منذ 25 عاماً تسعى وراء نفايات المدينة من ورق وكرتون وزجاجيات وأوراق شجر متساقطة وأغصان مشذبة فتجمعها لتخرج من بين يديها الرشيقتين باقات منسقة وتحفاً فنية مميزة. ولما كان موضوع البيئة يتفاعل ويلقى اهتماماً من مؤسسات رسمية وخاصة، فقد ظهرت مبادرات فردية كالتي اطلقتها الفنانة حنان بارودي كبارة في مدينة طرابلس شمال لبنان لتجعل الاطفال يحافظون على البيئة بعدم رمي النفايات في الشوارع بل جمعها لتعلمهم كيف يصنعون منها التحف والالعاب الجميلة. وفي محترفها اقامت معرضاً لأعمالهم بعنوان "الحفاظ على البيئة يبدأ مع الاطفال" بهدف الحفاظ عليها وابقائها جميلة ونظيفة كما تقول كبارة الى "الحياة". وتضيف: "هدفنا ايضاً ايجاد جيل فنان ومبدع ومبتكر يرى في كل الاشياء نفعاً جمالياً حتى ولو كانت النفايات تسبب ضرراً بيئياً يؤذي العين والذوق". وتوضح انها بدأت قبل عامين تعليم عشرات الاطفال من عمر 5 الى 11 سنة صناعة التحف الفنية والدمى والباقات وغيرها من الاشغال اليدوية. اما المواد المستخدمة، فهي "قوارير زجاج وبلاستيك ومعلبات وأكياس نايلون وأوراق جرائد وكرتون وغيرها. وكل طفل يجمع نفايات منزله ومن بعض المؤسسات، اضافة الى الباندو الذي تُصنع منه الاشكال والمجسمات. وعن الباندو وأين تعلمته تقول: "الباندو فن ياباني يصنع من عجينة الطحين والنشاء والملح، وتصنع منه الاشكال باليد من دون مكابس او قوالب ويلون بالفرشاة. وأطلقته سيدة يابانية في الستينات وشجعته الحكومة اليابانية وراحت سفاراتها في العالم تعلم نساء السفراء. وعندما كنت عند نسيبة زوجة السفير اللبناني في أميركا آنذاك سليم تدمري، دعت السفارة اليابانية هناك زوجة السفير فذهبت معها وتعلمته ثم ذهبت الى اليابان وتخرجت في مدرسة "جينكو فلورا". وكنت قبل ذلك تعلمت الرسم وصناعة ازهار القماش وأقمت معارض في لبنان وتخرجت في الهندسة الداخلية في شيكاغو". وتضيف "بعد فترة اقمت معرضاً للباندو في إهدن في الثمانينات برعاية الرئيس سليمان فرنجية، وقد اوعز الى احدهم فاشترى كل المعروضات ما سمح لنا بافتتاح هذا المحترف". وهل يبقى النشاطِ في طرابلس؟ تقول: "قدمت محاضرات وأقمت معارض مرات متتالية في أفريقيا وأميركا وروسيا والسعودية والكويت وغيرها، ولا ازال كل عام اذهب مرتين الى أميركا لأحاضر في صناعة الباندو ويُدفع لي مبلغ ثلاثة آلاف دولار عن كل ساعة، كما تسجل المحاضرة تلفزيونياً وهذا ما يمكننا من تغطية نفقات المحترف". وهل تلقى تشجيعاً في لبنان؟ تؤكد كبارة "ان لا احد يساهم الا بالكلام، باستثناء النائب محمد عبداللطيف كبارة والوزير جان عبيد بصفتهما الشخصية، اما التشجيع الرسمي فغير متوافر. لقد شاركت في معرض نظمته وزارة البيئة قبل مدة بمصنوعات من النفايات ولقيت استحساناً. وعرضت على احد مستشاري الوزير فكرة كتابي الثالث الذي يتضمن شرحاً لهذه الصناعة لطبعه وتوزيعه على المدارس من دون ان اطلب اجراً، فقبل الفكرة وطلب مسودة الكتاب. وبعد اخذ ورد داما شهرين اعاده إلي قائلاً اطبعيه على نفقتكِ وسنشترى منكِ مئة نسخة. وبعد مدة اعلن الوزير عن جائزة لأفضل عمل بيئي ولا يزال الكتاب من دون طبع". وتقول: "بعثت برسالة الى رئيس البلدية طرابلس عرضت عليه ان يرسل عمالاً لأعلمهم تنسيق الباقات من اغصان الاشجار التى يشذبونها ويتركونها شهوراً لتشوه الشوارع والارصفة. وقلت انه يمكن الاستفادة منها اذا تعلم العمال وعلموا نساءهم فيوفرون دخلاً جيداً لأن الباقات تباع في محلات الزهور بعشرات الدولارات وتبقى شوارع المدينة نظيفة. ولكنه لم يرضَ ولم يبالِ". وهل تعلمين الاطفال فقط؟ "في السنتين الاخيرتين تفرغت لتعليمهم لأنني تعلمت في مثل سنهم، وكان والدي يطلب من ادارة المدرسة تعليمي الاشغال اليدوية والرسم وليس المواد الدراسية فقط، وأمي كانت تجمع لي قصاصات الاقمشة لأصنع منها البسة للدمى. على اية حال العلم في الصغر كالنقش في الحجر، وعقول الاطفال بحر واسع وأفكارهم جميلة". وتقول: "علمت اكثر من ست مئة سيدة بعضهن كن طالبات وكن يؤمن مصاريف جامعاتهن من هذه الاشغال وبعضهن فتحن محترفات. ولم يزل بعضهن يتعلمن الآن في المركز عبر كاسيتات الفيديو وأشرف على اعمالهن لاحقاً. كما سأشارك في برنامج على شاشة "ال.بي.سي." مدته عشر دقائق يومياً". وهل يزداد عدد التلاميذ؟ تؤكد كبارة: "بالطبع، ويزداد في الصيف اكثر وكلهم يرغبون في العمل، وإن أراد الاهالي معاقبة الاطفال حرموهم من المجيء الى المركز". وهل تعودين الى أميركا؟ "نعم سأعود وأطبع كتابي هناك كي لا اتسكع على ابواب وزارة البيئة هنا. وعلى اية حال لولا ثقة الاهالي والمشتركين لأقفلنا المركز وهاجرت منذ زمن".