ولدت الحكومة الأولى في عهد الرئىس إميل لحود، برئاسة الدكتور سليم الحص الذي أذاعها في السادسة والنصف مساء أمس، في سرعة قياسية بالمقارنة مع عملية تأليف الحكومات في لبنان راجع ص2. وبعد غياب رفيق الحريري عن رئاسة الحكومة غابت الاحزاب السياسية عن التشكيلة الجديدة في ما وصفه البعض بأنه استكمال لپ"التنفيذ". وتضم الحكومة الجديدة 16 وزيراً، نصفهم من التكنوقراط، وإن كان بعضهم مسيّساً، والنصف الثاني من السياسيين. ويغلب عليها طابع الشخصيات التي تتمتع بالسمعة الطيبة والكفاية ونظافة الكف، ولا تضم ممثلين عن أي حزب من خارج البرلمان أو من داخله. وهم بحسب توزيعهم المذهبي، مع إشارة إلى إختصاصات الجدد منهم: - عن السنّة: سليم الحص رئىساً لمجلس الوزراء وزيراً للخارجية والمغتربين، وحسن شلق للإصلاح الإداري رئيس سابق لمجلس الخدمة المدنية، ونجيب ميقاتي للأشغال العامة والنقل رجل أعمال. - عن الموارنة: سليمان فرنجية للزراعة والاسكان والتعاونيات، وجوزف شاول للعدل رئيس مجلس شورى الدولة حالياً، وجورج قرم للمال خبير مالي وإقتصادي. - عن الشيعة: غازي زعيتر للدفاع الوطني نائب ومحافظ سابق، ومحمد يوسف بيضون للتربية والشباب والرياضة والتعليم المهني والتقني والعالي والثقافة، وناصر السعيدي للاقتصاد والتجارة والصناعة النائب الأول لحاكم مصرف لبنان حالياً. - عن الارثوذكس ميشال المر نائباً لرئيس مجلس الوزراء وزيراً للداخلية والشؤون البلدية والقروية، كرم كرم للصحة العامة رئيس قسم الجراحة النسائية في الجامعة الأميركية في بيروت. - عن الكاثوليك: ميشال موسى للعمل والشؤون الاجتماعية نائب ورئىس لجنة حقوق الإنسان النيابية، وسليمان طرابلسي للموارد المائية والكهربائية والنفط المدعي العام في ديوان المحاسبة حالياً. - عن الدروز: أنور الخليل للإعلام وشؤون المهجرين، وعصام نعمان للبريد والمواصلات السلكية واللاسلكية نائب سابق ومحام. - عن الأرمن: أرثور نازاريان للسياحة والبيئة رجل أعمال. وقال الرئيس الحص بعد اجتماعه مع الرئيس لحود "يسعدني ان أعلن ان مرسوم التأليف صدر وقد دعونا مجلس الوزراء الى اول جلسة صباح الغد اليوم التاسعة صباحاً لالتقاط صورة تذكارية من جهة ولتعيين لجنة لصوغ البيان الوزاري". وأكد ان "ليس في الحكومة تمثيل حزبي على الاطلاق وهي مختلطة بين وزراء نواب ووزراء تكنوقراط. وقد راعينا التوزيع الطائفي والمناطقي بطبيعة الحال". واعتبر ان "هذه الحكومة ستوحي بالثقة الكبيرة لدى الناس وهي تبشّر بخير كثير ان شاء الله". وتوقع ان "ينجز البيان الوزاري خلال اسبوع، اما تعيين موعد الجلسة النيابية لطرح البيان الوزاري ونيل الثقة منه فيعود امره الى رئاسة المجلس النيابي ومكتبه". وقيل له ان هذه اول مرة لا يواجه تأليف الحكومة عقبات، اجاب "هذا دليل الى الانسجام في ما بيننا، ولا حصص ابداً". وسئل هل تكون الحكومة متضامنة. فأجاب "ان شاء الله". واعتبر ان "الاصلاح الاداري هو قضية ذات أولوية في تفكيرنا لكنها ليست القضية الوحيدة. فالقضايا كثيرة وتحدثت عنها بعد تكليفي رئاسة الوزراء". ثم تلا مرسوم التأليف. وترك إذاعة أسماء الوزراء إنطباعاً لدى المراقبين عن حيادية معظمهم، في شكل لم يأتِ ببدائل أو خصوم للثوابت والحزبيين الذين استبعدوا وكانوا في الحكومات السابقة، على رغم أن إثنين فقط من الثوابت عادا هما المر وفرنجية باعتبارهما أساسيين في معادلة العهد الجديد برئاسة لحود. ومع حيادية معظم الوزراء الآخرين، فأن الولاءات السياسية لبعضهم وصداقات بعضهم الآخر وانتماءاتهم الفكرية، تشير إلى أن للرئيسين لحود والحص ولرئيس المجلس النيابي نبيه بري حضوراً مميزاً، بل وزراء يدينون لكل منهم بالولاء في شكل أو آخر. لكن انطباع "الحيادية" لم يمنع مصادر سياسية من ان تعتبر التكنوقراط يعبرون عن وجهات نظر متعارضة مع سياسة الحريري مثل قرم ونعمان. فشاول ونازاريان والمر وفرنجية وطرابلسي هم حصة الرئىس لحود. وهو يتقاسم صداقة ميقاتي وكرم وشلق وقرم مع الحص، الذي من حصته بيضون ونعمان وميقاتي. أما بري فأن حلفاءه وأصدقاءه هم موسى والسعيدي وزعيتر. والحكومة تضم ثلاثة من تكتل التحرير الذي يترأسه إذا أضيف الخليل إلى موسى وزعيتر. لكن وزارات هؤلاء عادية، وللقيادة السورية بين الوزراء أصدقاء كثر، بمن فيهم ميقاتي وكرم. لكن الوزير جنبلاط لم يتمثل في الحكومة مباشرة على رغم أن الأنباء كانت أشارت إلى نية مراعاته بأحد الدروز. وفضلاً عن أنه لم يكن ينوي أن يشارك شخصياً لم يأت أي من أعضاء كتلته. ولهذا السبب ومراعاة له وعدم مخاصمته إستبعد طلال أرسلان الذي كان وارداً في تشكيلات عدة. ويختصر بعض المراقبين التشكيلة بالقول أنها أتت بأدنى تمثيل سياسي بالمعنى التقليدي للكلمة، في شكل ينسجم مع توجهات العهد استبعاد ممثلي الميليشيات وبعضهم اتهم بالتفريط بالمسؤولية أو بالإهدار. ويجنب ضعف التمثيل السياسي العهد والحص مطالبتهما من قبل القيادات المسيحية بحكومة "مصالحة" أو "وفاق" أو "تصحيح التمثيل المسيحي". وضمّت الحكومة سبعة نواب هم: الحص والمر وبيضون وفرنجية وموسى والخليل، ونائباً سابقاً هو نعمان، وثمانية تكنوقراط. وعاد اليها من الحكومة السابقة المر وفرنجية، في حين جمعت 11 يوزّرون للمرة الأولى هم: شلق وميقاتي وشاول وقرم وزعيتر وكرم وموسى وطرابلسي ونعمان ونازاريان. وكان الحص بدا مرتاحاً إلى الأجواء التي سادت المشاورات النيابية واصفاً، أثناء إستقباله الزوار في منزله وفي حضور "الحياة" وقبل أن يتوجه إلى المجلس النيابي لإجراء الجولة الأخيرة منها، علاقته مع الرئىس لحود بأنها جيدة ووثيقة وأن عليهما أن ينطلقا من جوامع مشتركة وثوابت واضحة. وشدّد على "أن هناك رغبة صادقة في التعاون بينه وبين الرئيس لحود"، وقال "أنا أعرفه منذ زمن بعيد، ولسنا في حاجة الى التعرف أحدنا إلى الآخر". وسئل عن رأيه في إمكان عودة صيغة "الترويكا"، فقال أن "لا وجود لمثل هذه الصيغة، وأظن انها لم تعد موجودة منذ انتخاب العماد لحود رئيساً للجمهورية، والآن بعد تكليفي رئاسة الحكومة، أرى أنها باتت مرفوضة ولا مجال للتداول فيها، والعمل لن يكون إلا من خلال المؤسسات واستناداً إلى الصلاحيات المنصوص عنها في الدستور". وبالنسبة إلى ما تردد عن وضع المديرين العامين وكبار الموظفين في تصرف الحكومة قال: "لا تستعجلوا الأمور، القرار النهائي يعود الى مجلس الوزراء الذي سيأخذ على عاتقه تحقيق الإصلاح الإداري وسيكون للمؤسسات الدور الأول والأخير". وعن احتمال إلغاء مجلسي الإنماء والإعمار تأسس عام 1977 في حكومة الحص الأولى والجنوب والصندوق الوطني للمهجّرين، أوضح أن "لا شيء في هذا الشأن حتى الآن. إنتظروا ما سيقرره مجلس الوزراء، لكن أرى أن التوجّه الآن يقضي بإبقائه، شرط تطبيق الأنظمة والقوانين من مراقبة ومحاسبة. ان تطبيقها يؤمّن إنتظامها وتنظيمها". وبالنسبة إلى ما نشرته وسائل الإعلام عن تحرك القضاء للتحقيق في أنباء عن إخراج مستندات من وزارة المال، قال الرئىس الحص أنه "ضد تناول هذا الموضوع بالذات عبر وسائل الإعلام، والقضاء اللبناني حرّ في التحرك للتأكد من أي أخبار ترد إليه، ولا أحد منا يشير للقضاء كيف يتحرك وأين. لكن كان يفترض عدم تناوله إعلامياً، لذلك تحدثت مع المدعي العام التمييزي القاضي عدنان عضوم وطلبت منه الإسراع في إنهاء التحقيق لأننا لسنا في وارد أن نظلم أحدا أو نتعرض إلى كرامات الناس". وأكد الرئىس الحص أنه استقبل الوزير السابق فؤاد السنيورة "الذي أبلغني أن لا صحة لما أشيع من أنه مُنع من السفر، أو أنه يحمل جواز سفر برازيلياً"، مشيراً إلى "أن التحقيق سينشر فور إنجازه لجلاء الحقيقة ولردّ الإعتبار إلى كرامات الناس، في حال تأكد أن لا صحة للمعلومات التي أذيعت ونشرت".