حين تفكك الاتحاد السوفييتي نشط الغرب في حفز دول العالم الثالث على الأخذ بمبدأ السوق والاتجاه إلى السياسات الاقتصادية التي تعتمد على المشروعات الخاصة بدلاً من المشروعات التي تركن إلى الادارة الحكومية. ومنذ ذلك الوقت ارتفع شعار التخصيص او الخصخصة، ونشبت معركة حامية الوطيس بين مؤيد ومعارض، واصبح هذا الشعار هو الزاد اليومي لوسائل الإعلام في كل الدول التي فرحت بترديده والأخذ والرد حوله! ونحن في العالم العربي كان لنا النصيب الأوفر من هذا الشعار، لقد فرحنا به أيما فرح، ورأينا فيه الأمل الكبير والشر الخطير في ذات الوقت. وفي غمضة عين أصبح التخصيص مثل الاشتراكية والقومية والحداثة والصحوة والتنمية، شيئاً جديداً ولكل جديد حلاوة وطلاوة، فكل يريد أن يفهم حكايته ويتحدث عنه، ويدعي نسبه وادراك مقاصده ومراميه. باختصار، لقد حلت بنا حفلة اسمها الخصخصة، ويا لها من حفلة لقد فاقت حفلة، الأصالة والمعاصرة. في البداية اختلفنا حول الاسم هل هو تخصيص أم خصخصة، وفي هذه الفقرة أتيحت الفرصة لأهل اللغة والترجمة، وحين شبع هؤلاء من اللطم والأخذ والرد بدأت فقرة المثقفين الشموليين القادرين على الحديث في كل المواضيع وفي جميع المناسبات، وعند هؤلاء طالت المسألة لأنهم أدخلوها في متاهات لا يعلمها إلا الله ولا يفهمها إلا أهل الاقتصاد والراسخون في الفلسفة. الشاهد أن الحكاية وصلت إلى مستقبل الأدب والشعر والقصيدة العامودية والنثرية "هذه لا علاقة لها بكبسة الرز النثرية"، ثم انتقل الحوار إلى الشرعية وسيطرة رأس المال، والسيادة الوطنية، والأيديولوجية والادلجة والديماغوجية والانتهازية الشوفينية والنفعية البرتقالية والحلاوة الطحينية إلى آخر هذه المصطلحات. كل هذا جرى ويجري ولسان حال رجال الأعمال يقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، ما دخل حمد بأم حميد، ومن قال إننا نريد أن نفعل كل هذا، المسألة ببساطة أننا نريد أن نخفف من البيروقراطية الحكومية، ونجعل كل الخدمات والسلع تباع في السوق دون اختام وتواقيع ومستخلصات ورشاوي، لكن احداً لم يسمع. نحن قوم مولعون بالشعارات، نحبها ونموت باقتناصها وتعريبها. والنتيجة من كل هذه الحفلة أن الحكومات العربية بدأت بالتخلص من الشركات شبه المفلسة تحت شعار التخصيص، وقبل أن نفيق من هذه الصدمة خرج علينا شعار جديد اسمه الاندماج رغم أن أوضاعنا الاقتصادية "مدموجة" ولا ينقصها مزيد من "الدبج"