استنتاجات مهمة يمكن أن يخرج المرء بها، من التغييرات المفاجئة التي تحصل في لبنان. فالتحولات السريعة التي يسميها بعضهم انقلاباً أبيض لم تأتِ من فراغ ولن تمر من دون انعكاسات مهمة على المديين القصير والمتوسط. الاستنتاج الأول أن توقيت خروج الرئيس السابق للحكومة رفيق الحريري من الحكم، جاء ملائماً له ولشريكه المفترض الرئيس الجديد العماد اميل لحود. والتبريرات الضمنية التي يقدمها كل منهما، لهذا الافتراق، متطابقة تقريباً. وعلى رغم ان الحريري كان يغدق التصريحات عن استعداده للتعاون مع لحود، فإن محيطه الضيق كان يعيش في أجواء التململ من أن محيط رئيس الجمهورية لم يترك مناسبة، منذ انتخابه، إلا وبعث فيها بإشارة اليه عن ان حجم الرئاسة الأولى ودورها في السلطة سيختلف عن حجم الرئيس السابق الياس الهراوي ودوره، وان لا بد لحجم الحريري من أن يتقلص في السلطة لمصلحة لحود. ويبدو من وجهة نظر الحريري أنه فضّل الخروج منذ البداية كي لا يؤدي مشروع "التساكن" في الحكم بينه وبين لحود، في ظل الدعم السوري المميز للرئيس الجديد، الى ذوبانه واضعافه مع الوقت وفي الأشهر المقبلة، بفعل الصراع بينهما. أما من وجهة نظر لحود فإن التوقيت كان ملائماً له هو ايضاً، فالافتراق منذ البداية أفضل من التناحر داخل السلطة، في شكل يضعف صورة العهد. هذا فضلاً عن ان لحود يعتقد ان مشروع الحريري الاقتصادي والاعماري يجب تغييره، وبالتالي لا بد من تغيير صاحبه. الاستنتاج الثاني ان قرار دمشق "عدم التدخل"، خصوصاً على أعلى مستويات القيادة فيها، في تفاصيل التحولات الداخلية اللبنانية، يرتب نتائج على الصعيد اللبناني، فالقيادة السورية في هذه الحال لم تعد مسؤولة عن فشل التجربة الجديدة التي أدت الى التغيير في الطاقم الحاكم والذي واكبته وستواكبه تغييرات في التوجهات السياسية الداخلية، حتى في سورية نفسها. وإذا كانت مسؤولية السقطات والسلبيات التي حصلت في السابق حُمِّلت لدمشق، فإن الأخطاء التي يمكن أن تحصل الآن، في ظل الصعوبات الكبرى التي يدرك أركان العهد أنهم مقبلون عليها، سيحملها الأفرقاء اللبنانيون وحدهم، ولو قيل ان دمشق غضّت النظر عن التبديلات الحاصلة. الإستنتاج الثالث أن ازدياد الحضور الأميركي في لبنان، وتنقّل وزيرة الصحة الأميركية دونا شلالا في المحافظاتاللبنانية بكل راحة، وزيارة وزير التجارة قبلها بيروت، كل ذلك أخذ يملأ جزءاً من مساحة "عدم التدخل" السوري في لبنان، بالاعتماد على ان دمشق وواشنطن تلتقيان على دعم العماد لحود وتأييد حكومة الرئيس سليم الحص. وهذا الاستنتاج دفع الى التساؤل، وسط التحليلات عن صراع أميركي - فرنسي في لبنان: هل هذا الزخم الأميركي سيساعد الحكم الجديد على استبدال حجم الحريري الجاذب للاستثمارات الى لبنان، باندفاعة أميركية تدعم التوظيفات فيه وتسانده اقتصادياً، وترعاه سياسياً ضمن معادلة جديدة على الصعيد الإقليمي؟