لم تنتظر اسرائيل وصول وزير الخارجية البريطاني روبن كوك الذي ترأس بلاده حالياً الاتحاد الأوروبي لتعلن رفضها أي أفكار يحملها محذرة أوروبا من طرح أي مبادرة في شأن عملية السلام. وكان سكرتير الحكومة الاسرائيلية داني نافيه في منتهى الصراحة عندما قال ان الدور الأوروبي يجب أن يقتصر على المساعدة في تحقيق التنمية. هل تقبل أوروبا بهذا الدور؟ عملياً، ليس في استطاعة أوروبا ان تنافس الولاياتالمتحدة في الشرق الأوسط، والدور الأوروبي لا يمكن ان يكون أكثر من دور مكمل للدور الأميركي. لكن أوروبا التي تعتبر أكبر مساهم مالي في عملية السلام في الشرق الأوسط، لا يمكن ان تنتظر من اسرائيل ان تحدد لها حدود دورها. بل أكثر من ذلك، عندما ترى أوروبا أن ثمة تردداً أميركياً في لعب دور الوسيط النزيه في الشرق الأوسط لن يكون في استطاعتها ان تقف مكتوفة وان تنتظر "قتل عملية السلام بطريقة مبرمجة" على حد تعبير الرئيس جاك شيراك. يحمل الوزير كوك الى الشرق الأوسط أفكاراً بسيطة ومنطقية لإعادة الحياة الى عملية تقوم على تنفيذ اسرائيل التزاماتها بموجب اتفاق أوسلو والاتفاقات اللاحقة. وأقل ما يمكن قوله في الأفكار البريطانية هو أنها متوازنة، اذ تأخذ في الاعتبار الهواجس الأمنية لاسرائيل، كما تأخذ في الاعتبار ان الاتحاد الأوروبي ساهم في دعم عملية السلام عبر قروض وهبات ببليون و850 مليون دولار منذ عام 1993. اوليس هذا المبلغ كافياً لتكون للأوروبيين كلمة في عملية السلام خصوصاً أن الاستقرار في الشرق الأوسط جزء من استقرارهم وأنهم يتأثرون مباشرة بكل ما يحصل فيه؟ مهما حاول بنيامين نتانياهو اللعب على التناقضات سيأتي اليوم الذي يواجه فيه استحقاقات عملية السلام، فهو لا يستطيع ان يمارس الى ما لا نهاية مناورة التوجه الى أوروبا والطلب منها ان تلعب دوراً أكبر في الشرق الأوسط، عندما تظهر بوادر لمبادرة اميركية قد ترى النور قريباً... ثم يعتبر فجأة أن أوروبا لا تصلح الا لتقديم مساعدات اقتصادية، أو للمساعدة في تنفيذ القرار 425 حسب الشروط الاسرائيلية. ان قوانين اللعبة واضحة، وياسر عرفات يتقنها جيداً، لذلك لم يستفزه "بيبي" رغم كل ما فعله منذ توليه السلطة... لأن الوصول الى الهدف الفلسطيني وهو اقامة الدولة، سيتحقق بعدما دفن اتفاق أوسلو مشروع "اسرائيل الكبرى"... ولأن بيبي فهم اتفاق أوسلو في العمق فهو يبذل كل هذا الجهد لتدميره