حينما انتخب كيرسان ايلوبجينوف رئيساً لكالميكيا، لم يكن أحد خارج روسيا سمع اسم هذه الجمهورية الصغيرة 300 ألف شخص الواقعة على ساحل بحر قزوين. إلا أن هذا الشاب الطموح الذي صار رئيساً لاتحاد الشطرنج العالمي بدأ مشاريع واسعة لجعل جمهوريته "معبراً" بين روسياوإيران، مستغلاً هيمنتها على مصب نهر الفولغا في بحر قزوين. ومن ضمن "صرعاته" الكثيرة استأثر باهتمام واسع إعلانه نية الانسحاب من روسيا الاتحادية وتراجعه لاحقاً، ودوره في تعزيز العلاقات مع طهرانوبغداد، وهو يستعد حالياً لزيارة بعض دول الخليج العربية. وفي لقاء جرى في اذاعة "الحرية" أجرت "الحياة" مع ايلوبجينوف الحوار الآتي: بعد توليك الرئاسة قبل خمس سنوات الغي البرلمان المحلي ومجلس الوزراء، فهل لديك مفهوم للديموقراطية غير الشائع؟ - نحن نبني مجتمعاً حضارياً، ولدينا هيئة اشتراعية اسمها الكورال، وجهاز الحكومة ألغي لبضعة أشهر بهدف توفير الأموال. وأنا أؤمن بعلاقات السوق والملكية الخاصة، والديموقراطية تبدأ من الاقتصاد. دعوتك إلى ان تكون كالميكيا عضواً مشاركاً فقط في الاتحاد الروسي أثارت تساؤلات عن نواياك الفعلية، ما هو موقفك من الفيديرالية؟ - تصريحي كان مساساً بموضع الجرح. وأنا لم ادع إلى الانفصال، بل أوضحت ان الجمهورية لم تعد تتلقى التحويلات المالية من المركز وتساءلت "ألا يعني ذلك أنها لم تعد جزءاً من الفيديرالية؟" ولكن في الحديث التلفزيوني الذي أثار ضجة تضمن جملة أخرى اهملت، إذ انني أكدت ان المجنون فقط يفكر في الانسحاب من روسيا. وأنا اتساءل عن سبب بقاء العلاقات الفيديرالية في حال جمود، كما كانت عليه في زمن الاتحاد السوفياتي، في حين انها تحتاج إلى مراجعة حيوية. لكن جمهوريتكم ضعيفة اقتصادياً وهي مدعومة من المركز، فكيف تطمحون إلى ما وصفتموه بالاستقلالية المالية؟ - الفيديرالية، على صعيد الاقتصاد، تعني توزيع المهمات. وبدأنا بناء ميناء بحري وسيفتتح العام المقبل كمعبر بين روسياوإيران، وهناك ثلاثة طرق رئيسية تمر عبر كالميكيا. وأنا اعترف ان الجمهورية كانت تحصل من المركز على أموال تغطي 99 في المئة من موازنتها، ولكن الصورة تغيرت الآن وأصبحنا طرفاً مانحاً. وقد حولنا 550 مليون روبل ولم نحصل إلا على 44 مليوناً. كنت واحداً من رجال الأعمال المرموقين وكونت ثروة كبيرة خلال فترة قصيرة. هل تواصل أعمالك التجارية؟ - لا يمكن الجمع بين السياسة والأعمال، ليس لأن القانون يمنع ذلك فقط. فذهنية السياسي تختلف عن ذهنية التاجر ورجل الأعمال والخلط بينهما يؤدي إلى انكماش النتائج هنا وهناك. لكن لا شك في أن لي خبرة وصلات تساعدني في معالجة بعض الأمور الاقتصادية لصالح الجمهورية. لعبت عام 1993 دوراً مهماً في التوسط بين الرئيس بوريس يلتسن والبرلمان، وأعلنت أخيراً نيتك الترشيح للرئاسة الروسية، هل لك حظ في الفوز، ومع أي قوى تنوي التحالف؟ - كل مواطن في روسيا له الحق في أن ينتخب ويرشح، وأنا لن أكون هامشياً بين المرشحين، ولست من أنصار تقسيم القوى السياسية إلى يسار ويمين ووسط، لكنني أعمل الآن في صورة مكثفة مع موسكو محافظ العاصمة يوري لوجكوف أسس كتلة "الوطن" لتكون وسطاً بين اليمين واليسار - "الحياة". اتهمتك صحف ليبرالية بأن لديك صلات قوية مع القوميين الروس المتطرفين، بل أن بعضها ذكر انك معاد للسامية، فماذا تقول؟ - أنا أعرف الكثيرين ولي صلات مع جهات متعددة. وموقفي ينطلق من الأممية، فإن أمثل شعباً صغيراً، إذ لا يشكل الكالميكيون سوى أقل من 50 في المئة من سكان الجمهورية، ونحن محصورون بين بحر قزوين الإسلامي والمناطق الجنوبية الروسية التي يسيطر عليها اليساريون والقوميون، وينبغي ان أعرف جيراني. يقال إن الكثيرين من الكالميكيين لا يعرفون لغتهم الأم، هل تعرفها أنت، وماذا يعني برنامجك للإحياء القومي؟ - بعد الثورة البلشفية اغلق 100 معبد بوذي و10 مكتبات غنية بمخطوطات تبتية ومنغولية، وعطلت المدارس القومية ونفي الكالميكيون إلى سيبيريا. وبعد عودتهم لم يسمح لهم بإعادة بناء المكاتب والعودة إلى أبجديتهم، ولم يكن هناك مطبوع واحد باللغة الكالميكية. وفي عام 1993 بدأنا مشروعاً واسعاً من ضمنه فتح مدارس باللغة المحلية، وبالمناسبة يرتادها ابناء الروس والشيشان الذين يقطنون الجمهورية. وخلال خمس سنوات افتتح 15 معبداً بوذياً وثلاث كنائس ارثوذكسية ومسجد. وفي العام المقبل سنضع الحجر الأساس لكنيس يهودي. تحتل كالميكيا موقعاً متميزاً في القوقاز وهي أكثر استقراراً من جيرانها. هل أنتم بعيدون عن مشاريع اقامة "الدولة القوقازية" وهل هذا احتمال وارد؟ - ثمة محاولات في هذا الاتجاه، وتصلنا وفود رسمية وغير رسمية تحظى بدعم مالي وتدعو إلى الانفصال. إلا أن قادة جمهوريات القوقاز لا يؤيدون هذه النزعات، وإن كنت اعتقد ان مواجهتها ستكون صعبة بسبب الأزمة المالية في روسيا. أشار صحافيون روس إلى أن مشروع المعابر بين روسياوإيران قد يغدو محاولة للالتفاف على المركز الفيديرالي؟ - لو كان المشروع فكرة ابتدعتها لافتخرت بها. إلا أنه كان قائماً منذ زمن الاتحاد السوفياتي وله اغراض جيوسياسية واقتصادية. وقد نوقش معبر لوغان كالميكيا - إيران في نطاق لجنة حكومية مشتركة عن الدولتين ووقعت اتفاقية بينهما. وساهمت في المشروع، الذي سيكلف 1400 مليون دولار، المانيا والنروج وأعلنت شركة "ميتسوبيشي" اليابانية رغبتها في الاشتراك وحتى الولاياتالمتحدة تبدي اهتماماً. وسأعرض الموضوع على المسؤولين في السعودية والكويت والإمارات عند زيارتي لدول الخليج قريباً. والمعبر سيكون بمثابة طريق حرير جديد. قمت بعدة زيارات إلى بغداد وذكر انك كلفت بمهمات سياسية، ما هي طبيعة المهمات، وهل لها صلة بكونك نائباً لرئيس لجنة العلاقات الدولية في مجلس الفيديرالية الشيوخ؟ - في بعض الفترات بلغ عدد الخبراء السوفيات في العراق عشرات عشرات الآلاف، والكثير من المصانع وآبار النفط مجهزة بمعدات سوفياتية، وبغداد مدينة لنا بعدد من البلايين. وهذه كلها لها صلة بزياراتي. وعلى حد علمي فإن في العراق حالياً وفوداً تمثل مختلف الأقاليم الروسية التي لها مصلحة مباشرة في رفع الحصار وتطوير العلاقات مع العراق. هل تعتقد ان روسيا ما زالت متمسكة بموقفها من العراق على رغم ما استجد في الموقف الأميركي؟ - يتعين على رئيس الوزراء يفغيني بريماكوف أن يناور بين الأميركيين وصندوق النقد الدولي من جهة، وسوق هائلة مثل العراق من جهة أخرى. ولا شك في ان بريماكوف تلقى تقارير من المخابرات عن ان شركات أميركية مسجلة في كندا وكوريا الجنوبية تعمل لعقد صفقات مستقبلية لها صلة بالنفط العراقي. وكنت مع نائب رئيس الوزراء العراقي طارق عزيز نتجول في بغداد ودخلنا أحد الفنادق نسأل مديره عن عدد الأميركيين المقيمين فيه، فكان الجواب: قرابة المئة