بعد جولة استغرقت 6 أيام فى ربوع افريقيا و كانت هى الاطول التى يقضيها الرئيس الامريكى جورج بوش خارج امريكا خلال هذا العام و زار خلالها كلا من السنغال, وجنوب افريقيا, وبوتسوانا, واوغندا ونيجيريا،وتعد الجولة الاولي التي يقوم بها الرئيس بوش الي القارة الافريقية منذ توليه السلطة ويسعي بوش من خلال هذه الجولة الى تأكيد ان مشاكل وقضايا القارة السمراء تندرج ضمن اولويات ادارته. ويدفع في الوقت نفسه عن حكومته, الاتهامات باهمال العلاقات الامريكية الافريقية, خاصة عند المقارنة مع توجهات حكومة سلفه بيل كلينتون التي اولت اهتماما خاصا لمشاكل الدول الافريقية. ورغم ان بوش يتوجه الى افريقيا ومعه خطة لمكافحة مرض الايدز بقيمة15 مليار دولار ومساعدات بملايين الدولارات للاسهام في مكافحة الانشطة الارهابية في المنطقة, الا ان محللين سياسيين يرون في جولته, محاولة جديدة لكسب مصادر نفطية وانشاء مواقع للقوات الامريكية وكانت مصادر صحفية قد كشفت عن مساعي وزارة الدفاع الامريكية البنتاجون الى زيادة حجم الوجود العسكري الامريكي في افريقيا بهدف مكافحة الارهاب. وتأتي هذه الجولة وسط تفاقم الازمة الداخلية في ليبيريا واستمرار الجدل حول طبيعة الدور الذي يفترض ان تضطلع به الولايات المتحدة لانهاء القتال بين فصائل المتمردين والقوات الحكومية الموالية للرئيس تشارلز تايلور.. وتعرضت الادارة الامريكية الي انتقادات شديدة بسبب موقفها المتردد من التدخل في حل الازمة الليبيرية, خاصة بشأن ارسال قوات حفظ سلام امريكية لمونروفيا .وقد وصف الكثيرون جولة بوش الافريقية علي انها مجرد جزء من حملة الدعاية الانتخابية, خاصة ان برنامج الجولة قد تحددت تفاصيلة علي غرار الحملات الانتخابية بحيث تعكس كل محطة في زيارة بوش، رافدا مهما من روافد السياسة الامريكية في افريقيا. وكانت قد سبقت الجولة التنازلات والاستثناءات فقبل يومين من بدء الرئيس الامريكي جورج بوش جولته الافريقية لم يقتصر الامر على مطالب وارتفاع الاصوات المتشددة بضرورة تدخل امريكي حصراً في ليبيريا لإنهاء الحرب الاهلية هناك بل امتد ليشمل قضايا كانت الى الامس حداً فاصلاً في مواقف الدول عينها التي ينوي بوش زيارتها، وانقلبت بين عشية وضحاها الى ماتبتغيه واشنطن وترومه ليس من افريقيا وحسب وانما كان مطلباً وتهديداً امريكياً لكل من يعارض وهو استثناء الامريكيين من التسليم لمحكمة الجنايات الدولية. واستباقاً لجولة بوش شددت المجموعة الاقتصادية لدول غرب افريقيا اثناء اجتماع في العاصمة الغانية اكرا على ضرورة ان تتولى الولايات المتحدة قيادة قوة الفصل التي تسعى هذه الهيئة الاقليمية لنشرها في ليبيريا. وفي شأن افريقي آخر ذي صلة بجولة بوش لكنه استبقها وقّعت السنغال التي بدأ الرئيس الامريكي فيه جولته اتفاقات تقضي بعدم تسليم رعايا امريكيين متة مين بارتكاب جرائم حرب الى المحكمة الجنائية الدولية وعبّرت منظمتان للدفاع عن حقوق الانسان في داكار عن اسفهما العميق على موافقة الحكومة السنغالية على استثناء الرعايا الامريكيين المتهمين بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية وعمليات ابادة ومجازر من التسليم للمحكمة الجنائية الدولية. وكانت الصحف قد نقلت عن مذكرة تفاهم امريكية قولها: ان السنغال والجابون وغامبيا وسيراليون وطاجيكستان وقّعت اتفاقات ثنائية تستثني الامريكيين من المثول امام المحكمة الدولية. واعترفت الدول الاربع الاخرى المذكورة بالفعل بتوقيع الاتفاقات واحجم مستشار قانوني للرئاسة في السنغال عن التعليق. واعلنت الولايات المتحدة قبل ايام عن قطعها المساعدات العسكرية عن 35 دولة بسبب تأييدها لمحكمة الجنايات الدولية وعدم استثنائا الرعايا الامريكيين من احتمال تسليمهم غير ان السنغال ليست مدرجة بين هذه الدول. وانشئت المحكمة الجنائية الدولية العام الماضي لمحاكمة المتهمين بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية، وهي اول محكمة عالمية من هذا النوع. الادارة الامريكية بررت الزيارة بتبريرات بعيدة عن الهدف منها فقد نفى الرئيس الامريكي جورج بوش ان يكون اهتمامة فجأة بافريقيا فقط بسبب جولته وقال: انه منذ بداية ادارتة كان مهتما جدا بالقضايا الافريقية وراغبا في اجراء تغييرات جوهرية في افريقيا بفضل المساعدة الامريكية. واضاف الرئيس الاميركي: ان برنامج المساعدات للالفية الذي اقترحة على الكونغرس في فبراير الماضى الذي يواصل تقديم المساعدات المشروطة التي قدمها الرئيس السابق بيل كلينتون سيكون له اثر ايجابي جدا على حياة الافارقة وكما هو برنامج ال15 مليار دولار لمحاربة مرض الايدز. الا ان المراقبين والمحللين السياسيين اكدوا ان الجيش الأمريكي يريد تعزيز وجودة في افريقيا التي يرى أنها تشكل ملاجئ محتملة لمجموعات إرهابية. وان وزارة الدفاع الأمريكية " البنتاغون تريد تعزيز علاقاتها مع حلفاء كالمغرب وتونس والوصول على المدى الطويل الى قواعد في مالي والجزائر وابرام اتفاقيات مع السنغال وأوغندا لتزويد طائراتها بالوقود. وهذا ما اكده الجنرال جيمس جونز رئيس القيادة الأوروبية في هيئة الأركان الأمريكية المكلف قسماً كبيراً من القارة الافريقية بقوله : إن افريقيا تشكل - كما تظهر ذلك الأحداث الأخيرة- مشكلة ملحة. وأضاف: لخوض الحرب على الإرهاب، يجب علينا أن نتوجه الى حيث يوجد الإرهابيون. ولدينا أدلة تمهيدية على الأقل، تظهر أن مناطق خارجة عن أي مراقبة وسيطرة حكومية "في افريقيا"، قد تتحول الى ملاجئ محتملة للقيام بهذا النوع من النشاطات. و أن البنتاغون لايسعى للحصول على قواعد دائمة في افريقيا ولكنة يريد أن تتمكن قواتة من زيادة تنقلاتها بين أوروبا وافريقيا. واشار المحللون الى انه لايمكن نسيان موضوع النفط لاسيما أن الرئيس زار الدول المنتجة للنفط مثل نيجيريا وأوغندا. وهنا تجدر الاشارة الى أن القارة الافريقية تغطي خمسة وعشرين بالمائة من كميات النفط التي تستوردها الولايات المتحدة. ويرى المراقبون ان موضوعي مكافحة الارهاب والنفط شكلا البندين الأساسيين في أجندة الرئيس الأمريكي. فالولايات المتحدة ترى أن تفجير سفارتيها في كينيا وتنزانيا بمثابة 11 أيلول مصغر وتعدّّ وسط وشرقي القارة أرضاً خصبة لنشاط تنظيم القاعدة. أما موضوع النفط فقد ازدادت أهميتة في ضوء الوضع الناشئ في العراق. فقد كانت الولايات المتحدة تحلم بان تتمكن وبسرعة كبيرة من احكام سيطرتها على نفط العراق استخراجاً وتسويقاً. ولكن حساب الحقل لم يتطابق مع حساب البيدر. حيث استطاعت هجمات المقاومة العراقية ان توجة ضرباتها الى خطوط النفط وأدت ضرباتها اليومية المتلاحقة الان الى إحداث وضع أمني لم يحسب له حساب زرع القلق والخوف في أوساط المستثمرين والشركات الطامعة بالنفط العراقي. ويرى المراقبون- في ضوء مايجري في العراق- ان الوضع الأمني مرجح لمزيد من التوتر لا العكس، الأمر الذي دفع الادارة الأمريكية الى البحث عن مصادر جديدة للنفط ومن هنا يرى المراقبون ان موضوع النفط تصدر الموضوعات الأخرى المدرجة على جدول اعمال زيارة الرئيس بوش. وتزداد أهمية النفط الافريقي في ضوء الخلاف الكبير بين الولايات المتحدة وجارتها فنزويلا وكذلك في ضوء نزوع روسيا لفتح مجالات أكبر وأوسع للتعاون مع أوروبا. فروسيا كما هو معروف تعد المنتج الأول في العالم حيث يصل انتاجها الى ثمانية ملايين برميل في اليوم. وبعد الخلاف الروسي الأوروبي مع الولايات المتحدة بشأن الحرب على العراق وسعي أوروبا لكسب بعض الاستقلالية عن الهيمنة الأميركية اتسعت اكثر مجالات التعاون والتكامل بين روسيا وأوروبا.. ومن الواضح أن أوروبا ترى في النفط الروسي سندا لها في مواجهة الهيمنة الأمريكية على مصادر الطاقة العالمية. ولكن إذا توخينا الحقيقة نجد أن كل ماورد يطفو على السطح ولا يعكس جوهر الحقيقة. نعم.. إن الرئيس بوش تناول خلال جولته كل الموضوعات الآنفة الذكر ولكن الجولة في جوهرها تدخل في اطار الصراع الأمريكي- الأوروبي وبشكل خاص الفرنسي على القارة الافريقية. هنا نذكر أن الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون زار افريقيا قبيل انتهاء ولايته الثانية وزيارته جاءت بعد ضرب النفوذ الفرنسي في الكونغو وفي رواندا ومنطقة البحيرات العظمى. الفرنسيون يعترفون بهذه الحقيقة ويحمّلون رئيس الوزراء السابق ليونيد جوسبان المسؤولية فقد كانت سياسة جوسبان حيال افريقيا تقوم على مبدأ: لاتدخّل ولا تجاهل. ولكن وبعد الانتخابات الفرنسية الأخيرة وسقوط الحزب الاشتراكي وصيغة حكومة الرأسين، عمل الرئيس شيراك على تعزيز دور فرنسا في افريقيا. وفي ضوء هذه الرؤية الجديدة عقدت في نهاية شهر فبراير من العام الحالي القمة الفرنسية - الافريقية في باريس، القمة تناولت مسألة المشاركة السياسية والتنموية بين الدول المشاركة في القمة لمواجهة المخاطر الكبرى في العالم. وقد حرص شيراك على اعادة القارة الافريقية الى صلب الاهتمام والأولويات الفرنسية بعد أن أدرك أن سياسة بلادة السابقة في عهد جوسبان قد ألحقت بالمصالح والنفوذ الفرنسية خسائر كبيرة. وللوصول الى هذا الهدف اقترح شيراك التخلي عن سياسة المساعدات والعمل وفق سياسة المشاركة في حل المشكلات الافريقية الاقتصادية والأمنية. القمة الفرنسية - الافريقية تزامنت مع رفع وتيرة التهديدات الأمريكية للعراق والتحضير لشن حرب عليه كانت الولايات المتحدة تسعى للحصول على قرار من مجلس الأمن يخولها شن الحرب وبذلت جهوداً كبيرة وقدمت اغراءات أكبر لكسب تأييد كل من غينيا والكاميرون وانجولا الدول الأعضاء غير الدائمين في مجلس الأمن الدولي. وقد استطاعت الدبلوماسية الفرنسية حشد الدعم الافريقي لموقفها المناهض للحرب ولكن السؤال الذي يطرح نفسه: هل تقدر فرنسا ومعها أوروبا الوقوف في وجهة النزوع الأمريكي للهيمنة على القارة السمراء؟ من يعرف بعض الحقيقة الافريقية يدرك ان لاطاقة لفرنسا في التصدي لها. الصراعات والنزاعات العرقية الدموية المسلحة تعصف ب26 دولة. عدد سكانها يزيد على نصف سكان القارة. ديون افريقيا تزيد على 370 مليار دولار أي 65% من اجمالي الدخل القومي. والدول الافريقية عاجزة عن تغطية نفقات فوائد هذه الديون 80% من المصابين بالايدز في العالم أفارقة وقد بلغ عددهم 36 مليوناً وفي القارة 30 مليوناً يعانون الجوع واستناداً الى تقرير منظمة الأغذية والزراعة فإن 196 مليوناً يعانون سوء التغذية وسيصل هذا الرقم في نهاية هذا العقد أي عام 2010 الى 300 مليون. هذه بعض ملامح وجه الحقيقة الافريقية فهل تقدم الدول الغنية على سبيل المثال على الغاء الديون عن دول القارة كخطوة أولى على الطريق الصحيح للخروج من هذا الوضع الكارثي؟. جرى الحديث كثيراً عن ذلك ولكن من دون جدوى. فافريقيا يجب أن تبقى على وضعها الراهن لتكون مطواعة اكثر أمام الهيمنة الجارفة وأمام الاملاءات المتلاحقة والصراع الأمريكي - الأوروبي في القارة سيزيد من تفاقم الوضع مهما كانت شعاراته. من يقرأ بهدوء نتائج هذا الصراع خلال العقدين الماضيين حيث تراجع النفوذ الفرنسي والآفاق المفتوحة أمام الدور الأمريكي في الجنوب السوداني الغني بالنفط وفي الكونغو الغني بالمعادن الثمينة يدرك أن بوش يكمل ما بدأه سلفة كلينتون وأن الولايات المتحدة لن تترك لا العنبر الافريقي ولا السوق الافريقية لغيرها.