لم تستطع محطة فضائية عربية ان تنتزع اهتمام المشاهدين في رمضان هذا العام، ولم يكن هناك برامج ذات جماهيرية طاغية. بل بدا وكأن هذه المحطات فقدت حيويتها ودخلت، في بعض جوانبها، دائرة من التكرار الممل، وكثفت جميعها من برامج المسابقات القائمة على الاتصالات الهاتفية لسهولتها وانخفاض كلفتها ولعجزها عن تقديم أعمال متميزة. ولجأت "ام. بي. سي" الى ربط مسابقاتها بمقاطع من المسلسلات الدرامية في محاولة لحث الجمهور على متابعتها وللمحافظة على الاعلان التجاري، بينما يشاهد المرء المسلسل نفسه في ثلاث محطات أو أكثر. كما ان برنامج "خيام الهنا" اللبناني لم يعد يتمتع بتلك الجاذبية على رغم محاولة الربط مع الأردن سعياً الى التنويع. وحاولت "اي. آر. تي"، كعادتها، المنافسة فأظهرت "خيمة القاهرة" وهي تقليد حرفي تنقصه حيوية "خيام الهنا". أبرز ما يمكن ملاحظته في رمضان هذا العام هو تراجع المد السوري الدرامي ليس على مستوى المساحة وانما من خلال المتابعة الجماهيرية. فالأعمال السورية التي بهرت الجمهور بتقنيتها العالية وجرأة موضوعاتها قبل عامين أصبحت تقدم أفكاراً محدودة وموجهة ومعاودة تعبر عن هاجس ذاتي أعيد مرات، حتى ان المشاهدين لم يعودوا قادرين على التمييز بين المسلسلات السورية المعروضة هذا العام بسبب النمط الاخراجي الموحد المستوحى من تجربة نجدت أنزور في "الجوارح" و"اخوة التراب" في التصوير والديكور والأزياء، ولتشابه الموضوعات التي تدور حول التاريخ السوري وفترة السيطرة التركية ووجود الشخصيات ذاتها في كل عمل. هذا التراجع السوري غير المتوقع خدم الدراما المصرية التي استعادت، موقتاً، هيمنتها الرمضانية لأنها الوحيدة القادرة على ملء الفراغات الزمنية المهولة التي يشتكي منها حوالى عشرين محطة فضائية ألزمت نفسها في رمضان ببث شبه مستمر، بينما معظمها غير قادر على تغطية بضع ساعات من البث. ومن أسباب اقبال الناس على الأعمال المصرية وتجنبهم للسورية بساطة الأعمال المصرية وتناولها لقضايا واهتمامات يومية مع ما تتضمنه من "فرفشة" بينما غاصت السورية في الأساطير لتعنى بشخصيات خرافية طاغية متعالية على الأفراد العاديين. من جانب آخر تراجعت الفواريز التي كانت تقليداً رمضانياً ولم يعد يهتم بها أحد، واتضح ان القنوات الرسمية تحاول جاهدة منافسة المحطات التجارية ولكنها لم تنجح كثيراً لأن عدم ارتباط المحطات التجارية بمؤسسات رسمية منحها الفرصة للتحرك وتقديم ما تشاء خصوصاً الجرأة في الاعلان ودلالاته، وهذا ما تتحفظ عليه كثيراً القنوات الرسمية. وفي مجال الاعلان يبدو ان محطة "ال. بي. سي" سيطرت على الحصة العظمى التي يجيء معظمها من السوق السعودية، وفي لعبة ذكاء تسويقية فإنها تضع دائماً توقيت السعودية لشعورها بأن جمهورها الأكثف هناك. ولكن الذي نجحت فيه المحطات الرسمية هذا العام انها كانت الأفضل في تقديم الأعمال المحلية في محاولة لجعل رزانتها ميزة وليس ضعفاً. وتنافست محطتا "ام. بي. سي" و"أي. آر. تي" على تقديم برنامج مهزوز هو عبارة عن لقاءات تحت اسم "الكاميرا الخفية" ويقوم على نشر اعلانات في الصحف عن وجود وظائف برواتب مغرية، وعند حضور الانسان للمكتب المزعوم مؤهلاً ان يجد ما يضمن له معيشة كريمة يتلاعب به عباقرة المحطتين مستغلين حاجته وظروفه الصعبة ويمتهنون كرامته واعتزازه وحقوقه الأساسية. وهذان البرنامجان يمثلان نكسة في تطور الفضائيات خصوصاً محطة "ام. بي. سي" التي كانت دوماً أكثر نضجاً وتطوراً من زميلتها، وهما يعبران عن نقص واضح في فهم الكوميديا ودلالاتها وكيفية توظيفها. والمفارقة ان محطة "ام. بي. سي" بعد ان حاولت تدارك خطأها بايقاف برنامج "وظيفة في الهواء" قدمت حلقات "مستر بين" وكأنها تكشف لنفسها بالدرجة الأولى الفرق بين الكوميديا والتهريج! خليجياً تنافس برنامجا "طاش ما طاش" السعودي و"فضائيات" الكويتي، ولكن فارق التوقيت خدم العملين معاً فحققا نجاحاً يؤكده تزايد عدد الاعلانات فيهما، وقد جاوزت في "فضائيات" ثلاثة اضعاف وقت البرنامج. وإذا كان العمل السعودي في غالب حلقاته محلي الموضوعات إلا انه كشف عن مناخ اعلامي يتسم بمرونة فائقة من قبل القنوات الرسمية السعودية ومساحة رقابية فضفاضة تشكل لفتاً للأنظار في هذا البرنامج، الذي أكمل عامه الخامس وساهم في انعاش البرامج السعودية واهتمام التلفزيون بها. كما ان البرنامج تطور تقنياً كثيراً ولعله يحتاج الى صفة مؤسساتية لتجعله أكثر قدرة على الاستمرار والتطور بعد ان أصبح مقياساً لتغيرات كثيرة في السعودية ولتبني التلفزيون الرسمي له. اما "فضائيات" فيمثل توجهاً كويتياً انتشر بعيد حرب الخليج ويقوم اجمالاً على تقليد البرامج الأخرى والأغاني والمسلسلات. وإذا كان هذا التوجه يكشف تراجعاً حاداً في الكوميديا الكويتية التي هيمنت على الخليج بضع عشرة سنة، فإن "فضائيات" كان متطوراً في بعض جوانبه وأثار اهتماماً واسعاً بحكم تناوله معظم القنوات الفضائية العربية وعدداً من الأغاني والمطربين ولبراعة نجميه داود وانتصار في التقليد وتضخيم العيوب كاريكاتورياً… ولا شك في انه أعاد التلفزيون الكويتي الى الضوء مرة أخرى بعد ان كان على الهامش. قد لا يكون المستقبل مشجعاً للمحطات الفضائية ما لم تبحث لنفسها عن مخرج آخر وتعتنِ كثيراً بطواقمها الفنية والتقنية حتى لا تتكرر أخطاء هذا العام.