ان الأمر بالنسبة لمسؤولة المجموعة البرلمانية لحزب الخضر في البرلمان الأوروبي كلوديا روث "هو ضحك على الذقون". ان دعوة ضباط شرطة أتراك للمؤتمر العالمي من اجل التشاور لاتخاذ التدابير اللازمة ضد الهجرة غير الشرعية للأكراد الى أوروبا، اغضب السياسية النشطة في مجال حقوق الانسان، حتى انها اجابت الصحافيين بهزة من رأسها فقط: "هنا حضر الجلادون الى طاولة المفاوضات". حقاً يبدو ان حكومات المجموعة الأوروبية المشتركة - المرتعبة من 2000 من اللاجئين الأكراد منذ شهر تشرين الثاني نوفمبر في ايطاليا - تراهن فقط على رد الفعل وسد منافذ الهروب وتنسى بذلك مكافحة الاسباب التي تؤدي الى هروب الاكراد. فبدل ان يوضح السياسيون لحكومة انقرة من دون لف او دوران، بأن البلدان الأوروبية لا تريد ان تتحمل نتائج سياسة العدوان التركية ضد الأكراد، يدعون الى التعاون المشترك مع المطاردين. ليس غريباً ان تستغل الحكومة التركية خوف الأوروبيين وتُظهر نفسها كحارسة للنظام. حتى وكأنها كانت متهيأة لما يجري بثت محطاتها التلفزيونية صوراً سريعة في الأسابيع الماضية لتتلقفها محطات التلفزيون الألمانية وتبثها هي الاخرى لتدخل كل البيوت الألمانية، التي أراد الاعلام التركي من خلالها إقناع الرأي العام بإلقاء القبض على مجموعات يُدعى بأنها هي التي تقوم بعمليات التهريب، بينما يتعلق الأمر في الحقيقة - وفق تفسيرات الخبراء - بلاجئين أكراد. في المانيا يُستخدم مصير هؤلاء اللاجئين ايضاً في الانتخابات سواء في العامة منها التي ستجرى في خريف 1998 او في انتخابات اقليم نيدير ساكسن في الربيع الجاري. وزير الداخلية مانفريد كانتير الحزب الديموقراطي المسيحي الحاكم يعتبر محاولات الهروب اليائسة للمطاردين سياسياً بأنها "حركة هجرة لاجرام منظم". اما وزير الداخلية في نيدير ساكسن غيرهارد غلوغوسكي الحزب الاشتراكي الديموقراطي يطالب بالتوقف عن تطبيق شينغين، وإنهاء حرية التنقل، وتقوية حراسة الحدود الخارجية. اما الخبير القانوني للحزب الديموقراطي المسيحي فانه يقترح غلق الحدود الألمانية من كل الجهات في حال تقاعس ايطاليا من تأمين حدودها الخارجية. اما حزب الاتحاد المسيحي الاجتماعي فكل ذلك لا يكفيه، ويقترح: انه في حال ان القوانين الحالية لا تسمح بإتخاذ التدابير، ويصرّ على اسقاط التحريم المتعلق بتكملة الدستور بفقرات جديدة او تغيير فقراته الحالية. رغم ان التحريم المعني كان قد سقط منذ عام 1993. في ذلك الوقت اتفق تحالف كبير من الحزب الديموقراطي المسيحي وحزب الاتحاد الاجتماعي المسيحي والحزب الليبيرالي والحزب الاشتراكي الديموقراطي على حل وسط بين الاحزاب بما يخص قانون اللجوء، حين رفعوا الفقرة 16 من الدستور التي تضمن حق اللجوء، امر أدى اوتوماتيكياً الى انخفاض عدد القادمين الى المانيا وعدد طالبي اللجوء، وأقل منه الاعتراف بلجوئهم. في 1997 هبط الرقم الى 104 آلاف وبذلك 10 في المئة تحت مستوى السنة التي قبلها. في عام 1996 كان هناك 116367 طالب لجوء. بالمقارنة مع العام 1995 فإنه انخفض الى حد 9 في المئة، هذا بغض النظر عن هبوط عدد الداخلين الى المانيا بصورة غير شرعية. ان انخفاض العدد يعود في الدرجة الأولى الى سبب اساسي: وهو ان الاجنبي الذي يأتي من ما يُسمى بپ"دولة ثالثة آمنة"، لا يستطيع وفق القانون الجديد تقديم طلب اللجوء في المانيا. ولأن المانيا محاطة من "دول آمنة ثالثة"، قاد هذا القانون الجديد الى ان اللاجئين بإمكانهم المجيء عن طريق الجو فقط. من يأتي عن طريق المطار تُعمل له معاملة اللجوء في المطار. في حال رفض لجوئه سيكون مهددا بالتسفير المباشر - مع الطائرة الأولى. وفي حال حمل الخطوط الجوية لمسافرين غير شرعيين، فإنها تجازف بسمعتها وبدفع غرامة دسمة. يُبرر السياسيون الألمان إدخال هذا القانون بسقوط الجدار الذي كان يحمي المانيا من حدودها الشرقية. فبعد فتح الحدود في بلدان اوروبا الشرقية بدأ الآلاف من الناس بالتوجه الى المانيا كبلد للجوء، فهي بالمقارنة مع بلدان أوروبية اخرى تملك شروطاً احسن للجوء. فبينما في ايطاليا ومثلها اسبانيا لا يحصل طالبو اللجوء على اي دعم من الدولة، يحصل اللاجئ هنا على 80 ماركاً في الشهر كمصروف للجيب وعلى وجبات طعام يومية، رغم ان اللاجئين يُسكنون في معسكرات خاصة - غالباً بعيدة، في قرى نائية او وسط الغابات - لا يُسمح لهم بمغادرتها الا في النادر. مثلاً عائلة صغيرة من زوج وزوجة وطفل واحد تحصل على ما يقارب 1000 مارك في الشهر بأوراق ذات قيمة، ومصروف جيب 200 مارك. ومع مرور الوقت بدأت الكثير من الأقاليم الألمانية تقلص هذه المساعدات وتُشدد اكثر على بقاء اللاجئين في المعسكرات وعدم مغادرتهم لها. طبعاً لا يحق لطالبي اللجوء العمل ولا يحصلون على كورس لغة، بينما يحصلون فقط على معالجة طبية اساسية. اما ضحايا التعذيب فلم يعودوا يتمتعون بمعالجة خاصة كما كان الحال سابقاً. صحيح ان الدعم المدفوع لمقدمي اللجوء في المانيا واطئ لكنه - بالمقارنة مع البلدان الأوروبية الاخرى - مغري خاصة وإن الدعم غير محدد بفترة زمنية. فرنسا مثلاً تمنح طالب اللجوء 650 ماركاً المانيا شهرياً ولمدة سنة فقط ولا تزيد عن السنة أبداً. بسبب كل هذه الفروقات تريد دول المجموعة الأوروبية توحيد قوانين اللجوء، حتى ان وزير داخلية نيدير ساكسن يطالب بتوزيع اللاجئين على البلدان بنسب ثابتة، لتخفيف العبء عن المانيا. اما حزب الخضر فيقترح موازنة اوروبية ثابتة لتُدعم من خلالها الدول التي عندها اكثر عدد من اللاجئين مثل المانيا. في الوقت نفسه من الضروري اتخاذ سياسة موحدة بما يخص اللاجئين، كما تؤخذ هذه السياسة في الاعتبار في اتفاقية امستردام للعام 2004، على أية حال يجب ان تكون كل الدول موحدة لأن المانيا منعت قبل أيام حق اتخاذ القرارات بالغالبية. "بالضبط هذا ما يمنع اتخاذ القرارات الضرورية ويضر بالمصالح الألمانية"، يقول احد سياسيي الحزب الحاكم، فبالنسبة اليه من الضروري توزيع اللاجئين على دول المجموعة وتوحيد شرطة الحدود الخارجية. اما خبير السياسة الخارجية في الحزب الاشتراكي الديموقراطي هلموت دوفه يجد ان الدول الأوروبية لم تفعل ما هو مشترك بما يخص حق اللجوء: "اليوم بسبب التغييرات على سطح الكوكب هناك اسباب موضوعية للتحرك بصورة مشتركة، وهذا يمكن ان يتطور الى توحيد جهاز شرطة الحدود الأوروبية. لكن قبل كل شيء يجب اتخاذ سياسة مشتركة". يرى غونتر غيرهارد من منظمة "حق اللجوء"، "قبل كل شيء" ممارسة مشتركة واحدة بين الأوروبيين: "الحكومات الأوروبية توحد خطواتها فقط في حماية نفسها من اللاجئين". فمثلاً، وزير الداخلية الألماني مانفريد كانتير لا يفضل التحدث مع زملائه من وزراء الداخلية في المجموعة الأوروبية، اذ يرسل عادة الى الاجتماعات الدورية في بروكسيل ممثلاً عنه. امر يزعج وزراء الداخلية الأربعة عشر الآخرين طبعاً. "ما ان يدخل كانتير الاجتماع حتى تنخفض درجة الحرارة بصورة راديكالية" يكتب احد الصحافيين الألمان بمعرض تعليقه على وصف جو الاجتماعات. وقبل فترة قريبة صرح وزير الداخلية بما جعل الجو اكثر برودة مرة اخرى، فبصوت قاطع اعلن للصحافيين عن نيته باتخاذ خطوات حازمة ضد "وجات اللاجئين"، ثم ليرسم الوضع بجمل مقتضبة: حركة اجرامية منظمة لتهريب الاكراد الى المانيا، لأن النمسا وإيطاليا واليونان لا يحمون حدودهم الشرقية بما فيه الكفاية. بالنسبة للوزير الألماني فان كل ما يجري هو درس لمعرفة كيف ان المكافحة الأوروبية المشتركة للإجرام لا تشتغل بصورة جيدة، وعدم اتخاذ القرار الحازم في مواجهة عصابات التهريب. صحيح ان كانتير يُعزي موجة هروب الأكراد لسياسة الملاحقة التركية ازاءهم، لكنه يقول ان ذلك ليس من اختصاصه بل هو من اختصاص وزير الخارجية. اذا اخذنا هذا التصريح محمل الجد سيصلنا انطباع بأن الحكومة الألمانية تبدو متفقة مع وزرائها على توزيع الأدوار بما يخص قضايا اللاجئين: يلح رئيس الحكومة المستشار هلموت كول على رفع كل الحدود الداخلية بين بلدان المجموعة الاوروبي، وزير الدفاع يبيع دبابات ا لپ"NVA المستعملة للحكومات المتحمسة لاشعال الصراعات في مناطقها ومع الدول المجاورة، وزير الخارجية يدين استخدام الاسلحة ضد السكان المدنيين، ووزير الداخلية يفعل كل ما في وسعه لكي لا تطأ اقدام اللاجئين الاراضي الالمانية. لا يختلف الوضع في البلدان الاوروبية الاخرى عنه في المانيا، فليست هناك سياسة موحدة بما يخص قضايا اللجوء. صحيح ان حكومات المجموعة الاوروبية اتخذت سلسلة من التدابير بما يخص سياسة اللجوء وسياسة منح التأشيرات، لكن من الصعب عليها تنفيذ تلك الاجراءات، لأن وزراء الداخلية عملوا كل ما في وسعهم عرقلة منح الاتحاد الاوروبي سلطات غير عادية. لذلك قد نفذ الوزراء اجراءات استثنائية اكثر منه قواعد ثابتة، وبهذه الصورة هم انفسهم المسؤولون عن وضع العراقيل بما يطلقون عليه "العمل المشترك". قد يعود ذلك الى ان فكرة الاتحاد الاوروبي لم تتم على مستوى كل الدول الاوروبية، انما جاءت فقط من المانياوفرنسا ودول البينيلوكس، الذين وقعوا اتفاق شينغين في عام 1985 في مدينة النبيذ شنيغين في لوكسمبورغ. كانت تلك فكرة رؤساء الحكومات، امر لم يكن مريحاً ومحبذاً لوزراء الداخلية، منذ ذلك الوقت عملوا كل ما يقود الى تأجيل ازالة الحدود بين البلدان الموقعة للاتفاق وتلويحهم بپ"فقدان الامن" في حالة تنفيذه. في شتراسبورغ اسس مثلاً مركز لتبادل المعلومات عن المطلوبين للقانون، التفتيش على الحدود الخارجية وعلى المواطنين غير الاوروبيين اصبح مضاعفاً واكثر شدة، عدا ذلك ادخل نظام التفتيش المحجب: بدل التفتيش على الحدود، اصبح بامكان الشرطة فحص الجوازات في المناطق الداخلية بين بلجيكاوالمانيا. صحيح ان ايطاليا واليونان والبرتغال واسبانياوالنمسا اصحبت في عداد "نادي شينغين" الآن، مع ذلك فان لندن ودبلن والدول الاسكندنافية ما زالت لا ترغب بالانضمام. فقط لانوا بموقفهم قليلاً في التعاون في ما يخص الفيزا واللجوء، خاصة بعد انهيار المعسكر الاشتراكي وقدوم موجات كبيرة من اللاجئين، فمنذ بداية التسعينات اصبح لاتفاق شينغين معنى آخر، فاذا ما كانت الاجراءات التي اتخذها وزراء الداخلية في الاول تخص مكافحة الاجرام والتعاون في مطاردتهم، فاليوم لا تعني وزراء الداخلية الا في امر واحد: منع دخول اللاجين. وهذا ما يعني بصراحة كل وزراء المجموعة الاوروبية. في اتفاق دبلن النافذ المفعول منذ عام 1997 توضحت النقاط المتعلقة باللاجئين، فحسب الاجراءات الجديدة يستطيع اللاجئون تقديم طلب اللجوء فقط في البلد الذي وصلوا اليه للمرة الاولى. بالنسبة للاجئين الاكراد الذين قدموا الى ايطاليا في هذه الحالة يعني هذا بأنهم لا يستطعيون تقديم اللجوء في المانيا مرة ثانية. والامر سيان سواء كانوا مطاردين سياسياً ام لا، فانهم سيسفرون مباشرة، وتتحمل ايطاليا تكاليفهم في هذه الحالة. وبغض النظر عن كون ايطاليا لا تريد تحمّل تلك التكاليف، فان قانون اللجوء الايطالي يسمح لمن يُرفض طلب لجوئه بمغادرة البلاد خلال اسبوعين، وهو زمن كاف نسبياً لكي يبحث اللاجئ عن طريق آخر، والذي هو بالتأكيد يكون مستعداً حينها لدفع مبالغ جديدة للمهربين لتكملة الطريق الى بلد آخر: الى المانيا، فالتالي جحيم الجنة الالمانية افضل له الف مرة من العيش في الوضع الذي هرب منه. وهذا ما يُرعب وزير الداخلية الالماني الذي هو سلفاً ما ان يسمع كلمة "لجوء" حتى يبدأ في الصراخ، فمنذ تسلمه لمنصبه وهو لم يترك مناسبة صغيرة او كبيرة في الهجوم على ما تبقى من قانون اللجوء في المانيا. وزير الداخلية الالماني يتهم الحكومة الايطالية قبل كل شيء بأنها بتسجيلها اللاجئين لا تتصرف بصورة مضبوطة. لذلك بإمكان الاكراد التنازل عن التماس اللجوء في ايطاليا والسفر الى المانيا. على الشرطة الالمانية ان تثبت بأن الاكراد جاؤوا عن طريق ايطاليا لكي يُرجعوهم. عملياً من الصعب اثبات ذلك. وفق احصاءات موظفي اللجوء لمنظمة الپUNHCR التابعين للأمم المتحدة، ان نصف الاكراد البالغ عددهم 1225 فقط الذين هربوا عن طريق القوارب طلبوا اللجوء في ايطاليا. ان غضب كانتير يتجه ضد الپ600 الباقين الذين يُعتقد بهم ان دخلو المانيا، سيكونون سبباً لالغاء قانون اللجوء في المانيا. لا شك في ان هدف وزير الداخلية ابعد من الانتخابات، فهو يريد تصفية قانون حق اللجوء في المانيا تماماً، لأن تغيير الدستور الالماني بهذا الاتجاه واتفاق شينغين ودبلن شيدا منذ سنوات جداراً قويا حول المانيا. والمنافذ القليلة الباقية التي تسمح للاجئين بالتسرب حتى الآن ستصبح اكثر ضيقاً في الاسابيع المقبلة، فقط المهربون هم من يستفيد اكثر من التطبيقات، فكلما اشتدت الاجراءات، كلما ارتفع سعر تهريب الاشخاص. ان اتفاق شينغين لسنة 1985 اصبح نافذ المفعول منذ ثلاث سنوات فقط، اما اتفاق دبلن لعام 1990 فقد بدأ تنفيذه منذ اربعة اشهر فقط. حتى الآن هناك مشكلة في تبادل المعلومات ومقارنة طلبات اللجوء، لأن وزراء الداخلية للمجموعة الاوروبية ما زالوا لا يثقون ببعضهم البعض تماماً. فهم لا ينسقون العمل مع بعض الا تحت ضغط اللاجئين. وهذا الضغط لا تتعرض له كل الدول الاوروبية في الوقت نفسه. فموجات الهجرة الكبيرة التي حدثت من البانيا تعرضت لها ايطاليا فقط، اما الراونديون والكونغوليون قدموا الى بلجيكا فقط، والمذابح في الجزائر تجعل الجزائريين يلجأون الى فرنسا. هكذا تدور الدورة في هذه الايام ليقع الدور على المانيا، فالاكراد يفضلون اللجوء الى المانيا قبل اي بلد آخر، لان اللاجئين يفضلون الذهاب الى حيث يعيش هناك شركاؤهم في المواطنة. ويعتبر وزير الداخلية الايطالي مشكلة الاكراد مشكلة المانية اكثر منها مشكلة اوروبية. فحسب تفسيره ان بون بسياسة استخدام الاكراد كعمال منذ سنوات جعلت هي من نفسها "قطب اغراء" للأكراد. لكن بما يخص العمل ليس وزير الداخلية هو المسؤول انما وزير العمل. بهذا الشكل يضيف وزير الداخلية الايطالي من دون ان يدري دوراً جديداً للحكومة الألمانية في توزيع الادوار بين وزرائها في ما يخص اللاجئين.