الكتاب: موت الوحيد الثاني "رواية" المؤلف: بختيار علي الناشر: مركز هند للدراسات الكردية - السويد - 1997 قليل من الكتّاب الاكراد نجحوا في التخلص من سطوة الايديولوجيا التي ظلت تهيمن على الكتابات الكردية ردحاً من الزمن. فخلال العقود الثلاثة الاخيرة لم يطرأ تطور ملحوظ على الادب الكردي في ايجاد مفردات وعوالم خاصة به. لقد ظل الادب يدور في فلك السياسة الضيّق وايديولوجياتها. ولم يكن بمقدوره ان يتجاوز الافكار السياسية او اعادة انتاجها بصيغة تختلف عن البيانات التي كانت تصدر من قبل الاحزاب السياسية. وظل الادب الكردي - كما هو معروف - تابعاً للقرار السياسي ولا يملك شيئاً من القوة لتغيير او تصحيح الرؤية السياسية بشكل عام. امتد هذا الحال من الخمسينات وحتى السنوات الاولى من الثمانينات، فما عدا حركة "روانكه" التي ظهرت في السبعينات وحاولت كسر الطوق وحالة الركود اللذين أصابا الادب الكردي، لم يكن هناك محاولة تذكر لدفع الحركة الادبية الى الامام. مع هذا لم تستطع هذه الحركة ان تعمر طويلاً وبالتالي فشلت في ترسيخ تقاليد جديدة في عالم الادب. اختلف الوضع في الثمانينات باختلاف الرؤية، فبسبب تسارع الاحداث السياسية التي توالت على المجتمع العراقي بشكل عام والمجتمع الكردي بشكل خاص، برز جيل جديد نظر الى التجارب القديمة بروح موضوعية وتأمل بعيون فاحصة التيارات الادبية والسياسية التي امتدت مع امتداد سنوات العمر وتراكمت نتيحة الاخطاء السياسية وحتى الثقافية. هذا الجيل مزج بين حالة الألم الناتج عن الحروب المتتالية والمعرفة المعاصرة التي استحصلت بقوة وباصرار عنيد. برز من ضمن هذا الجيل بختيار علي الذي يطلّ علينا من خلال روايته الاولى هذه "موت الوحيد الثاني" مستخدماً مخيلته ويقظته الابداعيتين الى جانب معرفته التأريخية والمجتمعية في استنطاق الاحداث. وفي محاولته هذه، يستهلم مفردات جديدة ويقول للايديولوجيا: كفى خداعاً، لقد حان الوقت كي نتكلم بضمير حي ونتبنى لغة روائية جديدة تستطيع توظيف الاساليب والتقنيات الروائية المعاصرة. تعتبر هذه الرواية المحاولة التأسيسية الاولى في تدشين رؤية جديدة في هذا العالم الروائي الكردي الشحيح. ففي البدء كانت هناك مشكلة الرؤية او النظر الى العالم بعيون جديدة تستطيع ايجاد الممكن وخزن التفاصيل في ذاكرة ممتلئة بجروح وصدامات وبتأريخ طويل من النكبات، ذاكرة تستمد قوتها من الاسباب المذكورة في التقاط الاحداث وانتاج ما لم ينتج بعد. استطاع الروائي ان يرتفع باللغة من حالتها السردية ذات النهج الحكائي البسيط والتي ترزح تحت وطأة الكتابة السياسية والايديولوجية الى حالة من امتزاج الحلم بالواقع. ففي تدفق اللغة كشلال متصاحبة مع الصور والرموز يتجاوز الروائي المرئي الى اللامرئي ويوسّع من مديات الأفق. وفي وصف العاصفة وامتزاجها بحالة الموت/ القتل تحسب بأنك امام عاصفة كردية تريد ان تضع حداً للكسل التأريخي الموجود في عالم الرواية الكردية. بختيار يحاور التفاصيل الصغيرة المسكونة في المجتمع الكردي من خلال ابراز صور خاطفة حيناً، او اعطاء وصف غرائبي لأمكنة عدة حيناً آخر. وفي عمله هذا يترك القارئ في حيرة من تفكيك اسرار الصور والتعرّف على الاحداث من خلال كشف لغز المكان. فالقصر الذي تسكنه الجدة وممارساتها السلطوية الجنونية تجاه بناتها وسلوكيتها المضطربة بين القسوة والحنان المبنية على عادات اجتماعية ضاربة الجذور في التسلّط تعطي انطباعاً حقيقياً بأن القصر يعادل السجن او انه يرمز الى مكان لا توجد فيه الحرية على الاطلاق. هذه الرواية مزيج من صور شعرية وسرد يمتاز بكثافته الرمزية، فالقارئ يتعرف منذ الصفحة الاولى على انسيابية الايقاع الشعري. وهي انسيابية تجذب ذهن القارئ الى المفاجآت الصورية التي يصطدم بها باستمرار ويبقى الذهن يقظاً لمتابعة قراءة الرواية. ليس من السهل التعرف على تأريخية الاسماء المذكورة في الرواية اذ تمتزج الاسماء الكردية بالفارسية والتركية والعربية. ان دلالة الاسماء في الرواية متعددة وغنية المعاني. فالاسماء مثل اشرف، شرف الدين، حميد قزاز، سعيد سلطان بك، حاتم بوهرزي ومنيرة التركية بقدر ما تعكس خصوصية المجتمع الكردي، تعكس ايضاً الارتباط بتأريخ المنطقة. تجنب الروائي الوقوع في فخ التدوين التأريخي البحت للحدث، فهدفه كان نقل وقع الحدث او الايحاء، باسلوب ادبي رصين، بأن للحدثين - موت أمير شرف الدين ومقتل أشرف - دلالة واحدة. وفي النهاية يترك القارئ وحيداً لاستنباط المعنى المشترك لهما. هذه الرواية قابلة للقراءة المتعددة والمختلفة مما يشكّل دليلاً على انها غنية بالمعاني والدلالات التأريخية.