ما هذا الذي يحدث في الأزهر الآن؟ ماذا يراد بهذه الجامعة العريقة التي حفظت الدين واللغة اكثر من ألف عام؟ هل سمعتم بالكارثة؟ تعليمات صريحة من شيخ الازهر الدكتور محمد سيد طنطاوي بتكوين لجان لحذف او اختصار كل ما يتصل بعلوم القرآن والسُنة ولغة العرب في المعاهد الازهرية الثانوية! والإبقاء - كاملا - على كل ما هو أجنبي عن الثقافة الازهرية الاصيلة مثل اللغة الانكليزية والتاريخ والجغرافيا، بحيث لا يدرس الطالب الازهري إلا قشوراً من علوم القرآن والسنة واللغة العربية. اللجان - الآن - تعمل على قدم وساق. الجميع يتبارى في حذف المواضيع الاسلامية والعربية. كانت المناهج قبل القانون الرقم 103 للعام 1961 قاصرة على تدريس المواد الدينية والعربية بتوسع الفقه على جميع المذاهب - التفسير - الحديث - التوحيد - المنطق - النحو - الصرف - البلاغة - الادب - العروض - المطالعة - الانشاء - الاملاء والخط مع التشديد على حفظ القرآن الكريم قبل دخول المعهد، بالاضافة الى مناهج مختصرة في العلوم العامة والحساب والهندسة. ولما طُبق قانون التطوير أضاف الى هذه المواد كل المواد المقررة على مدارس وزارة التربية والتعليم واوجد شعبتي العلمي والادبي، فاضطر الى الاختصار في المواد الازهرية السابق كافة بنسبة الثُلث ليتيح فرصة لخطة المواد الثقافية الجديدة، خصوصاً بعد ان اختصرت سنوات المرحلة الثانوية الى اربع سنوات بدلا من خمس. ولكن رأى البعض صعوبة في قدرة الطالب على تحصيل كل هذه المواد بهذا الكم، فتم اختصار المناهج الازهرية الاسلامية والعربية مرة اخرى بنسب تزيد على 20 في المئة من كل مادة على حدة، مع بقاء المناهج المقررة على وزارة التربية والتعليم كما هي كاملة غير منقوصة !! بحجة معادلة الشهادات الازهرية بشهادات وزارة التربية والتعليم... وتم هذا وطُبق ابتداءً من العام 1991م. ولم يكتف بهذا الحذف الذي حدث مرتين وتجاوز اكثر من 50 في المئة من كل العلوم الازهرية الاصيلة، بل ارتفعت الشكوى مرة ثالثة. وبناءً على توجيهات من شيح الازهر قامت ادارة المعاهد الازهرية باختصار معظم المواد الاسلامية والعربية المذكورة بما يتراوح ما بين 5 و10 في المئة من منهج كل مادة في المرحلة الثانوية بشعبتيها العلمي والادبي بينما كان الاختصار في المرحلة الاعدادية يعادل 30 في المئة من المناهج الازهرية ايضاً، مع بقاء المناهج الثقافية كما هي من دون اختصار. بل حذفت مادة مصطلح الحديث من المرحلة الثانوية ودرست مكانها مادة الحديث المختصرة، وحذف بعض المواضيع من تاريخ الاسلام المقرر على المرحلة الاعدادية والاكتفاء بالسيرة النبوية. وتمت هذه الاختصارات المتتالية في عُجالة وفي انفصام تام بين الحذف في المرحلة الاعدادية والمرحلة الثانوية من دون وجود تنسيق بين المحذوف هنا وهناك حتى يستفاد من الموجود في المنهج في المرحلتين. وترتب على ذلك حذف مواضيع لم تدرس في المرحلتين، ووجود مواضيع تدرس في المرحلتين مما أخلّ بالمنهج، وابعد الدراسة الازهرية عن هدفها المنشود. وعلى رغم هذا الحذف الذي حدث في المناهج الازهرية ثلاث مرات وقضى على جوهر العلوم الاسلامية، الا ان فضيلة الدكتور طنطاوي لم يكتف بذلك وكأنه استكثر هذا القدر الضئيل الذي يدرسه طلاب الازهر ففكر وهداه تفكيره الى إلغاء السنة الرابعة من المرحلة الثانوية بحيث تصبح الثانوية الازهرية 3 سنوات بدلاً من 4 سنوات، وشكلت اللجان التي تقوم بالحذف من البقية الباقية الضئيلة من علوم القرآن والسنة ولغة العرب! وغني عن البيان ان المواد الثقافية التي تدرس في مدارس وزارة التربية والتعليم لن يجرؤ احد على الاقتراب منها، انما الحذف سيكون من نصيب علوم القرآن والسنة ولغة العرب! فماذا يتبقى لطلاب الازهر من علوم القرآن والسنة واللغة؟ ماذا بقي إلا القشور التي لا تكوّن عالماً ينفع دينه ووطنه؟ والغريب ان فضيلة شيخ الازهر عندما سئل عن السبب في إلغاء السنة الرابعة من المرحلة الثانوية واختصار العلوم الازهرية قال: "اننا حريصون على تخفيف الاعباء عن كاهل الطلاب وعدم الإثقال عليهم بالمواد الدراسية"! جريدة "الميدان" القاهرية 2/2/97. هل هذا منطق يقنع العقلاء والمثقفين؟ وما دام الهدف من التعليم هو التخفيف والتيسير وحده من دون نظر الى الغاية والهدف، فلماذا لم تجعل الدولة مدة الدراسة في كليات الطب اربع سنوات بدلا من سبع حتى يتساوى طلابها بزملائهم في الكليات الاخرى؟ لماذا يدرس بعض الكليات العملية سنة زائدة تسميها السنة الإعدادية أو التمهيدية؟ ولماذا يدرس طلاب كلية الشريعة والقانون خمس سنوات مع ان زملاءهم في قسم الشريعة الاسلامية لا يدرسون إلا أربع سنوات فقط وكلاهما في كلية واحدة؟ أين التخفيف والرحمة؟ وأين العدالة؟ بل لماذا يدرس بعض طلاب المراحل الثانوية خمس سنوات مثل مدارس الصنائع والمعلمين؟ ان الدنيا كلها تضع في اعتبارها الرسالة التي سيقوم بها الطالب بعد تخرجه، والهدف الذي يدرس من اجله، فيوضع من المناهج والساعات والازمنة ما يحقق هذا الهدف المنشود. هل تستطيع الحكومة المصرية ان تتقدم بمذكرة الى مجلس الشعب البرلمان تطلب فيها إلغاء علوم البطن والصدر والعيون من كلية الطب، او تخفيض ساعات تدريسها الى النصف رحمة بأولادنا المساكين وتيسيراً عليهم تطبيقاً لمنهج فضيلة شيخ الازهر؟ وكيف يكون حال المريض المسكين الذي يفحصه هذا الطبيب الفاشل الذي درس نصف مواد الطب؟ أليس من المحتمل أن يعالج المرض العادي على أنه سرطان والعياذ بالله؟ أليس وارداً والحال كذلك أن تتعلق آمال المرضى ببائع الاعشاب اكثر من امثال هذا الطبيب المغفل؟ إن الطبيب الجاهل مثل المفتي الجاهل كلاهما يفسد ولا يصلح ويضر ولا ينفع، الأول يفسد الأبدان والثاني يفسد الأديان! إن الأزهر يمر منذ سنوات بمحنة شديدة بسبب حذف كثير من المواضيع والثقافات الإسلامية والعربية التي لا يستغني عنها طالب تعده الدولة للدفاع عن الوطن والدين ضد التيارات المنحرفة التي يموج بها المجتمع، خصوصاً في الفترة الاخيرة التي انتشر فيها ادعياء العلم والتدين الفاسد. وأود ان اسجل هنا المخاطر التي سيتعرض لها الوطن والإسلام اذا اختصرت المناهج الاسلامية الاصيلة في المعاهد الازهرية وذلك على النحو التالي: 1- ان اختصارها للمرة الرابعة - كما يحدث في اروقة الازهر الآن - فيه مسخ للمنهج الهزيل الحالي الذي يحتاج الى تقوية وتقويم لا الى حذف وتشويه، وسيترتب على ذلك - لو نفذ لا قدر الله - تخريج أنصاف متعلمين لا يستطيعون التصدي - يقيناً - لما يموج به المجتمع من انحرافات في العقيدة والسلوك. بل انهم سيكونون وقوداً يغذي الشباب المنحرف ويشد من أزره، لأن الشباب المتطرف الذي يكفر ويقتل درس قشوراً من الدين، ولم يدرس الدين الصحيح كاملاً ليفرق بين الخطأ والصواب. وعندئذ لا نجد فرقاً بين الشباب المتطرف وخريجي الازهر لأن كلاً منهم درس قشوراً من الثقافة الإسلامية ولم يتعمق في فهم الدين بسبب حرمان خريجي الأزهر الجدد من الثقافة الأزهرية الأصيلة التي تعصم من الزلل والانحراف، وتعطي أصحابها الحجج القوية في الرد على أصحاب الشبه والدعاوى الباطلة. 2- سوف تفقد الامة الثقة بالأزهر وعلمائه، ولا تثق بفتاواهم او آرائهم. وهذا شيء خطير لأن الامة الاسلامية تعتبر الازهر هو المرجع الأصيل والفيصل في ما يتعلق بفهم الدين الإسلامي، خصوصاً في وقت المحن والملمات. فعندما تحدث فتنة بسب فتاوى المتطرفين وفكرهم يقف الناس حيارى لا يدرون الخطأ من الصواب، هنا يظهر صوت الازهر ليبين للناس وجه الحق فتزول الفتنة وتطمئن القلوب لرأي العلماء ويعم السلام الاجتماعي بسبب تاريخ الازهر العلمي وثقة المسلمين المطلقة بشيوخه وعلمائه التي اكتسبوها لتبحرهم في العلوم الاسلامية الدقيقة، ومواقفهم المشرفة في الحفاظ على الدين واللغة والوطن ضد المستعمرين والمفسدين طوال التاريخ. فلمصلحة مَنْ تقويض هذه الثقة بالأزهر، بتخريج أجيال تهدم ما بناه السابقون من عز ومجد وسؤدد؟ 3- إن الازهر له دور مهم في نشر الوسطية والفكر المعتدل في ربوع المجتمع المصري والاسلامي. وإضعاف خريج الازهر يؤدي الى انتشار الفكر المنحرف في المجتمع مثل التكفير، والعنف، والإلحاد، ومذاهب النفعية، والعلمانية، وعبدة الشيطان، وغير ذلك من الأفكار الضالة. ولا يجد الناس العالم المتخصص والفقيه النابه الذي يحمي المجتمع من تلك التيارات الفاسدة، ويتصدى بعلمه لتلك الآراء الشاذة التي تعمل على تدمير المجتمع وتقويض بنيانه، فإذا لم نخرج من الازهر العالم الثقة الذي يمكنه التعامل مع هذا الفكر المنحرف فمن الذي يقوم بذلك؟ هل تقوم بحماية عقائد الأمة نقابة المهندسين او التجار او الزراعيين؟ أو تقوم وسائل الإعلام بالرد على التطرف بالرقص!! - لغياب الازهر - كما يقترح ذلك أحد الكتاب؟ مع احترامنا للجميع كل في مجال تخصصه؟ 4- إن الدولة مطالبة شرعاً بتوفير العلماء الذين يفتون الناس بالعلم الصحيح، فإذا فرّغنا الأزهر من رسالته فمن الذي يستطيع إفتاء الناس في أمور دينهم؟ والى أي مؤسسة تتجه الجماهير لمعرفة الحرام والحلال؟ إن الأزهر الشريف منذ أكثر من ألف عام وهو الذي يتولى تعريف الناس بالدين الصحيح ويجيب عن أسئلة الامة في ما يتعلق بشؤون الدين. فاذا تم تخريب الازهر علمياً، وتخرجت أجيال لم تدرس من علوم الإسلام إلا القشور فمن الذي يفتي الناس، ويعلمهم أمور دينهم؟ أم يريد شيخ الأزهر أن يترك الفتوى للمتطرفين؟