الإقامة الجبرية ليست القاسم المشترك الوحيد بين الزعيم الكردي عبدالله أوجلان وديكتاتور شيلي السابق اوغستينو بينوشيه. ورغم التباين الشديد بين الحالتين، فإن ثمة أوجه شبه كثيرة في مقدمها أن كلاً من الرجلين اعتمد اساليب العنف لتحقيق غاياته، وإن اختلفت المنطلقات. فالأول اعتمد "الشرعية الثورية" لبلوغ أهداف قومية - اجتماعية وانتزاع حقوق الشعب الكردي وبناء دولة مستقلة، حتى وإن اقتضى ذلك التضحية بأرواح عدد كبير من الأكراد. والثاني استند إلى "شرعية النظام" وحراب العسكر لتخليص شيلي من أزمة اقتصادية خانقة. ولم يأبه بمصرع الآلاف الذين غيبتهم السجون ومعسكرات الاعتقال، كما أنه لم يلتفت إلى أصوات الاحتجاج التي استنكرت إطاحة الرئيس الشرعي سلفادور اليندي. وكان الرجلان، أوجلان وبينوشيه، يمثلان واحداً من أوجه الحرب الباردة، إذ ان الاستقطاب العالمي كان يفترض سلفاً أن أحد القطبين سيقف إلى جانب حركة التحرر الكردية، فيما يمالئ الآخر تحرك العسكر ضد اليندي اليساري. وبعد انتهاء المجابهة وسقوط القطب السوفياتي، فقد الأكراد ركيزة مهمة، إلا أن الولاياتالمتحدة، من جهة أخرى، لم تعد بحاجة إلى بينوشيه وأمثاله، لتكوين جبهة ايديولوجية موحدة في أميركا اللاتينية وسائر مناطق العالم. في ظل الأوضاع الجديدة غدا الرجلان عرضة للمطاردة. لكن إذا كان بينوشيه يريد العودة إلى البلد الذي حكمه بالحديد والنار، فإن أوجلان بات زعيماً بلا وطن، بل ان الدولة التي يحمل جنسيتها تريد استعادته لتصفيته جسدياً ظناً من أنقرة ان قضية الأكراد يمكن ان تنتهي بغياب أوجلان. والزعيم الكردي يطالب بمحاكمة عادلة ستعني تدويل المشكلة أولاً وفتح ملف الاضطهاد القومي في تركيا، مما يبقي أبواب الاتحاد الأوروبي موصدة في وجه أنقرة. وبينوشيه يرفض أصلاً فكرة المثول أمام القضاء متذرعاً بحصانته من السلطات الشيلية، ومحتمياً بالمظلة الأميركية. فواشنطن ضغطت على روسيا أولاً ثم على ايطاليا لتسليم أوجلان، لكنها ترفض بشدة أي اجراء قضائي ضد الديكتاتور الشيلي. إذ من المؤكد أن محاكمة بينوشيه ستكشف أوراقاً تريد الولاياتالمتحدة نسيانها عن تورطها في انقلاب سنتياغو وتغاضيها عن أعراس الدم التي اقيمت اثره، في حين أن مقاضاة أوجلان قد تحشر واشنطن وحليفها التركي في الزاوية. أي أننا نعود مرة أخرى إلى ازدواجية المعيار. فالأميركيون يكيلون لحلفائهم وأصدقائهم بمكيال وللآخرين بمكيال ثانٍ. وهم يطالبون ياسر عرفات بالقضاء على الهياكل الارتكازية للتنظيمات الإسلامية ويضغطون لوضع رقبة أوجلان في المقصلة التركية، بينما يعملون لنقل بينوشيه إلى شيلي كي يمضي أيامه الأخيرة من دون فتح ملفات مطوية. إلا أن الضيق الأوروبي من نظام القطب الواحد أخذ يتجسد في الموقف من أوجلان وبينوشيه. فإدانة العنف ينبغي أن تقترن بالبحث عن دوافعه، ورفض الارهاب، الفردي والرسمي، يجب ان يكون شاملاً وليس انتقائياً