لم تمنع الاعاقة الجسدية الفنان التشكيلي توفيق بوزوبع من تسجيل حضوره في الحركة التشكيلية في المغرب من خلال عدد من المعارض التشكيلية التي اقامها في الداخل والخارج، وكان آخرها معرض احتضنته قاعة محمد الفاسي في مدينة الرباط وضم زهاء اربعين لوحة. لوحات يختلط فيها الحلم بالاصرار العنيد ينصهران معاً في بناء فضاء جمالي تتمثل فيه الطبيعة بكل تناقضاتها وانفعالاتها، في حين تشكل الألوان وتموجاتها بعداً فنياً يعكس طموح الفنان في تجاوز تركيبته الشخصية. واستطاع بوزوبع ان يؤكد حضوره الفعلي في معارض فردية وجماعية الى جانب باقي الفنانين التشكيليين. ويقول ان تكوينه الفني في البدايات الأولى كان عصامياً إذ لم يتعرف على الفن التشكيلي إلا من خلال زياراته الى المعارض التي كانت تقام في مدينة فاس، واطلاعه المستمر على عدد من المجلات والكتب المهتمة بهذا الفن في المغرب في بداية عقد الستينات. ولعل هذا ما أهله لصقل موهبته وتنمية مداركه الحسية الفنية. وعما إذا كان اختراقه لمجال التشكيل ناتجاً عن معاناة شخصية تستشف من خلال لوحاته التي تشكل فيها الطبيعة حيزاً متميزاً، يقول بوزوبع: "الفن على اختلاف مشاربه ما هو إلا ترجمة حقيقية لاحساس معين، ولا يمكن ان يفهم من هذا ان مختلف لوحاتي التشكيلية انعكاس لصراعات داخلية الاعاقة الجسدية وانما هي ناتجة عن اصرار وطول نفس في مواكبة الحركة التشكيلية والمساهمة في اغنائها". ويضيف قائلاً: "اما بالنسبة الى حضور الطبيعة في مختلف لوحاتي، فمعايشتي لفضاء مدينة فاس والمدن الأطلسية كان لها الدور الكبير وساعدني تجسيد هذا الواقع في اغناء لوحاتي. وعلى أية حال فالطبيعة عامل أساسي في ابراز حياة الانسان ونفسيته ومصدر وحي والهام". والمتتبع لنشاط بوزوبع يلمس تنوعاً منهجياً وتقنياً في لوحاته التشكيلية الأمر الذي يشير الى انه لا يستقر في اتجاه تشكيلي معين. ويقول في هذا الاطار: "عملياً لا يمكنني ان أسجن عملي داخل مدرسة معينة، لقد أخذت من الانطباعية والواقعية بعضاً من جوانبهما، وتعرفت على مختلف التيارات التشكيلية السائدة في عصرنا الحديث. ومع ذلك ما زلت أبحث عن أسلوب خاص بي، علماً بأنني لست مقتنعاً بأن تتجمد أنشطتي التشكيلية في تيار او مدرسة معينة. فالانسان، سوياً كان او معاقاً، خاضع لقانون وسنة التطور، فعندما أرسم لا أفكر مطلقاً في جنسية اللوحة لكنها تأتي نتيجة فوران يستبد بإدراكاتي الحسية ومحيطي الداخلي والخارجي. وهذا لا يمنع انتمائي العفوي الى المدرسة الواقعية، انه انتماء يجسده الأسلوب الذي اعتمده اضافة الى التقنية التي أصوغ بها الألوان. ولعل هذا التفرد هو ما أهلني كي أصنف أعمالي في هذه المدرسة". وعن تقييمه للحركة التشكيلية في المغرب والعالم العربي، يرى توفيق بوزوبع انه من الصعب الاقرار بحركة تشكيلية في عالمنا العربي ذلك ان الفن التشكيلي حديث العهد في مختلف الدول العربية، الأمر الذي يجعل عدداً من العاملين في هذا القطاع رسامين ونقاداً حبيسي مدراس غربية، في حين كان الحري بنا ان نعمل سوياً على خلق تيارات فنية تشكيلية تنبثق من حضارتنا العربية والاسلامية ومن تراثنا الأصيل". ويقول في الختام: "هذا الطموح يحتاج الى أجيال وجهد متميز للتفرد بحس عربي واسلامي وخلق قنوات تواصل بين مختلف الفاعلين في هذا الحقل. لكن هذا لا يمنع استلهام ما جادت وتجود به الحركات التشكيلية خارج الوطن العربي، خصوصاً اننا نعيش زمن الانفتاح الارادي".