الأسهم الأوروبية تغلق على تراجع    أمير تبوك: نقلة حضارية تشهدها المنطقة من خلال مشاريع رؤية 2030    الفالح: المستثمرون الأجانب يتوافدون إلى «نيوم»    برئاسة ولي العهد.. مجلس الوزراء يقرّ الميزانية العامة للدولة للعام المالي 2025م    السعودية وروسيا والعراق يناقشون الحفاظ على استقرار سوق البترول    مغادرة الطائرة الإغاثية ال24 إلى بيروت    التعاون والخالدية.. «صراع صدارة»    الملك يتلقى دعوة أمير الكويت لحضور القمة الخليجية    الهلال يتعادل إيجابياً مع السد ويتأهل لثمن نهائي "نخبة آسيا"    في دوري يلو .. تعادل نيوم والباطن سلبياً    خادم الحرمين الشريفين يدعو إلى إقامة صلاة الاستسقاء    «التعليم»: 7 % من الطلاب حققوا أداء عالياً في الاختبارات الوطنية    أربعة آلاف مستفيد من حملة «شريط الأمل»    «فقرة الساحر» تجمع الأصدقاء بينهم أسماء جلال    7 مفاتيح لعافيتك موجودة في فيتامين D.. استغلها    أنشيلوتي: الإصابات تمثل فرصة لنصبح أفضل    الأسبوع المقبل.. أولى فترات الانقلاب الشتوي    «شتاء المدينة».. رحلات ميدانية وتجارب ثقافية    مشاعر فياضة لقاصدي البيت العتيق    الزلفي في مواجهة أبها.. وأحد يلتقي العين.. والبكيرية أمام العربي    مبدعون.. مبتكرون    ملتقى الميزانية.. الدروس المستفادة للمواطن والمسؤول !    هنآ رئيس الأوروغواي الشرقية.. خادم الحرمين الشريفين وولي العهد يعزيان القيادة الكويتية    بايدن: إسرائيل ولبنان وافقتا على اتفاق وقف النار    كيف تتعاملين مع مخاوف طفلك من المدرسة؟    حدث تاريخي للمرة الأولى في المملكة…. جدة تستضيف مزاد الدوري الهندي للكريكيت    قمة مجلس التعاون ال45 بالكويت.. تأكيد لوحدة الصَّف والكلمة    7 آلاف مجزرة إسرائيلية بحق العائلات في غزة    الدفاع المدني: استمرار هطول الأمطار الرعدية على معظم مناطق المملكة    كثفوا توعية المواطن بمميزاته وفرصه    شركة ترفض تعيين موظفين بسبب أبراجهم الفلكية    «هاتف» للتخلص من إدمان مواقع التواصل    حوادث الطائرات    حروب عالمية وأخرى أشد فتكاً    معاطف من حُب    الدكتور عصام خوقير.. العبارة الساخرة والنقد الممتع    جذوة من نار    لا فاز الأهلي أنتشي..!    الرياض الجميلة الصديقة    هؤلاء هم المرجفون    المملكة وتعزيز أمنها البحري    اكتشاف علاج جديد للسمنة    السعودية رائدة فصل التوائم عالمياً    خادم الحرمين الشريفين يدعو إلى إقامة صلاة الاستسقاء الخميس المقبل    مناقشة معوقات مشروع الصرف الصحي وخطر الأودية في صبيا    حملة على الباعة المخالفين بالدمام    «السلمان» يستقبل قائد العمليات المشتركة بدولة الإمارات    أهمية الدور المناط بالمحافظين في نقل الصورة التي يشعر بها المواطن    المؤتمر الدولي للتوائم الملتصقة يناقش تحديات إعادة ترميم الأعضاء وتغطية الجروح    مركز صحي سهل تنومة يُقيم فعالية "الأسبوع الخليجي للسكري"    "سلمان للإغاثة" يوقع مذكرة تفاهم مع مؤسسة الأمير محمد بن فهد للتنمية الإنسانية    جمعية لأجلهم تعقد مؤتمراً صحفياً لتسليط الضوء على فعاليات الملتقى السنوي السادس لأسر الأشخاص ذوي الإعاقة    حقوق المرأة في المملكة تؤكدها الشريعة الإسلامية ويحفظها النظام    استمرار انخفاض درجات الحرارة في 4 مناطق    الكرامة الوطنية.. استراتيجيات الرد على الإساءات    محمد بن راشد الخثلان ورسالته الأخيرة    زاروا المسجد النبوي ووصلوا إلى مكة المكرمة.. ضيوف برنامج خادم الحرمين يشكرون القيادة    نوافذ للحياة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أجواء اسرائيل الداخلية خلال الأزمة . أبلغت تل أبيب واشنطن فكرة ضرب العراق بسلاح شمولي
نشر في الحياة يوم 14 - 03 - 1998

على رغم ان اسرائيل لم تكن طرفاً مباشراً في الأزمة بين العراق وأميركا الا انها كانت على ما يبدو الطرف الأكثر تضرراً. وكانت ردود الفعل لدى الدولة والسكان قائمة على افتراض رئيسي وهو امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل. ومع ان المسؤولين بنوا ذلك على قرائن خارجية مثل تقارير الأمم المتحدة وليس على معلومات استخباراتية - كما ذكر بعض المسؤولين - الا انهم مع ذلك كانوا يؤكدون هذا الافتراض. فرئيس الاركان أمنون شاحاك قال ان العراق مازال يملك كمية من اسلحة الدمار الشامل وان كانت أقل بكثير مما كانت عليه عام 1991. كما ان داني شالوم عقيد احتياط في الاستخبارات العسكرية وخبير في مركز بيغن - السادات في جامعة تل أبيب أكد ان العراق لديه اسلحة بيولوجية وكيماوية وانه يملك صواريخ تحمل هذه الاسلحة. وكان هذا ايضاً رأي البرفسور أفرايم أنبار من مركز BESA للدراسات الاستراتيجية اذ قال "ان العراق، على الرغم من القيود المفروضة عليه، نجح في تطوير قدرته الكيماوية والبيولوجية". وذكر بعض هؤلاء انواع هذه الاسلحة وعددوا منها ال VX وغاز السارين وغاز المستر، وقالوا ان هناك انواعاً اخرى، وأكدوا على امتلاك العراق للاسلحة البيولوجية أهمها Anthrax.
ورغم تأكيدهم على امتلاك العراق هذه الاسلحة اعترفوا بأنهم لا يعرفون كميتها ولا أماكن تخزينها. فرئيس أركان الجيش الاسرائيلي قال بأن هذه الاسلحة خبئت في اماكن بعيدة عن الانظار لأن العراق بلد واسع. ويقول الجنرال المتقاعد بن نون افيهو - رئيس القوة الجوية سابقاً - انه ليس هناك معلومات مؤكدة عن هذه الاسلحة ولا عن كميتها ولا عن أماكن تخزينها كما ان اسرائيل نفسها ليس عندها معلومات عن هذه القضية وانه لا يمكن معرفة هذه عن طريق الاستخبارات التقنية بل يحتاج كشفها الى استخبارات بشرية. واختلفوا ايضاً في عدد الصواريخ التي بحوزة العراق فمنهم من قال ان العراق يملك 25 رأساً بيولوجياً و50 رأساً كيماوياً بينما يقول الجنرال المتقاعد بن نون افيهو، بأن بحوزة العراق 45 صاروخاً وعدداً قليلاً من المنصات لاطلاقها. بينما رأت هاآرتس ان العراق يملك 75 صاروخاً أرض أرض يمكنها حمل رؤوس بيولوجية وكيماوية ويمكنها ان تضرب اسرائيل.
لكن مع تأكيدهم بامتلاك العراق لهذه الاسلحة اخذ المسؤولون يطلقون التصريحات لتطمين السكان بأن احتمال ضرب اسرائيل بهذه الاسلحة ضعيف. وأعلن نتانياهو بأن احتمال ضرب العراق لاسرائيل هو احتمال ضعيف جداً واذا حدث فان اسرائيل عندها الاستعداد الكامل للرد على ذلك وأضاف "لا أعرف بلداً أفضل من اسرائيل في هذا المجال". وردد رئيس الجيش القول نفسه "اننا مستعدون لأي احتمال كما اننا نملك الرد المعقول على أي هجوم وليس هناك سبب للخوف".
وأعلن وزير الدفاع مردخاي غور أكثر من مرة بأن ضرب العراق لاسرائيل بهذه الاسلحة هو احتمال ضعيف. كذلك قال شاي فيلدمان رئيس مركز يافي للدراسات الاستراتيجية بأن احتمال ضرب العراق لاسرائيل باسلحة شمولية هو احتمال يصل الى الصفر. ووافق اكثر الخبراء وضباط الاستخبارات والدفاع على ذلك وهم يبنون هذا الرأي على أربعة أسس:
أولاً، ان قدرة العراق العسكرية هي أقل مما كانت عليه عام 1991 وان عدد المنصات والصواريخ التي بحوزته قليلة وهي منتشرة في أطراف متباعدة من البلد. اما الرؤوس البيولوجية والكيماوية فهي قليلة ايضاً.
ثانياً، لا يهدف العراق في الازمة ان يكسر تحالفاً موجوداً اذ كان هدف العراق، في حرب الخليج الثانية هو تفتيت التحالف.
ثالثاً، في عام 1991 هدد العراق بأنه سيضرب اسرائيل بينما لم يقم بذلك هذه المرة بل انه قال ليس عنده سلاح لضرب اسرائيل.
رابعآً، هدف العراق اليوم هو رفع الحصار عنه وضربه اسرائيل حتى ولو بصاروخ واحد من اسلحة الدمار الشامل يظهر كذب العراق ويبقى الحصار لوقت أطول.
مع اعتقادهم هذا فإنهم قالوا ان الرئيس العراقي ربما يوجه ضربة الى اسرائيل باسلحة الدمار الشامل اذا اعتقد بأنه على وشك الانهيار. وكان هذا رأي رئيس قسم الاستخبارات العسكرية الجنرال عاموس غلعاد، اذ قال "ان الرئيس العراقي اذا اعتقد بأنه على وشك الانهيار الكامل في حالة الضربة العسكرية فانه في هذه الحالة يستعمل ما عنده من اسلحة دمار شامل على طريقة عليّ وعلى اعدائي". واعتقد هذا الجنرال بأن وصول النظام الى مثل هذا الوضع يحتاج الى وقت طويل وهذا ايضاً هو رأي باحث متقدم في أحد المراكز الاستراتيجية مارك هيلر. وذكر البعض بأن لدى العراق بعض الطائرات التي يمكنها ان تقوم بهجمات انتحارية.
ومع ان المسؤولين استبعدوا الضربة بالاسلحة الشمولية الا ا ن الحكومة قامت باجراءات دفاعية. فهي قد وضعت خطة دفاع اسمتها سناكس. وقام المسؤولون عن هذه الخطة بتدريبات مع وزارة الصحة ودعي بعض ضباط الدفاع المدني للتدريب لفترة قصيرة. ويفترض هذه الخطة الدفاعية ان اسرائيل ستواجه اسلحة شمولية. وأعطي الجنود ملابس واقية ضد هذه الاسلحة اذ يقومون في حالة الهجوم بتوزيع المضادات الحيوية على الناس بعد ان يرتدوا الملابس الواقية. وأعطت تعليمات للناس عن كيفية احكام غلق الأبواب والشبابيك، ووزعت الاقنعة وكان الناس يقفون في طوابير طويلة لفترة غير قصيرة من الزمن. واستوردت الدولة الكثير منها وفتحت 60 مركزاً لتوزيعها مع امصال ونشرت عناوين هذه المراكز تلفوناتها.
ومع ان وزير الدفاع أعلن بأن احتمال الهجوم ضعيف إلا أنه طلب من الناس ان يشتروا الاشرطة اللاصقة وغيرها، وأعلن أيضاً "بأنه سيكون هناك وقت كاف للناس للدخول الى الملاجئ لأن الحكومة طورت نظام التحذير وأصبح افضل مما كان عليه في حرب الخليج. وذكر بأن نظام التحذير كان في حرب الخليج يعطي دقيقتين تحذير. وقامت الحكومة بنصب صواريخ "باتريوت" في صحراء النقب ووعدت الحكومة الاميركية اسرائيل بارسال المزيد منها، وقال الجنرال بن نون "ان هذه الصواريخ الآن تعمل أفضل مما كانت عليه في السابق".
وشدد العسكريون الاستراتيجيون على ضرب العراق بقوة في حال تعرض اسرائيل لهجوم من قبله. فقال جيرالد شتاينبرغ - وهو باحث متقدم في مركز بيغن - السادات للدراسات الاستراتيجية يجب على اسرائيل ان ترد على العراق بشكل قوي ومؤثر حتى لو اطلق العراق صواريخ سكود باسلحة غير شمولية. فالرد القوي مهم ليس فقط لاسرائيل بل للولايات المتحدة ايضاً. وقال اننا يجب ان نأخذ المبادرة اذا لم يبادر الآخرون بذلك كما فعلنا عام 1981 عندما ضربنا المفاعل الذري العراقي.
وقال مارك هيلر - وهو باحث في مركز يافي للدراسات الاستراتيجية - بأن افضل شيء لنا هو الرد الحاسم والقوي على العراق وان على اسرائيل ان توصل هذه الرسالة اليه بواسطة اصدقائها. وقال الجنرال بن نون افيهو "حتى لو أطلق العراق صاروخاً واحداً فلا بد من ضربه ليس لتحطيم منصات الصواريخ فقط لكن يجب ضربه بشكل مؤذ في الاماكن الاستراتيجية والمهمة مثل مراكز القيادة والطاقة وآبار النفط وغير ذلك بل حتى القصور. وشكك هذا الجنرال في قدرة أميركا على التخلص من الاسلحة الشاملة. وذكر ان بامكان اسرائيل ان تقوم بعمل أفضل. وقال بعض هؤلاء ان الهجوم على العراق سيدمر كل شيء حتى القصور وملاعب التنس وحانات الخمور في هذه القصور. وأكد وزير الدفاع وقائد القوة الجوية الجنرال ايتان في تصريحات متعددة ان رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو اعطى اوامره بالرد السريع على العراق في حال مهاجمته اسرائيل. واقترح بعض المسؤولين ان على اسرائيل ان تبادر بضرب العراق من دون انتظار ضربه لها وقال هؤلاء انه ليس في حوزة اسرائيل في الوقت الحاضر سوى صواريخ "باتريوت" لذلك يكون من الأفضل ان تبادر بالهجوم. وقال الجنرال المتقاعد شموئيل - قائد الدفاع المدني سابقاً - ان اسرائيل على استعداد جيد لكن فكرة الدفاع عندنا مبنية على الهجوم الرادع وستعتمد في هذه الحالة على القوة الجوية والصواريخ والقوات الخاصة. وعلى رغم ان بعض المسؤولين مثل وزير الدفاع نفى احتمال استعمال السلاح النووي الا ان اشارات صدرت من هؤلاء باحتمال استعماله. فرئيس الجيش قال "إن على العراق ان يفكر جيداً وهو يعرف ما بحوزة اسرائيل وآمل ان لا نضطر الى مثل هذا الرد" بينما أكد وزير الدفاع "اننا سنرد بكل الوسائل التي بحوزتنا".
أما المدير العام في وزارة الدفاع إلان بيران - وهو جنرال ايضاً - فقال ان الردع هو هدفنا وان جيراننا القريبين والبعيدين يعرفون قدرتنا. وقال ان تهديد شامير في حرب الخليج الثانية بهذا السلاح بشكل غير مباشر هو الذي منع العراق من استعمال الاسلحة الشاملة. وطبقاً لما ذكره يوئيل ماركوس في صحيفة هاآرتس في 27/2/1998 بأن خيار ضرب اسرائيل للعراق باسلحة شمولية ناقشه المسؤولون في اسرائيل وطرحت فكرة ضرب العراق بهذه الاسلحة في منطقة غير مأهولة بالسكان كي يكون ذلك رادعاً للعراق حتى لا يهاجم اسرائيل. واخبرت اسرائيل الولايات المتحدة بأن قرارها في مهاجمة العراق ستتخذه وحدها. وقال زعيم المعارضة باراك للسفير الاميركي "ان هذا شيء نقرره وحدنا وليس لأحد الحق في ان يملي علينا في ما يخص هذه القضية". وأحيت هذه الازمة فكرة اغتيال صدام حسين وكانت خطة الاغتيال وضعت بعد انتهاء حرب الخليج الثانية مباشرة وأجريت عليها تدريبات قتل اثناءها خمسة جنود فأوقفت الخطة وغض النظر عنها. وكانت وقتها من ايحاء وزير الدفاع آنذاك موشيه آرنز واشرف عليها ايهود باراك الذي كان قائداً للجيش.
وقال آرنز هذه المرة ان هذه العملية يجب ان تنفذ حتى لو لم يعرف من الذي يخلف صدام. وقال ان تقسيم العراق هو أفضل كثيراً من وجود صدام. وذكرت "الجروسلم روبرت" في 5/3/98 بأن نتانياهو وباراك اتفقا على ذلك. وكانت فكرة الخطة السابقة قامت على ارسال قوات خاصة الى العراق وتنفيذ العملية هناك بينما قامت الخطة الثانية على القاء قنابل خاصة من الجو ذات قدرة عالية وتستطيع اختراق الخرسانات المسلحة والاصابة بدقة بعد تحديد مكان صدام حسين. وذكر بن نون افيهو - رئيس القوة الجوية السابق - ان العملية صعبة لكنها ممكنة التحقيق. وكانت اسرائيل حثت الولايات المتحدة خلال الازمة على التخلص من صدام حسين في حال حصلت المواجهة العسكرية.
وانتشرت خلال الأزمة ظاهرة الخوف وكانت واضحة على الاسرائيليين وتمثل هذا في الطوابير الطويلة وتدافع الناس للحصول على الأقنعة الواقية والتهافت على شراء المواد المانعة لتسرب المواد الكيماوية والبيولوجية وشراء المضادات الحيوية والمواد الغذائية. وقام بعض الناس بمغادرة تل أبيب الى اماكن اخرى في اسرائيل أو الى خارجها.
وشكا يوسي هاليفي في "الجروسلم ربورت" في 9/3/98، بأن الاسرائيليين كانت تسودهم في السابق - عندما تحدث أزمة - روح التضامن والتعاون والقدوم من خارج البلد للالتحاق بالوحدات العسكرية على الجبهة لكن في هذه المرة اصبحت الصورة مختلفة حين هرب بعض الناس الى خارج اسرائيل في "اجازة مفاجئة" واكتظت الفنادق في الاماكن البعيدة مثل ايلات بالزبائن وأخذ الناس يتدافعون للحصول على الأقنعة الواقية والبحث عن الاشرطة اللاصقة والمواد البلاستيكية التي هي غير مضمونة التأثير وتضاعفت مبيعات الصيادلة للمضادات الحيوية وتضاعف الطلب على المواد الغذائية 300 في المئة.
وقالت صحيفة "يدعوت احرونوت" في احد اعدادها ان خوف الناس لم يشاهد مثله الا قبيل حرب عام 1967 حين غادر آلاف الناس تل أبيب الى داخل اسرائيل وخارجها ووصفت هؤلاء بالجبن والاصابة بالهستريا.
وقال روبن بن يشاي، وهو محلل عسكري في "يدعوت أحرونوت" كنا في السابق "نعرف - كمواطنين - كيف نتحمل المسؤولية ونتخذ القرار الحكيم. وتمثلت ثقتنا بأنفسنا في المشاركة بالمسؤولية. فقبل حرب عام 1967 كان الخطر أعظم وعملنا كل شيء من اجل ان نحفظ انفسنا. اما اليوم فأنا أشعر بالخجل بأنني اسرائيلي!!. وقال رئيس بلدية القدس أيهود المرت "اننا نتصرف وكأننا فقدنا عقولنا واننا قد هزمنا في حرب لم تبدأ بعد". وأجري استطلاع بين الناس تبين ان اكثر السكان تملكهم الخوف وأصابهم الفزع.
وذكرت الصحافة الاسرائيلية بعض القصص التي تعبر عن هذا الفزع. ومنها ان احدى السكرتيرات في لجنة التربية في الكنيست كانت تطبع تقريراً يتعلق بالمدارس كان منه الجملة الآتية: "الغاء الرحلات والنشاطات خارج المدارس". فأبدت كلمة "رحلات" التي هي بالعبرية "طيوليم" بكلمة "صواريخ" التي هي بالعبرية "طيليم" فأصبحت العبارة "الغاء الصواريخ والنشاطات خارج المدارس". ووضع الصحافي العنوان الآتي لهذا الخبر "السكرتيرة التي تنبأت بالمستقبل" بإلغاء الصواريخ. وقال في تعليقه "يبدو ان هذه الموظفة المسكينة كانت في الليلة السابقة مشغولة بالبحث عن قناع واقٍ وأشرطة لاصقة ومادة بلاستيكية" فوقعت فيما وقعت فيه.
ومن القصص ان أحد طلاب المدارس سمع منبه سيارة يصفر فظن ان صفارة انذار تحذر من صاروخ فحقن نفسه بمضاد حيوي. وجاء طلب اميركا من ديبلوماسييها مغادرة اسرائيل بهدف الضغط على العراق ليزيد من خوف الناس ورعبهم. وبدا المسؤولون عاجزين عن السيطرة على ظاهرة الخوف. وعندما قيل لوزير الدفاع ان الناس في تل أبيب هم اكثر خوفاً من الناس في بغداد لم يجب الا بقوله "اننا نخبر الناس بالحقائق ونقدم لهم المعلومات الضرورية وسوف نخبرهم بما يحدث في وقت مبكر". كما ان تصريحات هؤلاء التي بدت غير متناسقة لم تخفف من خوف الناس. وبادر لكوديون سابقون للمشاركة في تهدئة الوضع. فانتقد وزير الدفاع السابق أرنز حكومة نتانياهو على ادارتها للأزمة وقال: "بأنه لم يضع قناعاً واقياً عند سقوط صواريخ سكود على اسرائيل اثناء حرب الخليج الثانية".
ويبدو ان الحكومة هي التي شجعت مجموعة من الحاخامين على التحليق بطائرة في سماء اسرائيل للصلاة من أجل حفظ الدولة وسكانها. واتهمت الصحف المسؤولين بالتصريحات المتناقضة التي اثارت رعب الناس وطالبت رئيس الوزراء ووزير الدفاع ان يطمئنا الناس ولا يصرحا كثيراً حتى لا يفقد الناس صوابهم اكثر. وكشفت عن تناقضات اسحق مردخاي فهو صرح ان احتمال ضرب اسرائيل ضعيف ويطلب في الوقت نفسه من الناس ان يحصلوا على ما يحتاجونه من مواد واقية. وذكرت هاآرتس ان السياسي داخل مردخاي انتصر على القائد العسكري وكأن مردخاي يخاف نتانياهو اكثر مما يخاف صدام حسين.
وقال دانيال دور في صحيفة معاريف ان المسؤولين يعطون تصريحات متناقضة وكأن تصريحاتهم هي من اجل تبرئة انفسهم في المستقبل. واتهمت الحكومة بالتصريحات المتناقضة والمتهافتة في ما يتعلق بالخطوات التي يجب ان تتخذ في حال هجوم عراقي.
وقال رئيس مركز يافي للدراسات الاستراتيجية شاي فيلدمان "انني منزعج من التصريحات التي صدرت من السياسيين والعسكريين لأنها كانت توحي بأن الضربة بالاسلحة الشمولية هي واقع. وأثارت بعض القرارات الرعب عند الناس وكان منها اجراءات الدفاع المدني لأن هذه توصي دائماً باحتمال الهجوم وقال ناحوم نرينا أحد كتاب صحيفة يدعوت أحرونوت ان سكان اسرائيل "اضطروا في وقت الازمة بأن يتقبلوا ليس فكرة الضربة بالصواريخ فحسب لكن ايضاً ان الحكومة لا تتحمل مسؤوليتها".
قال البروفسور يحزقيل درور من الجامعة العبرية ان تأثير تصريحات المسؤولين على المدى البعيد هو أشد من الخطر الذي يحدث على المدى القصير. وانتقد نتانياهو على عدم وضوحه وشبه بليفي اشكول قبيل حرب عام 1967 عندما كان يعطي اشارات غير واضحة في تصريحاته كما كان يحاول ان يبعد نفسه عن أي تصريح يمكن ان يرتبط بفشله في الازمة.
وقال أرنز "ان ما عرضه التلفزيون من صور للطائرات وهي تنقل المعدات الضرورية الوقائية وصور الرسميين الذين يسافرون الى دول العالم لشراء الاقنعة الواقية والاجهزة الأخرى أعطى فكرة عن الاسرائيليين بأنهم فقدوا صوابهم وكان لهذا ضرر كبير ليس على الاقتصاد حسب - وان كانت قيمة المشتريات بلغت عدة مئات من الملايين - ولا لصناعة السياحة وكان الضرر أكبر على صورتنا امام العالم ونحن نرتعد خوفاً". واضاف ان "اثارة خوف الناس كما حدث سيكون له نتائج سيئة في المستقبل اضافة الى انه خلف انطباعاً عنا بأن أي حاكم عربي يصفّر لنا يجعلنا نركض فزعاً لوضع اقتنعتنا الواقية. وانتقد نتانياهو الذي كان برر سياسته بالقول انه لا يريد ان يؤخذ على حين غرّة كما حدث في حرب عام 1973. ورفض ارنز المقارنة وقال انها غير واردة لأن الجيوش المصرية والسورية كانت في ذلك الوقت في حال استعداد واستقدمت الى الجبهة والسادات وقتها يهدد بالحرب كل اليوم. وكان من اخطاء الحكومة انذاك انها لم تتخذ الخطوات للتهيئة للحرب، بينما اختلف الحال في الازمة العراقية. وذكرت الصحف بأن ما حدث للاسرائيليين سيجعل العرب ينظرون الى الاسرائيليين نظرة مختلفة وسيكون لهذا عواقب استراتيجية وخيمة. بينما قال عضو الكنيست بنيامين بن اليعازر بأن الاعداء عرفوا الآن السلاح الذي يركع اسرائيل. لكن آخرين مثل يارون ازراحي الذي أصدر كتاباً قبل فترة حول تفكك الروح الجماعية لدى الاسرائيليين ينظر الى الازمة من منظار آخر ويقول بأنها على المدى البعيد ستؤكد فكرة ان الحل السياسي هو وحده الذي يحقق الأمن لاسرائيل وستجعل الاسرائيليين يركزون على الدفاع المدني اكثر من الهجوم العسكري وقدرتهم عليه كما ان التهديد بالاسلحة الشاملة سيخلق شعرواً بمحاولة السيطرة على التهديد في المستقبل بهذه الاسلحة بل وربما لا يكون سلاحنا النووي كافياً لضمان امننا.
ورأى ايهود يعيري، احد الصحافيين المعروفين، في مقالة له عنوانها "في مدح صدام" بأن الوضع كاد يمكن ان يكون أسوأ مما حدث. وكان يمكن للعراق خلال العقدين الماضيين ان يعمل بهدوء وتعقل ويحصل على السلاح النوي وغيره من اسلحة الدمار الشامل الأخرى والصواريخ البعيدة المدى لما لديه من مال وعلماء ويصبح قوة عظمى في الشرق الأوسط يخشى خطره ويهاب جانبه لكن التهور وفقدان الرؤية جعله يقوم بمغامراته العسكرية لاحتلال بلدين جارين فوصل الى ما وصل اليه من ضعف.
مهما يكن من أمر فان ما حدث للاسرائيليين في هذه الأزمة سيبقى لفترة موضوع نقاش بينهم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.