أمام ارتفاع الحجر الى عباب السماء، في المدينة التي تجاوزت قصارى جهدها لتقول للعالم ان فيها اطول برج على وجه الأرض، وفيها اليوم ناطحات سحاب مزججة تكاد تصبح غابة من الشواهق… في هذه المدينة حيث يتجاور الكوخ والقصر، والنائم على الرصيف مع الصاحي في تغضنات الحرير، لا شيء ينقذ العين من مغبة الارتطام بالصلد البارد سوى انتشار الأشجار ويناع النباتات الاستوائية على كل زاوية وكل رصيف. والعين مهما تعوّدت جفاف الحجر والزجاج ومهما بهرها سحر الهندسة وبراعة المعمار، ما من مرساة تهدهد قرارتها سوى الخضرة، ولا شيء يخفف من حدّة الزوايا وملساء الجدران كالغصون والغياض والخمائل. ربما لأنها تبتكر هندستها من دون تخطيط متوقع، ما يعيد الى الذاكرة بهاء الأرض في صحوتها البكر، وذلك المشهد الأول الذي لا يفرّق بين نائم على رصيف وهاجع في حرير، كما لا تفرّق الشجرة بين بلبل وغراب. في أكثر الأسواق شعبية، في السوق الصيني، في وسط المدينة المزدحمة كأنها "بروفة" ليوم الحشر، جوانب الأرصفة مزدانة بأشجار قد يعتبرها غلاة الدفاع عن الطبيعة شهيدة لشدة ما أنيطت بأوراقها من مهام، أبرزها ولا شك امتصاص التلوث وقطاف الغبار. لكن وجودها، مجرّد انتصابها الصامت، عزاء للبصر، وهي كيفما التفت الزائر تكحل الحجر فيرق ويتأنسن. تصوير جاد الحاج