لم تكن الندوة التشكيلية التي عقدها «اتيليه جدة للفنون الجميلة» أخيراً عابرة، اذ كشفت عن مدى استيعاب بعض الرسامين الجدد اهمية النقد التشكيلي والنظريات التطبيقية الحديثة، في معالجة الاعمال بعد ان تساءل بعض الحضور سخرية عن ماذا يهمّ الفنان النقد الفني في التشكيل؟ والذي طرحه المحاضر الفنان عبدالله ادريس في ورقته اللافتة، واستعراضه لتجارب المشاركين في معرض «مختارات عربية» الذي يحتضنه الاتيليه هذه الايام. وقال ادريس: «ان ما حدث اثناء المحاضرة دليل حيّ على الثقافة السطحية التي يتمتع بها بعض التشكيليين السعوديين، وهذا في الواقع يسيء لحقيقة المشهد التشكيلي لدينا». وزاد: «لا يمكن ان نتصور ان يوجد من يدعي تعاطيه الفنون الجميلة، ويجهل اهمية النقد الفني للاعمال، اذ انه من المفترض على التشكيلي ان يمتلك ثقافة جيدة اولاً، واستيعاباً حقيقياًَ للمدارس الفنية العالمية، لينعكس ذلك بالتالي على تجربته»، متطرقاً في محاضرته الى بعض الاعمال المشاركة. وقال: «ان بعض اللوحات يكون المدخل اليها من طريق احالتها لاسلوب نقدي او تيار ومدرسة محددة في النقد، أي انها تحيلنا الى هذا التيار او ذلك الاسلوب النقدي، لما تحمله من اشارات تومئ بهذا الانتساب والانتماء، فعناصرها ومضامينها تتحرك في فضاءات نقدية محددة تتماهى مع اتجاه نقدي يمكننا الاحالة اليه». وبيّن ان عشوائية المعارض الجماعية، «المبنية في عرضها على عدم التوافق والانسجام معضلة. ومن هنا نتحاشى التأكيد على انتساب العمل وتأصيله ضمن منظور نقدي، عندئذ لا يبقى غير منظور الوصف وعمل المقاربات الضمنية والانتقائية في التناول». واكد ادريس أن النقد والفن تأثرا، بسبب الانظمة الشمولية التي سادت في ما بعد اندلاع الثورات، في بعض الاقطار العربية، «وكان للنظرية الماركسية والواقعية والاشتراكية على سبيل المثال تأثير كبير في تناول الاعمال الفنية وتحديد مسارها»، مشيراً الى استفادة الفنون الاخرى كالشعر والرواية وسواهما من النظريات النقدية كالبنيوية والتفكيكية، «بينما لم يستفد كثيراً المنجز التشكيلي منها»، مشيداً ب «القراءة البنيوية اللافتة من الدكتور عبدالله الغذامي لاعمال الفنان بكر شيخون، والتي تبناها نادي جدة الادبي قبل سنوات عدة»، معتبراً أن الفن الحديث «يتشبه بكل ما هو راهن واغترابي، وهو ضد التبادل السلعي والقيمة النفعية، وهو يرفض المتعة للمتلقي»، مشيراً إلى أن الاعمال الفنية «ليست في النهاية سلعاً تخضع لقانون السوق، بل ان العمل الفني يسعى بطبيعته الى ان يفصم الصلة بالمجتمع المنتج للسلع». وقال مدير الندوة الناقد هشام قنديل ان ثقافة الفنان العامة «دليل على جِدته، واشتغاله الواعي على تجربته التشكيلية وان الثقافة والاطلاع على مختلف المدارس النقدية في الفن التشكيلي، مؤشر ايجابي على ما يمتلكه الفرد من افق رحب وواسع». وتداخل بعض الفنانين الواعين مع ورقة ادريس، واستغربوا عدم تفهم بعض الرسامين الشباب لحقيقة الفن التشكيلي، والارتقاء بالذائقة الفنية والثقافة الداخلية لكل من يتعاطى هذا الفن الجميل.