نجحت فرنسا خلال القمة "الفرانكو - افريقية" العشرين التي انتهت السبت الماضي في باريس، في تغيير صورتها في القارة الافريقية. وسجلت في الوقت نفسه نقطة في مرمى الولاياتالمتحدة التي تنافسها على الوجود في هذه القارة. واولى مؤشرات تغير هذه الصورة كان الحضور الكبير من الدول الناطقة بالانكليزية وتلك الناطقة بالبرتغالية الى جانب الدول الفرانكو - افريقية في هذه القمة شارك فيها ممثلو 49 دولة من اصل 53 كان بينهم 34 رئيس دولة. واخترقت باريس ايضاً احتكار الولاياتالمتحدة محاولات إدارة الأزمة في منطقة البحيرات العظمى مع مجموعة التنمية لجنوب افريقيا "سادك"، إذ استطاع الرئيس جاك شيراك انتزاع تعهد من زعماء الدول المتورطة مباشرة في الحرب الدائرة في الكونغو الديموقراطية بتوقيع اتفاق ينهي هذه الحرب مطلع الشهر المقبل. وأكد ذلك الرئيس الكونغولي لوران كابيلا الذي طغى هو نفسه الى جانب الازمة في بلاده على اعمال القمة. وظهرت امس أولى المؤشرات الى التقدم في اتجاه توقيع الاتفاق، إذ اُعلن في كيغالي ان القوات الرواندية التي تدعم حركة التمرد الكونغولية تلقت الامر بپ"وقف تقدمها"، فيما أكد مراسلون في المنطقة ان الوضع كان هادئاً هناك. ونجحت فرنسا ايضاً خلال هذه القمة في إعادة تعميم الثقة المتبادلة بينها وبين دول القارة، خصوصاً بعدما كان عدد من حلفائها اعتبر انها تخلت عنه وذلك بعد قرارها خفض عدد قواتها ورفضها التدخل عسكرياً في عدد من النزاعات في القارة. فأطلق شيراك في هذه القمة شعاره "عمل جماعي لهندسة أمن مشترك في افريقيا". وأكد رسمياً، وان بشكل غير مباشر، ان الوقت الذي كان يحتم على فرنسا التدخل بانتظام لدعم أو إطاحة قادة افارقة قد انتهى. وفي المقابل، تلقى الزعماء الافارقة الرسالة الفرنسية بوضوح وهي ان عليهم منع النزاعات في القارة قبل حصولها من خلال اعتماد نظام يُعطي الأولوية للحوار في هذا الشأن ويستبعد استخدام القوة. وذلك مع تأكيد ان المجتمع الدولي ومجلس الامن سيواصلان تحمل مسؤولياتهما إزاء النزاعات كما التنمية والمساعدات في القارة. وجاءت الرسالة الفرنسية لتؤكد دور باريس الشريك المساعد لدول القارة وذلك على عكس الدور الذي عرضته واشنطن خلال جولة الرئيس بيل كلينتون الافريقية في آذار مارس الماضي عندما تحدث عن معادلة "التجارة والاستثمار بدل المساعدات". كذلك لم تعرض فرنسا في القمة أي مشروع لأحلاف أو تكتلات في القارة، الامر الذي عزز ثقة الأفارقة بالدور الفرنسي، في حين انفرط الحلف الذي حاول كلينتون تركيبه خلال القمة التي عقدها في كمبالا في الجولة الافريقية نفسها وحضرها نحو 12 رئيساً افريقياً. إذ بعد أشهر قليلة على تلك القمة، اندلعت الحرب في الكونغو الديموقراطية وظهر الخلاف بينها وبين أعضاء الحلف الذي لم يأتلف اوغندا ورواندا، في حين اندلع نزاع حدودي بين طرفي الحلف الآخرين في الجانب الشرقي من القارة اريتريا واثيوبيا. المهم الآن ان تواصل فرنسا دورها الذي وعدت به كشريك في القارة، وذلك أمر يظهر في تفعيل هذا الدور والتحرك في إطار الوعود والقرارات التي اتخذتها القمة الاخيرة، خصوصاً في ما يتعلق بالحرب المندلعة في جمهورية الكونغو الديموقراطية.