تتميّز المنطقة الشرقية بوجود موانئ هامة عبر تاريخها العريق ومجدها التليد، فموقعها الجغرافي الإستراتيجي على الخليج العربي جعلها جاذبة للاستيطان وعامرة بالحضارات القديمة وملتقى لاستيراد البضائع والسلع التي تصل إليها بحرًا من الخارج، ثم تنقل عبر الطرق البرية إلى باقي مدن وقرى المنطقة الشرقية والمنطقة الوسطى، إضافة إلى تصدير منتجات تلك المناطق إلى خارج المملكة. سنتحدث عن أهم الموانئ التجارية قبل العهد السعودي الزاهر وفي بداياته، حيث بزغت شموس موانئ جديدة وحديثة تلبي احتياج النمو التجاري والصناعي والحضاري، وبالتالي خفَتَ توهّج الموانئ التاريخية. ميناء العقير يعد ميناء العقير (العجير) من أقدم وأشهر الموانئ التاريخية والتجارية على ساحل الخليج العربي، كما أنه كان الميناء الرئيس للحضارات المتعاقبة في منطقة الأحساء، بلغت شهرته وأهميته شأوا عظيما، حيث كانت السفن والمراكب الشراعية تتهادى على أرصفة الميناء محملة بشتى أنواع البضائع والسلع، لتنقلها سفن الصحراء إلى الأحساء ونجد. اهتم المؤسس الملك عبدالعزيز - طيب الله ثراه - بميناء العقير لكونه البوابة الاقتصادية للدولة السعودية الناشئة، لذا أمر بتطوير مباني الجمارك والجوازات والفرضة ومبنى الخان ومبنى الإمارة والحصن والمسجد وعين الماء وبرج بوزهمول. استمر ميناء العقير كأهم موانئ المنطقة الشرقية في بدايات الدولة السعودية قبل أن تمخر عباب الخليج العربي البواخر الكبيرة والناقلات الضخمة، وقد أكسبها موقعها المتوسط بالنسبة للبحرين والأحساء ونجد مكانة مرموقة، فكانت تؤمها السفن الشراعية من الهندوالبحرين والكويت والبصرة وعبادان جالبة إليها شتى أنواع السلع، ومن تلك البضائع الحرير الصيني والحنابل الهندية وبشوت الصوف العراقي والدقلات الكشميرية والغتر المكية والأقمشة القطنية والزل العربي والتركي والدراريع والزري والأحذية، كما كان من بين السلع التجارية أرز كراتشي، والسكر، والحمص، والفول السوداني، والقهوة، والطحين، وحلاوة البحرين، وراحة الحلقوم، واللبان والمستكة، إضافة إلى أصناف متعددة من التوابل كالقرنفل والهيل والزعفران، والعطور كالعود والصندل؛ ومن تنوّع هذه البضائع يتبين بوضوح مدى الازدهار الذي عاشه الميناء في ذلك الأوان. وفي الوقت نفسه، كان يجري تصدير التمور الممتازة من الأحساء، والجلود والصوف من سدير والوشم، والسمن من الخرج والأفلاج. بعد اكتشاف النفط وإنشاء ميناء الدمام، خمدت الحركة وأسدل الستار على ميناء شهد أمجادا تجارية وأحداثا تاريخية. ميناء الجبيل شكّل ميناء (فرضة) الجبيل مع ميناء العقير أهمية بالغة لمنطقة نجد والمنطقة الشرقية حيث كان يعجّ بالنشاط والحركة، وكانت الساحة القريبة من الميناء تكتظّ بالتجار وناقلي البضائع. كانت تؤم الجبيل القوارب الشراعية من الهند والكويت والبصرة وإيران محملة بالبضائع من أقمشة ومواد غذائية ومحروقات، فتلقي مراسيها في فرضة الجبيل لتفرغ أحمالها، ومن ثمّ تنقل على الإبل إلى قلب الجزيرة العربية، سالكة درب القوافل التجاري القديم الذي يطلق عليه «درب الكنهري»، وهو يبدأ من الجبيل ويخترق الدهناء مرورا بالهيدروك، فالحناءة، فالوثان، فالكنهري، فالعوينة، فمعقلا، فرماح، فالرياض. في الفترة التي تلت الحرب العالمية الثانية حينما اجتاحت المجاعة معظم بلدان العالم، كانت ترد عن طريق الجبيل الأغذية من الحبوب وغيرها فتقوم بدور التموين والتوزيع أثناء الحرب بواسطة القوافل التي تنقلها إلى نجد ومعظم أنحاء شبه الجزيرة العربية. نظرا لزيادة النشاطات التجارية والصناعية في مدينة الجبيل، أنشئ ميناء الجبيل التجاري عام 1400ه/ 1980م. ميناء القطيف يعدُّ ميناء القطيف من الموانئ التاريخية الشهيرة على ساحل الخليج العربي منذ قرون عديدة، ولا غرو فالقطيف تزخر بالموارد الطبيعية والنشاطات الزراعية والتجارية والحرف الصناعية؛ لذا اتخذ ميناء القطيف من الموانئ الرئيسية خلال الحكم العثماني إضافة إلى ميناء العقير وميناء (فرضة) الجبيل، واستمرت أهمية تلك الموانئ في بدايات الحكم السعودي. كان الميناء عبارة عن رصيف ممتد داخل مياه البحر الضحلة، مما شكّل صعوبة في وصول السفن والقوارب الكبيرة إليه خاصة في حالة الجزر، والتي لا يمكنها تجاوز برج «أبو الليف»؛ ذلك الفنار التاريخي الذي كان يستعمل لإرشاد وحراسة السفن الداخلة إلى ميناء القطيف ويبعد 3 كم غرب جزيرة دارين. إضافة إلى الميناء الرئيسي، أنشئت منذ أزمنة قديمة مرافئ لقوارب الصيد واستخراج اللؤلؤ في قرى ومدن ساحلية تابعة لمحافظة القطيف مثل الزور وسيهات. ميناء دارين جزيرة دارين هي ثغر هاجع على الخليج العربي، عريقة في القدم ذات حضارة قديمة، كانت في العهود الماضية مركزا من مراكز التجارة النشطة في شبه الجزيرة العربية، تأوي إليها المئات من السفن والقوارب ما بين مثقلٍ بمختلف البضائع والسلع الواردة من الهند والصين وغيرهما من الأقطار النائية، ومتأهبٍ للإبحار إلى عرض البحر، او حاملٍ للغواصين في رحلاتهم إلى مناطق في الخليج غنيةٍ باللؤلؤ الثمين مصدر الرخاء والازدهار في ذلك الحين لمعظم البلدان الواقعة على الخليج العربي. كانت من أشهر مرافئ الخليج العربي وهمزة وصل بين الشرق والغرب، واشتهرت باستيراد أفضل أنواع العطور والتوابل، وكانت محطًا للقوافل التجارية القادمة من أنحاء الجزيرة التي كانت تمر بالدهناء في طريقها إلى الأحساءفالقطيف ثم تعبر المياه الضحلة إلى الجزيرة حاملة بضائع المسك والتوابل ومختلف أنواع السلع، ثم تشق طرقها البرية نحو نجد واليمن. بالرغم من أن ميناء دارين لم يعد بالأهمية التي كان عليها قبل آلاف السنين، لكن استمر استخدامه ميناء تجاريًا لاستيراد عدد من البضائع، إضافة إلى استخراج اللؤلؤ وتجارته وصيد الأسماك وصيانة السفن التي كانت تقصده من دول الخليج، أما في الوقت الحاضر فهو ميناء لسفن وقوارب صيادي السمك. ميناء رأس تنورة استعمله الأتراك منذ أواخر القرن التاسع عشر الميلادي نظرًا لقربه من القطيف ولإمكانية رسو سفن كبيرة نسبيًا وخططوا لاستعماله ميناء لإنزال الجنود، كما أنهم أنشأوا مبنى للجمارك ومخزنا للفحم استعمل لتزويد السفن بالوقود. في العهد السعودي، زاد الاهتمام بالميناء بعد أن قرر الملك عبدالعزيز، رحمه الله، تطويره لاستقبال البضائع التجارية في بداية الثلاثينيات الميلادية، وذلك بعد زيادة الضرائب على البضائع المستوردة إلى المملكة عبر ميناء البحرين، وكانت بريطانيا تتخوّف من تطوير هذا الميناء كيلا ينافس ميناءي البحرين والكويت، وبالفعل تم إنشاء رصيف للسفن التجارية اُستعمل فترة من الزمن، أما في حالة السفن الكبيرة التي لا يمكن رسوها، فكانت البضائع تُحمل على بوارج يتم جرّها إلى الميناء. برز اسم رأس تنورة واسم مينائها بصورة كبيرة بعد اختياره مركزًا لتصدير النفط الخام، وبهذا استمرت مشاريع تطوير الميناء في الأعوام التالية مواكبة للنهضة التي شهدتها المملكة في الصناعة النفطية منذ الأربعينيات الميلادية، وشملت المشاريع إنشاء الأرصفة البحرية والجزر الاصطناعية في الفرضة الجنوبية والشمالية في رأس تنورة إضافة إلى منصة تصدير النفط في فرضة الجعيمة، وفي الثمانينيات الميلادية ابتدأت عمليات تصدير غاز البروبان والبيوتان إلى العالم عبر أرصفة معمل غاز الجعيمة. فرضة الخبر نظرًا لقرب مدينة الخبر من دولة البحرين ومن مدينة الظهران مركز إدارة شركة أرامكو (سوكال)، قررت الشركة بناء رصيف صخري ومرفأ لاستقبال البضائع والمواد التي تحتاج إليها، وذلك في نهاية عام 1934م. أوكلت مسؤولية بناء الفرضة إلى المهندس فلويد أوليجر، وكان أول ما قام به هو توظيف ما يقارب من 500 عامل سعودي لبناء الرصيف الصخري والمرفأ، حيث شملت مهامهم نقل الحصى البحري (الفروش) الذي كانت تجلبه القوارب من أماكن خاصة وسط البحر، ومن ثمّ وضعها في صفين متوازيين وبعد ذلك تدفن المساحة ما بين الصفين. كان الموظف السعودي أحمد الصومالي (الملقب موسوليني لإجادته اللغة الإيطالية) أحد أبرز الموظفين فهو قد عمل جنبا إلى جنب مع اوليجر في الإشراف على مشروع إنشاء الفرضة، الذي تم الانتهاء منه في ربيع عام 1935م، ونتيجة للنجاح الباهر الذي حققه الموظفون السعوديون من خلال اجتهادهم وعملهم الجاد في بناء الفرضة، قامت شركة سوكال بتوظيف أعداد كبيرة من السعوديين ووفرت لهم التدريب الفني لدعم أعمالها ومشاريعها. ارتبطت فرضة الخبر في ذاكرة أهالي المنطقة الشرقية بالسفن واللنجات التي كانت تقلّهم إلى فرضة المنامة في البحرين، ومن ثم العودة إلى الخبر. ميناء الدمام بعد اكتشاف النفط والنهضة الصناعية والتجارية التي شهدتها المنطقة الشرقية، ظهرت الحاجة لإنشاء ميناء في المياه العميقة يستوعب البواخر الكبيرة إضافة إلى إنشاء سكة حديد، فقام مهندسو أرامكو باختيار الدمام مكانًا مناسبًا لإنشاء الميناء. بدأ المشروع عام 1948م ببناء طريق صخري طوله 8 كيلومترات، يمتد بين الشاطئ وبين فرضة صغيرة يتسع لمرور السيارات باتجاهين وخط سكة حديد مفرد، ومن الفرضة الصغيرة يسير الخط الحديدي مسافة 3 كيلومترات فوق جسر بحري حتى يتصل برصيف الفرضة الرئيسية التي تتسع لباخرتين من عابرات المحيطات، أما الفرضة الصغيرة فكانت لاستقبال السفن الساحلية والصنادل التي تتوجه للسفن لإنزال بضائعها في حالة وجود ازدحام في الفرضة الرئيسية. وقد شهد الميناء منذ افتتاحه ازديادًا كبيرًا في عدد البواخر وحمولة المواد والبضائع التي يتم إنزالها، والتي كانت تستورد لأعمال أرامكو، إضافة للتجار المحليين وللمشاريع التنموية في السعودية؛ على سبيل المثال، تم تنزيل 22 باخرة بحمولة 40 ألف طن في شهر مايو عام 1952م، وكان حينها يعتبر رقمًا قياسيًا مقارنة بالعام الذي سبقه والتي لم تتجاوز عدد البواخر خلاله 13 باخرة في الشهر. ونظرًا للنمو المتزايد في نشاط الميناء وازدحام الحركة فيه وعدم إمكانه استيعاب البواخر القادمة إليه، قررت وزارة المواصلات القيام بمشروع كبير لتوسعته، وأُرسي المشروع على شركة براون الهندسية العالمية عام 1959م، فأنجزته في المدة المحددة وقدرها عامان، وقد شمل إقامة جزيرة اصطناعية يبلغ رصيفها 600 متر وعرضها 200 متر، وقد أقيمت على طول الرصيف ثماني رافعات ضخمة، بحيث يستطيع الرصيف استقبال أربع سفن كبيرة في آن واحد، وقد مدت إلى هذه الجزيرة خطوط للسكة الحديد لتسهيل عمليات التفريغ والشحن، وقد بلغت تكلفة المشروع 15 مليون دولار. قام جلالة الملك سعود بن عبدالعزيز رحمه الله بافتتاح ميناء الدمام الجديد في يوم الأربعاء 5 ربيع الأول 1381ه الموافق 16 أغسطس 1961م، وأطلق جلالته على هذا الميناء اسم (ميناء الملك عبدالعزيز). صيانة السفن في ميناء جزيرة دارين (أرشيف أرامكو) منطقة ميناء رأس تنورة ويظهر مبنى جمارك رأس تنورة 1940 (أرشيف أرامكو) شحنة سيارات أمريكية في ميناء الدمام عام 1979 (الانترنت) ميناء العقير في الثلاثينيات الميلادية (الانترنت) فرضة الجبيل عام 1934م (أرشيف شركة كاسوك)