أعلن وزير النفط الإيراني بيجان زنقانة أن إحدى أولويات الحكومة الإيرانية تطوير الحقول الغازية، لأن "إيران بحاجة إلى استخدام الغاز للاستهلاك الداخلي وإعادة ضخه في الآبار النفطية للصيانة والتطوير ولتصدير جزء منه". وأكد زنقانة ان إيران مصرة على أن يكون انتاجها النفطي 6،3 مليون برميل يومياً و"ليس أقل"، لأنها خفضت انتاجها من 9،3 مليون برميل يومياً، أي أنها أقدمت على خفض 300 ألف برميل يومياً. وقال إنه يتعين على منظمة "أوبك" أن تخفض انتاجها بمعدل 5،1 مليون برميل يومياً من أجل تحسين وضع السوق النفطية. جاء ذلك في حديث بين الوزير وعدد من الصحافيين زاروا إيران الأسبوع الماضي، وكانت مراسلة "الحياة" بينهم، بدعوة من شركة "توتال" الفرنسية للنفط لزيارة منطقة سيري، حيث حصلت "توتال" على عقد لإدارة انتاج وتطوير حقلي سيري. وعلى رغم الصعوبات، تبذل إيران جهوداً كبيرة لايجاد التمويل واجتذاب الشركات الأجنبية لتطوير حقولها البرية والبحرية من النفط والغاز، وهي على غرار كافة الدول النفطية في المنطقة، تعاني أيضاً من الانخفاض الكبير لأسعار النفظ. وقال خبير اقتصادي غربي ل "الحياة" إن التوقعات بالنسبة لعائدات إيران السنة الجارية تشير إلى أنها قد تراوح بين 5،8 بليون و5،9 بليون دولار، إذ أن مستوى العائدات خلال الأشهر الخمسة الأولى من 1998 بلغ نحو 5 بلايين دولار. ويقارن الخبير هذا المستوى مع مستوى عائدات العام الماضي والتي بلغت 5،15 بليون دولار، فيما بلغت في 1996 نحو 5،19 بليون دولار. وتجمع الأوساط الإيرانية التي التقتها "الحياة" في طهران على القول إن انخفاض أسعار النفط الذي أثر على الوضع الاقتصادي المتدهور أصلاً ساهم في تصعيد التوتر السياسي الداخلي، عبر المواجهة المستمرة بين التيار المعتدل الذي يمثله الرئيس محمد خاتمي والتيار المتشدد الممثل ببعض اركان الدولة، ومنهم مرشد الجمهورية الإسلامية علي خامنئي ورئيس البرلمان ناطق نوري ورئيس القضاء آية الله محمد يازدي. وقالت أوساط إيرانية مطلعة ل "الحياة" إن الوضع الاقتصادي في إيران "في أسوأ حالاته" نتيجة تدهور أسعار النفط والتوتر المتزايد بين التيارين السياسيين المعتدل والمحافظ، والذي تصاعد مع مقتل الشاعر محمد مختاري وعالم الاجتماع مجيد شريف والكاتب محمد بوياندة. ومع خطف مناضلين من "جمعية الكتّاب الإيرانيين" التي تناضل من أجل حرية التفكير، ما جعل الأوساط المعتدلة تقر بأن هذه الأعمال موجهة مباشرة ضد خاتمي وتياره. وتلاحظ بعض الأوساط الديبلوماسية الغربية في إيران ان القرار في البلاد بطيىء ومعطل على الصعيدين السياسي والاقتصادي، من جراء هذا التوتر الداخلي، وان خاتمي يعاني من كون سلطته الحقيقية مستقاة من الشعب ولكنها محدودة جداً في مواجهة هيكلية نظام المحافظين. إذ أن خامنئي وسواه من المحافظين يسيطرون على أجهزة الحكم من الأمن الداخلي إلى الشرطة والقضاء ورجال الدين، إضافة إلى ان اعضاء "البازار" الدين يهيمنون على الحياة الاقتصادية في طهران هم أيضاً من مؤيدي خامنئي والمحافظين. وعلى رغم هذه التحديات السياسية التي يواجهها خاتمي، إلا أن أوساط الشباب الجامعي تعتبر أنه لا يمكن العودة إلى نظام المحافظين، مهما كانت الصعوبات المطروحة على الرئيس الإيراني. وترى الأوساط الاقتصادية الغربية ان مشاكل إيران الاقتصادية والاجتماعية تتفاقم، خصوصاً أن عدد سكان إيران كان يبلغ قبل الحرب مع العراق 30 مليون شخص، وأنه ارتفع الآن إلى 65 مليون شخص، 60 في المئة منهم في عمر أقل من 30 عاماً، وكلهم من طالبي العمل في ظل ظروف يخيم عليها مستوى تضخم يقدر بنحو 35 في المئة لعام 1998، حسب المصادر غير الرسمية، في حين ان مستوى التضخم المعلن رسمياً هو 20 في المئة. لكن إيران تمكنت من الالتزام بمواعيد تسديد دينها الخارجي الذي أعادت جدولته، فانخفض مجمل ما هو مترتب عليها في أواخر عام 1997 إلى 3،14 بليون دولار، في ظل هدف يقضي بخفضه إلى 9،6 بليون دولار سنة 1999. ويذكر ان طهران اضطرت لمراجعة موازنتها في نيسان ابريل الماضي على أساس سعر نفط بمستوى 12 دولاراً للبرميل، بعدما كانت بنت الموازنة على أساس سعر بمستوى 17 دولاراً للبرميل. وبدأت إيران خطوات "مهمة وإنما بطيئة"، على حد قول الشركات النفطية الأجنبية، لتطوير حقولها البحرية والبرية بهدف زيادة طاقتها الانتاجية التي تبلغ حالياً، حسب مصادر نفطية عالمية، أقل من 9،3 مليون برميل يومياً على رغم ان الاحتياط الإيراني يعتبر رابع أكبر احتياط في الشرق الأوسط ويمثل نحو 8 في المئة من الاحتياط العالمي من النفط. إلا أن الحروب والتقلبات السياسية في البلد حالت دون صيانة وتطوير عدد كبير من الآبار النفطية، فانخفضت الطاقة الانتاجية من 6 ملايين برميل قبل الثورة إلى أقل من 9،3 مليون برميل حالياً. وأدرك النظام الإيراني أهمية أن يعمل مع الشركات الأجنبية لتطوير حقوله البحرية والبرية، فاعتمد إطاراً جديداً للعقود مع هذه الشركات، مبنياً على نوع من المقايضة Buy Back، بحيث يسدد أجور وأرباح الشركات العاملة على تطوير الحقول بكميات من النفط. وقال وكيل وزارة النفط الإيراني مهدي حسيني في جلسة مع الصحافيين إن إيران مستعدة لتطوير إطار هذه العقود، ولكنه لم يعط تفاصيل عن كيفية تطويرها. وهكذا حصلت شركة النفط الفرنسية "توتال" على عقد لتطوير حقل سيري النفطي البحري الذي زارته "الحياة" والذي بدأ انتاجاً لا يزال قليلاً، منذ تشرين الأول اكتوبر الماضي. وسيرتفع انتاج هذا الحقل إلى نحو 120 ألف برميل يومياً في تموز يوليو المقبل. كما حصلت "توتال" على عقد لتطوير حقلي الغاز "ساوس بارس" اللذين سيبدآن انتاج الغاز في القرن المقبل. والشركات الأجنبية التي تزور إيران حالياً عديدة، ومنها البريطانية، وغيرها من الشركات الأوروبية. وهناك أيضاً، حسب مسؤولين إيرانيين، محادثات مع شركات أميركية رفضت الكشف عن هويتها حرصاً على عدم احراجها مع حكوماتها. ومعلوم ان عدد الشركات المهتمة بالتطوير النفطي في إيران كبير، وذلك على رغم معاناة هذه الشركات من البطء في اتخاذ القرارات في إيران. ويعود هذا الاهتمام إلى المستوى المنخفض لكلفة الانتاج النفطي في إيران والتي تراوح بين دولارين و4 دولارات للبرميل، في حين ان كلفة انتاج النفط في الدول النفطية من خارج الشرق الأوسط تفوق بكثير هذا المستوى. لكن على رغم الثروة النفطية والغازية الكبرى وعلى رغم التصريحات المتكررة الصادرة عن خاتمي في شأن رغبته في إصلاح ما يصفه ب "الاقتصاد الإيراني المريض"، إلا أنه لم يتقدم إلا بالقليل من الاقتراحات لتنفيذ هذه الاصلاحات، حسب مصادر غربية مختلفة. واقترح خاتمي مثلاً تخصيص شبكة الفنادق في إيران التي تملكها حالياً "بناء المستضعفين"، لكنه لم يتطرق إلى خطة اجمالية للاصلاح الاقتصادي أو لإمكان العودة إلى نظام مرن لصرف العملة أو القيام بتغيير أساسي للنظام المصرفي الإيراني. وهذا ما جعل مسؤولاً غربياً يقول ل "الحياة" إنه "ليست هناك رؤية واضحة للمستقبل" في إيران، وأنه يتعين على هذا البلد الانفتاح لاستقبال المستثمرين الأجانب، إذ أنه "غني بالمشاريع والمناقصات ولكن القليل منها نفذ حتى الآن"