابي الذي عرفه هذا الفضاء. وقد حاولت نجار في فيلمها الثاني «انهض يا مغرب» أن تقدم صورة غير نمطية للمرأة من خلال تقديم دفاع عنها وعن الاختيارات التي تجد نفسها تقوم بها. وان كانت قصة الفيلم لا تتعلق بالمرأة كموضوعة رئيسة فيه. كما برزت أيضاً المخرجة المغربية ياسمين قصاري التي قدمت فيلماً سينمائياً رائعاً هو فيلم «الراقد» الذي تطرقت فيه إلى معاناة النساء في القرى وخصوصا اللواتي يهاجر أزواجهن إلى أوروبا ويتركوهن عرضة لليأس والمعاناة، كما يحرمهن من حقوقهن الطبيعية. وقد نال الفيلم جوائز عديدة . وإضافة إلى كل من نرجس النجار وياسمين قصاري برزت أسماء نسائية أخرى في مجال الإخراج السينمائي المغربي نذكر منها كل من ليلى المراكشي صاحبة الفيلم – الحدث «ماروك»، وليلى التريكي صاحبة الفيلم القصير «دم الحبر» والمخرجة زكية طاهري صاحبة فيلم «نامبر وان» وغيرهن طبعاً. وهكذا يبدو لنا أن المخرجات السينمائيات في المغرب قد بدأن يلجن الميدان بكل جرأة ومسؤولية، كما استطعن أن يحققن فيه حضوراً قوياً.