تنشغل ليبيا بالحظر الجوي المفروض عليها منذ حوالى سبع سنوات كأنه باق دائماً، أو كأنه سيرفع غداً. فمن جهة تحولت الطريق الرابطة بين تونس وليبيا على الشريط الحدودي في "رأس جدير" الى حركة دائمة للتنقل وتدفق البضائع، واقامة مراكز الاستراحة والاقامة، وتوسيع جنبات الطريق الرئيسية التي أفادت اقتصاديات تونس. ومن جهة ثانية تواصل الديبلوماسية الليبية اختراق مناطق الظل في الساحة الافريقية، عبر تكثيف الزيارات وأنواع المبادرات الرمزية. فيما يصرّ الزعيم الليبي العقيد معمر القذافي على أن الولاياتالمتحدة الأميركية أصبحت "محاصرة"، وأنها يجب ان تعاود النظر في سياستها التي جعلتها "دولة مكروهة ومنبوذة ومحاصرة دولياً"، وينبه الى أن مخاطر الحصار الموجه الى ليبيا "يمكن أن تتعرض له كل الشعوب الصغيرة الأخرى". واللافت ان الخطاب الليبي يراهن على حصول اختراق للموقف الدولي ازاء الحصار، ويستخدم في ذلك ضغوطاً شعبية ودولية، تتمثل في توالي زيارات الوفود الشعبية العربية. فبعد الأردن ومصر والمغرب يتوقع زيارات وفود من سورية واليمن لتأكيد تضامنها مع الجماهيرية، ومن المقرر أن تشترك في هذه الحملات وفود دول غربية من اسبانيا وفرنسا والولاياتالمتحدة. في حين يتم التركيز على افريقيا التي يقول عنها العقيد القذافي "ان افريقيا المتحدة ستقف موقف الند أمام الولاياتالمتحدة التي سلكت مسلكاً خاطئاً في التعامل مع العالم". لكن مصادر ديبلوماسية في طرابلس تذهب أبعد من ذلك الى تأكيد ان الانجذاب الليبي نحو افريقيا يعتبر موجهاً الى الرأي العام الأميركي ومصادر القرار "على أساس الحصول على دعم السود الأميركيين في الكونغرس واللجان الفرعية لدى مناقشة الوضع الليبي". وتضيف المصادر نفسها ان الأمر يتعلق بتحرك يراد منه تغيير صورة ليبيا في المجتمع الأميركي، وبالتالي عدم التركيز عليها في التعاطي مع ملفات الشرق الأوسط، واستبدال ذلك بتوجهات جديدة تنزع عن ليبيا صفة "الارهاب ومعاداة السلام". ويرى ديبلوماسيون غربيون في طرابلس ان هناك اتجاهاً الى تغليب مبدأ التعاون في محاكمة المتهمين الليبيين بالضلوع في حادث لوكربي على الابقاء على الوضع الراهن الذي يمكن ان يتطور في حال عدم تسليم المتهمين. وقال مصدر غربي ل "الحياة" ان ليبيا تريد استخدام "المحاولة البريطانية لاغتيال الزعيم الليبي معمر القذافي" في مقايضة، وقد باشرت احداث تغيير في الأجهزة الليبية للحؤول دون مثول بعض الشخصيات النافذة أمام المحكمة. وشرح ذلك بالقول "ان محاكمة جرت لعناصر ليبية بتهمة التقصير في الحماية الأمنية القت بظلالها على الموقف ازاء ما يمكن ان يترتب عن المحاكمة من ضغوط قانونية" يقصد مسؤولي المخابرات عبدالله السنوسي وموسى كوسا. والأهم ان بعض المسؤولين رفيعي المستوى الذين دينوا بتهمة التقصير جرى الافراج عنهم بعد أقل من اسبوع على صدور الأحكام ضدهم، لكنهم وضعوا في الاقامة الجبرية، على أساس عدم السماح لهم بمغادرة الأراضي الليبية في أي ظروف، وأقربها الى الاحتمال امكان الإفادة من شهاداتهم أمام المحكمة في قضية لوكربي. ويظل الرهان على عنصر الزمن قائماً في الحسابات الليبية، من ذلك دفع الفعاليات الشعبية في العالم العربي الى الضغط على الحكومات لدعم الانتساب العربي للجماهيرية الليبية، وبالتالي ايجاد آليات لدعم موقفها في المواجهة القانونية والسياسية المرتقبة. وفي حال تطور ذلك نحو خرق الحصار عربياً، تكون ليبيا أمنت موقفاً داعماً قبل المحاكمة. وقد اختار سياسي مغربي اسلوباً آخر للمواجهة، اذ حض الدكتور عبدالكريم الخطيب لدى عودته الى المغرب ضمن وفد شعبي، على مقاطعة استهلاك البضائع الأميركية لتأكيد التضامن وتحديداً الكوكاكولا والمالبورو والهامبورغر. لكن المفارقة ان الليبيين أنفسهم يستهلكون هذه المواد، ولم يعودوا في حاجة الى تغيير اسمائها، لأنهم غيروا السياسة أولاً في اتجاه الانفتاح.