في أول سابقة من نوعها وجه تقرير شبه رسمي انتقادات عنيفة للسياسة الخارجية ومؤسسة الديبلوماسية المصرية في تعاطيها مع عدد من القضايا الدولية والاقليمية، تراوحت بين الاتهام ب "التقصير" ووصف أداء الديبلوماسية ب "البطء"، واستغراب "إعادة صياغة مقترحات" خشية اعلان فشل جهود في مسألة عقد قمة عربية مصغرة "تمسكاً بتقاليد تجزع من الاقرار بوجود خلافات". جاءت هذه الانتقادات في "التقرير الاستراتيجي العربي" الصادر عن مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية التابع ل "مؤسسة الاهرام" الذي يُعهد اليه من جانب دوائر وطنية إعداد دراسات في قضايا معينة. وتناول التقرير بالتحليل السلوك والتحرك السياسي في موضوعات عدة، وخص بانتقاداته كلاً من وزير الخارجية السيد عمرو موسى والمستشار السياسي للرئيس الدكتور اسامة الباز. العلاقة المصرية - الاميركية وعرض التقرير مسار العلاقات المصرية - الاميركية خلال العام 1997 والتي تسيطر عليها الازمات بسبب سياسات الادارة الاميركية حيال قضايا إقليمية، خصوصاً عملية السلام. إلا أن التقرير لفت إلى مسألة لم يتم التركيز عليها من قبل وهي احتمال ترشيح الحزب الديموقراطي نائب الرئيس الحالي آل غور في الانتخابات الرئاسية المقبلة وفوزه بالمنصب، وأكد أن هذه المسألة ينبغي أن تشغل اهتمام الديبلوماسية المصرية من الآن لأنها من النوع الذي يصعب تأجيل التعاطي معه حتى اللحظة الاخيرة. وعزا أهمية المسألة إلى آن آل غور كان وجّه انتقادات لاذعة الى مصر في نيسان ابريل العام الماضي مشيراً إلى أنه "كي تستمر عملية السلام يجب أن يكون السلام دافئاً"، وتوجه الى الرئيس حسني مبارك بقوله: "أنت لا تستطيع أن تحقق السلام إذا كانت الصحف في بلدك تصف اسرائيل وشعبها بأنهم شياطين". ورغم حرص آل غور على توضيح أنه لم يقصد الإساءة الى مصر إلا أن كلامه كان كافياً لخلق فتور بينه وبين مصر الأمر الذي أدى إلى تأجيل زيارته لمصر منذ وقتها وحتى الآن. وسجل التقرير استغراباً شديداً من مواقف بعض الدول العربية من تقويم الدور الاميركي في عملية السلام الذي يحظى بالاشادة في وقت يشهد فتور إدارة الرئيس بيل كلينتون الثانية تجاه العملية وفقدانها بعض ركائزها، وتكيفاً اميركياً مع سياسات رئيس حكومة اسرائيل بنيامين نتانياهو، الأمر الذي أدى إلى انحراف أميركي عن مواقف سابقة تضمنت قدراً من التوازن. وأعرب عن استياء واضح من التقويم المصري للدور الاميركي خصوصاً خلال جولة وزيرة الخارجية مادلين اولبرايت في المنطقة في ايلول سبتمبر الماضي، وذكر انه في الوقت الذي عبرت اولبرايت عن الانحراف الاميركي "أثار الاستغراب تسابق مسؤولين كبار في معظم الدول العربية وبينها مصر على الاشادة بنتائج هذه الجولة من دون أدنى مبرر يدفعهم الى ذلك وبغير أن يجدوا في بلدانهم من يحاسبهم على سوء التقدير أو سوء التصرف"، مشيراً إلى أن وزير الخارجية السيد عمرو موسى - على سبيل المثال - كان صرح بأنه "تأكد لدينا أن لدى اولبرايت أجندة إطارها مقبول، ومن هنا فالجولة ناجحة من هذه الزاوية، إذ استطاعت اولبرايت في وقت قصير أن تمهد الطريق لعودة الصدقية للدور الاميركي". ووصف التقرير التقويم العربي للدور الاميركي بأنه "معيب" لأنه يرتكن الى مجرد كلمات ألقتها أولبرايت في آب اغسطس الماضي امام نادي الصحافة القومي في واشنطن "تبنت ضمناً موقف نتانياهو الذي يصر على أن الامن يسبق المضي في عملية السلام بل إن أولبرايت حملت الطرف الفلسطيني المسؤولية عن تجميد عملية السلام، ومع ذلك تلقى اولبرايت الاشادة". ووجه التقرير انتقادات عنيفة للدكتور اسامة الباز المستشار السياسي للرئيس المصري لأنه "بالغ في الاشادة بنتائج جولة اولبرايت الى درجة وصلت به إلى الحديث عن صفقة متكاملة زعم أن اولبرايت تعمل على تحقيقها بين اسرائيل والفلسطينيين تتضمن وقف الاستيطان". وفسر التقرير ذلك بأن "عدم صواب التقدير يدل على أن السياسة الخارجية المصرية لم تتزحزح عن تطلعها إلى دور أميركي أكثر تدخلاً وإنصافاً حتى في الوقت الذي لم يتوافر فيه اساس لهذا التطلع".