إنها من اللحظات الفريدة في التاريخ... مشاهدة كيف يغير المولود الرحم الذي ولد فيه. حدث ذلك في المؤتمر العالمي للتعليم العالي، الذي ساهم فيه 115 وزير الى جانب مجموعة من أبرز المختصين بالتعليم العالي وقادة الجامعات. كشف المؤتمر، الذي اختتم أعماله الاسبوع الماضي في مقر اليونسكو أن الاختلاف الرئيسي بين جامعات القرن 20 والقرن 21 هو أن الأولى ولدت تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات والثانية ستولد منها. حضور المستقبل يستطيع كل من حضر مؤتمر باريس القول انه رأى المستقبل يعمل. فقد عرض في المؤتمر الذي حضره أكثر من أربعة آلاف شخص مشروع "الجامعة العربية المفتوحة"، الذي قدمه الأمير السعودي طلال بن عبدالعزيز، ومشاريع "الجامعة المفتوحة" البريطانية والكندية، و"الحرم الافتراضي" لجامعة ستانفورد في الولاياتالمتحدة، ومشروع "الحرم الجامعي العالمي" الذي تدعمه الحكومة المصرية وعرضه الدكتور طارق شوقي، ومشروع "ما - فوق الجامعة الافتراضية الفرنسية"، و"الجامعة الافتراضية" السويسرية، و"شبكة الجامعات الكندية الناطقة بالفرنسية"، ومشروع "جامعة أفريقيا الافتراضية"، الذي يموله البنك الدولي، ومشروع "معهد تكنولوجيا المعلومات في التعليم" في موسكو، الذي تدعمه اليونسكو وهدفه إقامة دورات التعليم المستمر لكل بلدان العالم. بعض هذه المشاريع، مثل "الجامعة العربية المفتوحة" و"شبكة الجامعات الكندية الناطقة بالفرنسية" تمثل تحالفات تربوية "قومية"، فيما تستخدم جميع المشاريع تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات لتحويل التعليم الى صناعة دولية. أسئلة القرن ال21 وقد حضر المستقبل ليس من خلال التقارير والمناقشات حول هذه المشاريع، بل عبر الجلسة المتزامنة التي ساهمت فيها جامعات من اليابانوالولاياتالمتحدة والبرازيل والمغرب. شاشة جدارية عريضة في صالة الجلسة تتكون من أربع نوافذ نقلت في آن البث التلفزيوني المباشر من داخل الجامعات الأربع وقدمت نموذجاً عملياً لجامعات المستقبل التي لن تحدها حدود الزمان والمكان. هل تُستبدل بنايات وقاعات المحاضرات في جامعات القرن الپ21 بالمواقع الرقمية على شبكة الانترنت؟...وماذا سيحدث للهيئة التدريسية، هل سيكون هناك مدرسون واساتذة، أم يحل محلهم مربون ألكترونيون؟... وما الذي سيحل بالجامعات المحلية، هل ستحافظ على البقاء، أم تبتلعها صناعات التعليم الدولية عابرة الحدود والجنسيات؟ الأجوبة عن هذه الأسئلة بحثتها الجلسة المتزامنة التي عُقدت بعنوان "من التقليدي الى الافتراضي"، وشارك في رئاستها مؤسس معهد الكويت للبحث العلمي ومدير المكتب الإقليمي لليونسكو في القاهرة الدكتور عدنان شهاب الدين. يشبه الوضع الحالي للتعليم العالي أمواج النهر المتلاطمة التي تأكل الساحل ببطء، لكن بعناد ومثابرة. ويتوقع الخبراء أن يخترق الطوفان الساحل خلال فترة تراوح بين ثلاث وخمسسنوات. وينطلق التيار عبر ساحات الجامعات وقاعات المحاضرات والمكتبات، ويغير أمامه كل شيء: الهيئة التدريسية والطلاب والمناهج والمصادر التعليمية والمختبرات والأدوات المدرسية. وتشير الدراسة الرئيسية المقدمة في جلسة النقاش الخاصة بالتكنولوجيا الجديدة أن الثورة التعليمية المقبلة ستحرر الطلبة والاساتذة من قيود الزمان والمكان. لن تكون هناك جداول وأوقات مقننة للمحاضرات والدروس، ولن يكون الدرس متزامناً سواء بالنسبة للطلاب والاساتذة. سيختفي عامل المسافات من التدريس، اذ يمكن للطالب ومدرسه أيضاً أن يحضرا الدرس وكل منهما في مدينة اخرى، أو بلد آخر، بل قارة اخرى. وستقل كلفة التعليم العالي على المدى البعيد. صحيح أن التعليم الافتراضي عبر أجهزة الاتصالات والمعلومات يكلف حالياً أكثر من التعليم التقليدي، لأنه يستدعي اقتناء أجهزة فيديو وكومبيوتر وهاتف والاشتراك في شبكات الانترنت واستحداث وظائف للخبرات الفنية الجديدة. لكن التعليم الافتراضي لن يحتاج الى إقامة مبان وقاعات دراسية ومختبرات ومكتبات. وتكمن الميزة الاقتصادية الثانية في حجم الصف الدراسي الذي يمكن أن يضم عشرات ومئات، بل آلاف الطلاب. ولن يستثني التغيير علاقة الطالب والمدرس. هذه العلاقة التي اتخذت عبر القرون طابعاً رأسياً ستتحول الى نمط علاقة افقية. سيصبح المدرس مرشداً، أو خبيراً، أو زميلاً، فيما يصبح الطالب فاعلاً في العملية التعليمية. وعلى خلاف المتوقع لن تجعل التكنولوجيا الجديدة التعليم أكثر فردية، بل أكثر جماعية. الجماعة التي تضم الطلاب والمدرسين ستكون هي المحور الذي تعقد حوله الاستشارات والحوارات ويجري التعاون من خلالها. عبر هذه الطريقة التفاعلية يتلقى الشخص الدرس من "الجماعة"، فيمثل المدرس أحد عناصر العملية التعليمية، التي تجري في صفوف دراسية تتسع لعشرات ومئات الطلاب. بهذا ستعاد صياغة الأدوار كلية وستتطلب حركية الأدوار الجديدة طلبة ومدرسين من نوع جديد. وسيشمل التغيير تقويم أداء الطالب وتحديد مستوى تحصيله. لن تعتمد النتائج على الامتحانات التقليدية لتحديد مستوى تحصيل الطالب للمعارف، بل يجري التركيز على أدائه العلمي والمهني، فتقاس قابليته على اجراء البحث وقدرته على التكيف والتعاون. أسواق وتحالفات لن يكون نقل المعلومات والمعرفة هو الهدف الرئيسي للتعليم. فالجامعات الجديدة تعلم الطالب كيف يحصل على المعلومات ويمحصها ويحولها الى معرفة. ويفتح اضمحلال حدود الزمان والمكان أبواب السوق الدولية للتعليم. ويؤدي تدويل أسواق التعليم وظهور أنماط جديدة من مؤسسات التعليم القائمة خصيصاً لهذه السوق الى تشديد التنافس بين المؤسسات التعليمية. ويفرض هذا في المقابل على الجامعات تشكيل تحالفات استراتيجية. فتكنولوجيا الاتصالات والمعلومات تحول التعليم الى صناعة دولية. وستقل أهمية الحدود الفاصلة بين مراحل التعليم المختلفة، الأولية والثانوية والتقنية والجامعية والمهنية، ويتعاظم التركيز على التعليم المستمر. وسيؤدي التطور في هذا الاتجاه الى تضاؤل الحدود الفاصلة بين "التعليم الحضوري" و"التعليم من بعيد". ويشمل ذلك أيضاً الحدود بين التعليم المحلي والأجنبي. هنا تصبح اللغة احدى العوائق الرئيسية للتوسع أو بالعكس أحد المزايا الأساسية له. والهيمنة اللغوية كانت بين المواضيع التي تناولها النقاش بحذر من دون أن يضيئها ويقدم تصورات حولها. المدرس الجديد تساؤلات كثيرة طرحت حول ما ستحدثه التكنولوجيا الجديدة لمهنة التدريس وكيفية اعداد المدرسين لمواجهة التغيرات الجارفة المقبلة. الجواب الأول عن هذه التساؤلات، هو أن المربين سيحتاجون الى تربية. تجربة التعليم من بعيد تدل على أن المطلوب من المدرسين قدرات تدريسية أكبر. إذ ينبغي على "المدرس الجديد" أن يتقن تكنولوجيا المعلومات والاتصالات الجديدة وأن يكون متهيئاً ذهنياً للتغير الحاد في دوره، فيما هو يضيف الى معرفته بالمواضيع الخاصة ويعمل على تحديث معلوماته. مفتاح الاعداد الناجح للمدرسين هو التدريب على استخدام التكنولوجيا الجديدة ورفدهم برؤية جديدة لمهنتهم مع التركيز على "ثقافة المعلومات". ويمكن أن تقدم لهم قدرتهم على استخدام الأدوات الجديدة أو مجرد وعيهم بحركة المعارف الوسيلة لمواجهة الصعاب النفسية وتطمئنهم الى استعدادهم لملاحقة التطورات. حصيلة ذلك انبثاق المدرس الجديد خارج عزلة الصف المدرسي وحصوله على دعم موقعي بارز. وأكد خبراء التعليم الجديد على ضرورة وجود خبراء تشغيل للأجهزة وشبكة الانترنت لتسهيل عمل المدرسين، وتهيئة الفرصة لهم للتركيز على مضمون المادة التدريسية. ويعتبر هذا عاملاً أساسياً للانتاج التربوي الناجح للجامعات ومعاهد التعليم العالي. تغيرات التعليم العالي النموذج التركيز على دور الطالب التكنولوجيا تقليدي المدرس سلبي سبورة سوداء/ تلفزيون / راديو معلوماتي الطالب فعال كومبيوتر شخصي معرفي الجماعة متكيف كومبيوتر شخصي " شبكة