أردتِ أن تدرسي نجومك - حرّاس باحة سجنك، طوالع الأبراج. الكواكب تمتمت لغة سحرها البابليّة - مثل عظْمات مشعوذ. كنت محقّةً في خوفك من أن يعلو هدير العظام، من أن تسمع الأذن بصفاء أكثر ما همست به العظام حتى وهي مبطّنة، كما هي، بالجسد الحارّ. سوى انك لم تكوني بحاجة الى ان تحسبي الدرجات لنذيرك الصاعد في برج الحمل. لم يكن شيءٌ مؤكداً - ليس أكثر، بحسب الكتب البابلية، من وجه تزركشه النُدَب. الى أيّ عمقٍ أزيدَ تحت الجلد، يمكن لأيّ ساحرٍ أن يختلس النظر؟ كان يكفيك ان تنظري في أقرب وجهٍ لأية كنايةٍ تلتقطينه من دولاب ثيابك، أو من صحنك أو من الشمس أو القمر أو من شجرة الطقّوس، لكي تري أباك، أمّك، أو إيّاي أنا نأتي بحتفك كاملاً اليكِ. أسوأُ أحلامك تحقّق: تلك الرنّة على جرس الباب - لا الصدفة البسيطة الواحدة في بليون، بل شهابٌ نزل علينا من المدخنة واسمنا مكتوبٌ عليه. ليست الأحلام، كنتِ قد قلت، بل النجوم الثابتة هي التي تحكمُ حياةً ما. عطش الكينونة الكاملة الذي لا يرحم، مثل نائمٍ يسحبُ الهواء الى رئتيه. كان عليكِ أن ترفعي، مقدار بوصةٍ، غطاء التابوت. في حلمكِ أم حلمي؟ صندوقُ بريد غريب. أخذتِ منه المظروف. كانت رسالةً من أبيك. "لقد أتيت. هل يمكنني أن أبيت معكم؟" لم أقل شيئاً. فالطلبُ، عندي، كان أمراً. ثم جاءت الكاتدرائية. "شارت". كنّا قد ذهبنا الى "شارت" بطريقةٍ ما. لم تكن المرّة الأولى بالنسبة اليك. لا أذكرُ شيئاً أكثر من قارورة بريتونيّة. ملأتِها بكلّ ما نملكه. حتى الفرنك الأخير. قلتِ أن هذا من أجل أمّك. أفرغتِ أوكسجيننا في تلك القارورة. "شارت" لقد احتفظتُ بهذه البقايا تحلّقت حول وجهك، طرحةً اسبانيّة متفحّمة، كشجيرة من الفحم - مثلما بعد حريق عاصف. ومثل راهبة رعيتِ ما تخلّف من بقايا أبيك. ساكبةِ حياتينا من تلك القارورة في قهوته الصباحيّة. ثم كسرتِها شظاياً، خاماتِ نجوم وأعطيتها لأمّك. "ولكَ أنتَ" قلتِ لي "السماحُ بأن تتذكّر هذا الحلم. وفكّر به". ماذا يمكنني أن أقوله لكِ ممّا لا تعرفينه عن الحياة بعد الموت؟ عينا إبنك، اللتان أدهشنا شكلهما السلافيّ الآسيوي الأنيث ولكن اللتين ستغدوان عينيكِ بكلّ كمالهما فيما بعد، صارتا جوهرتين بليلتين، أصلبَ العناصر لأنقى الألم بينما كنت أُطعمهُ في كرسيّه الأبيض العالي. أيدي الأسى الكبيرة كانت تعتصرُ خرقة وجهه الرطبة مرّة بعد أخرى. تعتصرُ منه الدموع. لكنّ فمه خانك - لقد تقبّلَ الملعقة من يدي المفرَغة أنا إذ مددتها، عبر الحياة التي بقيت بعدك، إليهِ. أختهُ كانت تزداد شحوباً يوماً بعد يوم بسبب الجرح الذي لا يمكنها أن تراهُ، أو تلمسه، أو تحسّهُ بينما أضمّدهُ لها كلّ يوم بسترتها البريتونية الزرقاء. في الليل كنت أتمدّد يقظان في جسدي أنا الرجلُ المشنوق عصبُ رقبتي مقتلعٌ، والعضلة التي تربط قاعدة جمجمتي الى كتفي اليسرى مجتثةٌ من جذرها الكتفيّ ومعقودةٌ بتشنّجاتها - تخيّلتُ ان الألم كان يمكن له أن يُفسَّر لو تدليّتُ بالروح من صنّارة ما تحت عضلة عنقي. كنا نحن الثلاثة وقد طُرحنا خارج الحياة في أسرّتنا السفريّة المنفصلة نتشاركُ صمتنا العميق. الذئابُ قدّمت لنا الراحة تحت قمر شباط ذاك، وتحت قمر آذار. كانت حديقة الحيوان قد اقتربت منّا أكثر. وبرغم المدينة كانت تواسينا الذئاب. كانت تغني في كلّ ليلة مرّتين أو ثلاثاً لبضع دقائق طويلة. لقد وجدتْ مكان رقودنا. وكلاب الدينغو، والذئاب البرازيلية الأعراف - كانت كلّها ترفع عقيرتها معاً مع القطيع الرماديّ الآتي من الشمال. كانت الذئاب ترفعنا في أصواتها الطويلة. كانت تلفّنا وتوشجنا بنواحها من أجلكِ، في حدادها لنا، وتنسجنا داخل أصواتها. كنّا نرقد في موتك، في الثلج الذي تساقط، وتحت الثلج المتساقط. بينما كان جسدي يغرق في الحكاية حيث تغني الذئاب في الغابة من أجل طفلين تحوّلا في نومهما الى يتيمين ينامان جنب أمّهما الميّتة. ترجمة: سركون بولص