الحكاية كلها دارت، في الاصل، من حول شعار اميركي يتألف من كلمات قليلة، شعار كان ساري المفعول منذ نهاية سنوات الاربعين، اي منذ اللحظة التي انتصرت فيها قوات ماوتسي تونغ الشيوعية، على قوات تشانغ كاي تشيك الوطنية في الصين، مما جعل الصين القارية تتخذ اسم "الصين الشعبية"، وجزيرة فورموزا تخضع لحكم الوطنيين وتسمي "الصين الوطنية". لقد ادى ذلك الى خلق دولتين تحملان اسم الصين، وكان على العالم، بالضرورة، ان يختار احدى هاتين الصينين، وهكذا، في الوقت الذي اعترفت فيه دول كثيرة بصين ماو، ظلت دول اخرى تتعامل مع الصين الوطنية وكأن لا صيناً شعبية هناك ولا يحزنون. اما الشعار الاميركي المشار اليه فكان نابعاً من ذلك الواقع ونحواه "ليس هناك سوى صين واحدة"، بالنسبة الى الاميركيين كانت تلك الصين الواحدة، هي طبعاً صين نورموزا. وظلت الامور على ذلك النحو حتى بداية سنوات السبعين، وترتب عليها ان تظل صين ماو صين النصف بليون نسمة بعيدة عن منظمة الاممالمتحدة، فيما يشغل مقعد الصين الدائم في مجلس الامن مندوبو صين فورموزا. ولكن هذا كله تبدل يوم العشرين من شباط فبراير 1972، وان كان الشعار الاميركي قد ظل على حاله: "ليس هناك سوى صين واحدة". لكن الشعار هذه المرة انقلب مضمونه تماماً، فلئن كانت هناك الآن، بالنسبة الى الاميركيين، صين واحدة، فهذه الصين سوف تكون صين ماو، الصين الشعبية. وفي ايامنا هذه يرى الكثيرون من المؤرخين ان الرئيس الاميركي ريتشارد نيكسون قد دفع رئاسته ومكانته لدى الاميركيين بسبب تلك القلبة التي حدثت في المعنى الدي يحمله الشعار. لماذا؟ لان نيكسون كان في ذلك اليوم البارد من العام 1972، اول رئيس اميركي "يجرؤ" على زيارة الصين الشعبية والاعتراف بها. ولقد كانت زيارته للصين في ذلك الوقت زيارة تاريخية من دون لبس او غموض، اما لقاء القمة الذي عقده مع ماوتسي تونغ فقد اطلق عليه اسم "لقاء العصر"، لانه كان لقاء لم يكن احد قد تجرأ على تخيل حدوثه قبل ذلك بشهور قليلة، خاصة ان الجانب الاميركي فيه كان ممثلاً بريتشارد نيكسسون الذي كان حتى ذلك الحين، يعتبر واحداً من اكثر الرؤساء الاميركيين رجعية وعداء للشيوعية، هو الذي كان قبل عقدين من السنوات، يشكل جزءاً من لجنة السناتور ماكارتي سيئة الذكرر، التي كان عملها الوحيد محاربة الشيوعيين والتقدميين في طول الولاياتالمتحدة الاميركية وعرضها. ولكن، كما يقال دائماً من ان الانظمة اليمينية الاميركية حيث تحكم تنفذ سياسة يسارية بينما تنفذ الانظمة اليسارية سياسة يمينية، ها هو نيكسون يزور الصين في ذلك الشهر من العام 1972، زيارة ادهشت العالم كله، ولكن في الوقت نفسه زادت اعجاب هذا العالم بالرجل الذي كان من الواضح انه هو الذي يقف خلف تلك الزيارة: هنري كيسنجر، الذي كان في ذلك الحين مستشاراً شخصياًً للرئيس الاميركي وكان في مقدمة الذين رافقوه في زيارته المدهشة تلك. منذ وصوله الى مطار بكين، جرى للرئيس الاميركي وصحبه استقبال صاخب ترأسه، رئيس الحكومة الصينية شوان لاي، ونقلته القنوات التلفزيونية العالمية، ولا سيما الشبكات الاميركية. غير ان صخب الاستقبال والدهشة امام القمة التي تلته بين ماو ونيكسون، لم يخفيا عنف الاصوات التي ارتفعت في الصين نفسها منددة بسياسة شوان لاي البراغماتية التي، حسب تلك الاصوات "تريد ان تبيع سياسة الصين الامبريالية الاميركية" علماً بان المقاومة الاعنف لتلك السياسة وللزيارة نفسها، أتت من لدن الجيش الصيني الذي كان مسؤوله السياسي لين بياد قد قتل قبل ذلك بعام في ظروف غامضة. سيقال بعد ذلك انها كانت هي التي مهدت الطريق امام زيارة نيكسون لبكين والانفتاح الذي حصل بين البلدين. ومن ناحية اخرى نذكر ان الزيارة استثارت ردود فعل متحفظة في طول جنوب شرق اسيا وعرضه، في الوقت الذي كان فيه السوفيات يعبرون عن عداء مطلق لها. مهما يكن فان الاميركيين والصينيين لم يعتادوا بذلك كله، بل بادروا فور اللقاء الى استخلاص النتائج الايجابية، وكان في مقدمتها اعادة العلاقات الديبلوماسية بين البلدين، بما يعنيه ذلك من قطع العلاقات بين واشنطن وفورموزا، وبالتالي من سحب القوات الاميركية المرابطة في جزيرة تشانغ كاي تشيك. وعلى هامش ذلك كله، لا بد من ان نذكر بان الاميركيين ظلوا طويلاً يفخرون لكون زيارة رئيسهم الى بكين قد ادت، ومن قبل حصولها حتى الى انفتاح الاوضاع داخل الصين نفسها، حيث، واستعداداً للزيارة النيكسونية العتيدة كانت السلطات الصينية قد الغت العديد من المحظورات، وفي مقدمها حظر نشر الروايات... على سبيل المثال لا الحصر.