سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
الحرم الجامعي العالمي" هل هو جامعة دولية على الانترنت؟ أو مكتة تعليمية متعددة الوسائط؟ أم سوق للمقررات والمصادر التعليمية ؟. العرب قادمون الى عصر الكومبيوتر لبناء أكبر مجمع للتعليم في العالم
أول مبادرة تكنولوجية عربية رائدة على الصعيد العالمي تدشن، في رأي خبراء اليونسكو عصراً جديداً في التربية والتعليم. مشروع "الحرم الجامعي العالمي" الذي يطوره علماء ومهندسو "المركز الاقليمي لتكنولوجيا المعلومات وهندسة البرامج" في القاهرة سيقيم أكبر مجمع وسوق دولية للتعليم وأضخم مكتبة جامعية في العالم. يتكون "الحرم الجامعي العالمي" من شبكة ألكترونية متعددة الوسائط تربط امهات الجامعات ودور النشر التعليمي في البلدان المتطورة والنامية. ويشرف المشروع الذي تدعمه اليونسكو على عمليات تطوير ونقل المقررات الدراسية والمناهج التعليمية والكتب والمراجع والدوريات. يتم تحويل هذه المواد التعليمية الى نصوص ألكترونية مرفقة بوسائل ايضاحية، من الرسوم والخرائط والجداول والسجلات الصوتية وشرائط الفيديو. ما هو "الحرم الجامعي"؟ هل "الحرم الجامعي العالمي" جامعة دولية مفتوحة؟ أو جامعة "افتراضية" على الانترنت؟ أم مكتبة تعليمية ألكترونية متعددة الوسائط؟ أو سوق للمواد والمقررات والمصادر التعليمية؟ في الاجابة المباشرة عن هذه الأسئلة يمكن القول أنه يقوم بكل هذه المهمات. مع ذلك يحرص الدكتور طارق جلال شوقي مدير المشروع على التأكيد بأن "الحرم الجامعي العالمي" ليس جامعة دولية تحل محل الجامعات المحلية، بل اطار مساعد لتوفير أفضل المواد التعليمية للمتعلمين والمعاهد التعليمية على الصعيد العالمي. ويكمن دور "الحرم الجامعي" في توضيب منهاج مدرسي مبتكر مستخلص مما توفره مؤسسات الدرجة الاولى التعليمية في العالم. ويقوم مهندسو "المركز الاقليمي لتكنولوجيا المعلومات وهندسة البرامج" الذي يحتضن المشروع بانتقاء وتطوير برامج الكومبيوتر والأدوات الألكترونية اللازمة لتحويل المادة التعليمية الى معطيات ألكترونية متعددة الوسائط ونقلها عبر الشبكة، أو داخل الاسطوانات المدمجة "سي دي". هل يوافق هذا المشروع أوضاع الجامعات العربية التي يفتقر معظمها الى الهياكل الارتكازية اللازمة للانترنت، من أجهزة كومبيوتر ووسائل اتصالات؟ جواب الدكتور شوقي عن هذا السؤال يعكس، كما في جميع آرائه الروح المتفائلة التي تميز العاملين في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات الجديدة. فالواقع بالنسبة لهم ليس ما هو كائن، بل ما يتكون بفعل هذه التكنولوجيا. القفزات المتصاعدة في قوة وسرعة الأجهزة التي تنتجها والقفزات المتنازلة في أسعارها ستجعلها مع الانطلاقة الكبرى للمشروع عام 2000 في متناول جميع الجامعات في العالم الثالث. ما هو مصير الاساتذة؟ هل يلغي "الحرم الجامعي العالمي" دور الاساتذة في جامعات البلدان العربية والنامية؟ هل يؤدي في النهاية الى أن الجامعات العالمية التي اعتادت على سرقة طلاب العالم الثالث الذين يقصدونها للدراسة ستسرقهم الآن في عقر دارهم؟ أسئلة متوقعة في تقدير الدكتور جلال شوقي، الذي ما يزال يحتفظ بمنصبه كاستاذ للهندسة الميكانيكية في جامعة إيلينوي في الولاياتالمتحدة. وفي جوابه عن هذه الأسئلة يعيد العالم المصري التأكيد على أن "الحرم الجامعي العالمي" ليس جامعة تمنح شهادات، بل وسيط لتوفير المادة والمصادر التعليمية ونقلها من منتجيها في الجامعات العالمية الى مستهلكيها في الجامعات المحلية. طلاب الجامعات لن يكونوا طرفاً مباشراً في العملية، بل يتعاملون معها من خلال جامعاتهم. لن يحصل على سبيل المثال طلاب جامعة البحرين شهادة جامعة ستانفورد الأميركية، التي يستخدمون مقرراتها، بل شهادة جامعتهم الام. ولن يلغي المشروع دور اساتذة وجامعات العالم الثالث، بل يعززه بقوة. جامعات بغداد ودمشق والخرطوم، على سبيل المثال تضم اساتذة من الدرجة الاولى، لكن الموارد التعليمية المتوفرة بين أيديهم ضعيفة. ويمكن تصور القفزة التعليمية التي سيحدثها توفر أحدث مقررات ومصادر التعليم في العالم. اضافة الى ذلك يؤسس المشروع قناة للحوار والتفاعل اليومي بين اساتذة العالم الثالث وزملائهم في الجامعات العالمية. وبالنسبة الى السؤال عن تسرب الأدمغة قد يؤدي المشروع الى العكس. فطلبة البلدان النامية لن يتغربوا عن بلدانهم طلباً للعلم، بل ستقدم لهم في مواطنهم ومنازلهم أفضل المقررات الجامعية في العالم. وعلى خلاف التصورات السائدة يفتح "الحرم الجامعي العالمي" لمؤسسات التعليم العربية أيضاً فرص لبيع منتجاتها التي لا منافس لها، مثل مقررات اللغة العربية والفقه الاسلامي ومواد التراث العربي، ويقيم سوقاً اقليمية لتبادل المواد التعليمية العربية بين دول المنطقة. الواقع يسابق الخيال ما مصلحة الجامعات العالمية في "الحرم الجامعي العالمي" الذي يفقدها طلاب كثيرين سيفضلون الحصول على العلم في بلدانهم على أن يتحملوا الكلفة المادية والاجتماعية للالتحاق بالجامعات الأجنبية؟ وهل توافق حكومة الولاياتالمتحدة مثلاً، أو بريطانيا على توفير مقررات جامعاتها لطلاب بلدان تحظر التعاون معها مثل العراق والسودان وايران؟ في الاجابة عن هذه الأسئلة يؤكد الدكتور شوقي على أن "الحرم الجامعي العالمي" الذي تدعمه منظمة الاممالمتحدة للثقافة والتربية والعلوم "اليونسكو" ليس ملك جامعات بلد معين، بل مفتوح لمشاركة مئات الجامعات من كل أنحاء العالم. وهو بعد كل شئ شبكة نشر ألكترونية متاحة للجميع توفر للجامعات العالمية ايصال منتجاتها الى كل مكان في العالم. وتقدم الشبكة للجامعات العالمية فرصاً ذهبية لتعزيز سمعتها التعليمية واجتذاب عشرات الآلاف من الطلاب حول العالم. وتحصل الجامعات على مقابل عن استخدام مقرراتها مماثل لما تحصل عليه عن بيع كتبها المقررة. وهي في الحالين لا تسأل ولا تُسئل عمن اشترى منتجاتها المطروحة في الأسواق. والواقع في "الحرم الجامعي العالمي" يسابق الخيال، كما في جميع المشاريع التي تلدها الثورة التكنولوجية. أقرب مقارنة الى الذهن في تقدير الدكتور شوقي هي الثورة التعليمية التي أحدثها اختراع الطباعة في منتصف القرن الخامس عشر الميلادي. التغيرات المتسارعة التي تحدثها هذه الثورة تظهر في تغير مواقف الجامعات العالمية منها. جامعات أميركية مرموقة مثل "ايلينوي" و"بوردو" و"فرجينيا تك" اكتشفت خلال التفاوض حول المساهمة في المشروع أنها لا ترغب في بيع مقرراتها التعليمية فحسب، بل تريد أن تشتري أيضاً مقررات جامعات اخرى. ويتوقع الدكتور شوقي أن يؤدي المشروع الى تخصص جامعات معينة في مواضيع تتفوق فيها وشراء مقررات تتفوق فيها جامعات اخرى. رواد الثورة التعليمية و"الحرم الجامعي العالمي" نموذج من نماذج الثورة التعليمية الصامتة التي يحدثها الآن جيل عربي جديد من رواد التعليم. فالمشروع ولد أصلاً عن تجربة شخصية قام بها الدكتور طارق شوقي استاذ الهندسة الميكانيكية في جامعة إيلينوي أربانا شامبين في الولاياتالمتحدة. ذكر ذلك الدكتور عدنان شهاب الدين مدير مكتب اليونسكو الاقليمي. وقال شهاب الدين لپ"الحياة" أن شوقي لجأ خلال وجوده في اجازة دراسية في مصر الى الانترنت للاستمرار في تدريس طلبته في جامعة أيلينوي. وكشف نجاح التجربة أن الدروس على الشبكة تتجاوز بسهولة حواجز المكان والزمان. وتبني المشروع مكتب اليونسكو في القاهرة الذي وجد فيه مكملاً لبرامج ينفذها لتوأمة الجامعات العربية والعالمية وتطوير طرق التدريس باستخدام التقنيات الحديثة. ويعود نجاح هذه المشاريع الى أخذ برامج وأدوات مطورة في الخارج لا تحتاج الى جهد كبير، مثل المقررات الجامعية الاولية في علوم الرياضيات والطبيعة. هذه البرامج لا تختلف كثيراً بين بلد وآخر أو جامعة واخرى. ومع البرامج تحصل الجامعات العربية على المشورة وفرص التدريب بمساعدة الجامعات العالمية اضافة الى خبرة التعامل مع الكومبيوتر وشبكة الانترنت والتقنيات الحديثة.