لا يذكرها إلا سكان المنطقة. ولدى السؤال عنها يأتي الجواب "حيث تتم حدادة السيارات" إشارة الى ما آلت إليه سرايا الامراء اللمعيين في منطقة المتن، على رغم مكانتها التاريخية والأثرية. فهي الى كونها من أكبر قصور الامراء اللمعيين، وأصلهم من فوارس التنوخيين المرتقين الى النعمان بن المنذر قدموا الى جبل لبنان من الحيرة وتولوا اقطاعية المتن بعد اقامتهم في كفر سلوان في أواخر القرن الحادي عشر، ادت دوراً مهماً في عهد الامارة الشهابية. فإليها لجأ الأمير بشير الشهابي اكثر من مرة قبل ان تقوى شوكته وحل ضيفاً على الأمير حسين اللمعي الذي يقال انه نال لقب أمير بعد مشاركته، في معركة عين دارة مطلع القرن الثامن عشر وتأييده الامير حيدر الشهابي. تقع سرايا الامراء اللمعيين في اعلى قرية صليما في منطقة المتن الجنوبي، وكانت أكبر القصور الأربعة للأمراء اللمعيين في القرية. يدل حجرها من بعيد الى عمرها الذي يعود الى مطلع القرن السابع عشر، وهو ما تؤكده الحيطان الداخلية المنهارة التي تنبت الاعشاب الخضر بين حجارتها، وتطل بقايا الاخشاب من سقوفها، في حين سمح القرميد المخلوع للامطار والرياح بالتغلغل بين الجدران وتعريضها للانهيار. للسرايا اليوم مدخلان: الأول من فوق ويؤدي الى سطحها حيث يمكن الاطلالة على كل القرى المحيطة بصليما وهو ما كان يقصده أصحابها، خصوصاً انها كانت المركز الأساسي للإمارة. المدخل الثاني من تحت حيث تبرز السيارات التي يتم تصليحها تأكيداً للزائر ان هذا المكان لم يعد قصراً. الا ان معالم القصر لم تختفِ كلها، فآثار المطحنة وساحة الخيل لا تزال واضحة فيه، كذلك بعض بقايا الادراج الخشبية التي تؤكد ان السرايا كانت مؤلفة من اربع طبقات. ويحكى في هذا المجال ان الامير قبلان كان يرمي افراد الشعب الذين كانوا يرتدون زياً مماثلاً لزيه من أعلى القصر. وأما ما يدل على وجود جناح رابع فهو الحجر المعلق في الهواء الذي يشكل نصف قنطرة. وهذا الجناح كان تهدم بفعل عوامل طبيعية في الربع الأول من القرن العشرين، بحيث اصبحت مساحة القصر مسطحة 500 متر مربع. المنازل المحيطة بالسرايا هي ايضاً ذات أثر مهم، وإن كانت بنيت في مرحلة لاحقة لبناء القصر. فبعد ظهور "النمل الفارسي" في القرية وتعرضه للأطفال سمح اللمعيون للأهالي بالاقتراب وبناء المنازل في احراج السنديان المحيطة. بعد أن كانت بيوتهم تبعد زهاء 100 متر عن القصر. بنى سرايا اللمعيين الامير قيدبيه الذي اقتسم اقطاع والده مع اخيه مراد العام 1615. ثم زاد عليها ولده عبدالله جناحاً ثانياً، تلاه ولده حسين الذي شارك في معركة عين دارة وكذلك فعل الأمير اسماعيل حفيد حسين الى ان اكتملت الاجنحة الأربعة. محاولة انقاذ فاشلة للوصول الى السرايا ثلاثة منافذ: الأول من بيروت فبرمانا فبعبدات وبعض القرى. والثاني من بحمدون فالمديرج فحمانا وقرنايل. والثالث عبر المتين فبزبدين. ودخلتها "الحياة" من المنفذ الاول حيث اجتازت قرى قرميدية كثيرة مزروعة وسط الاحراج والبساتين الخضر. ويقول الدكتور في التاريخ والأستاذ المحاضر في الجامعة اللبنانية، عبدالله سعيد وهو من سكان القرية ل "الحياة" ان السرايا تهدمت مرتين: الاولى في حريق حصل نحو العام 1845 بسبب الاحداث التي شهدها جبل لبنان آنذاك. والثانية بفعل هزة ارضية العام 1925 أدت الى تدمير جناح كامل. اما كيف تحولت السرايا ملكاً خاصاً؟ فيقول الدكتور سعيد ان الامراء اللمعيين انشأوا بعد تنصرهم غرفة خاصة في القصر سموها معبد سيدة القصر، وهو القصر الذي نقل الى بكفيا العام 1846 مع انتقال الامير حيدر اللمعي الى هناك حيث عين قائمقاماً لاحقاً. ومع مجيء الآباء الكبوشيين العام 1886 قيل انهم اشتروا السرايا من حكومة المتصرفية وأنشأوا فيها مدرسة سيدة لورد. وفي بداية القرن العشرين اشتراها الخوري انطوان الاسمر وأعاد فتح المدرسة، ثم انتقلت ملكيتها بعد وفاته الى ابن اخيه نجيب ولا تزال الى الآن في تصرف اولاده. ويضيف الدكتور سعيد ان اكثر من شخص في القرية حاول تأليف لجنة لشراء هذا الصرح وتحويله قصراً ثقافياً عاماً لصليما، على غرار مكتبة بعقلين. الا ان المبادرة لم تلقَ الترحيب والتشجيع الكافيين اضافة الى ان اصحاب القصر رفضوا بيعه. وتمنى ان تلتفت وزارة الثقافة الى هذه السرايا وتحولها مركزاً ثقافياً وسياحياً نظراً الى أهميتها التاريخية والسياسية في المنطقة.