اعتبر خبراء في مجموعة البنك الدولي ان الدول العربية ومنطقة "مينا" ستحقق بطئاً في النمو الاقتصادي سنتي 1998 و1999 متأثرة بتراجع أسعار النفط وانخفاض حجم الصادرات وتراجع الاستثمارات الاجنبية وتقلص الاحتياطات النقدية، لكن سيكون بوسع المنطقة استعادة عافيتها الاقتصادية مطلع القرن المقبل وبعد تحسن وضع الاقتصاد العالمي. لكن نسبة النمو المتوقعة في المنطقة نحو 3.7 في المئة في المتوسط ستكون أفضل من مثيلتها في دول شرق أوروبا واميركا اللاتينية وروسيا وأقل من معدلات النمو في شرق آسيا خصوصاً الصين ودول جنوب الصحراء وأعلى قليلاً من دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة واليابان. ويقول خبراء "ان الدول العربية المعتمدة على ايرادات النفط ستكون أكثر تأثراً بالوضع الدولي من غيرها المعتمدة على تنوع المداخيل، وسينعكس التراجع على وضع الموازنات المرشح ان تشهد عجوزات اضافية في منطقة "مينا" بفعل استمرار الحاجة الى الانفاق وتمويل البرامج الحكومية". ويتوقع الخبراء في ندوة عقدت الاسبوع الماضي في القاهرة ان تلجأ دول المنطقة الى الاقتراض داخلياً وخارجياً لمجابهة النقص الحاد في الايرادات، ما سيزيد في حجم ديون المنطقة على المدى القصير كما ترتفع قيمة الديون الى حجم الصادرات الى نحو 210 في المئة قبل ان تعود الى التراجع في النصف الثاني من العقد المقبل الى نسبة 160 في المئة. ويشير خبراء البنك الدولي الى ان تراجع عائدات النفط نتيجة انهيار الاسعار لن ينعكس فقط على الدول العربية المصدرة لكن ايضاً على الدول المجاورة التي ظلت تستفيد من تحويلات العمالة وحجم المساعدات والمساندة المالية الكبيرة التي قدمتها الدول المصدرة للطاقة. ولن يكون بوسع النمو البطيء ان يستجيب لحاجة التنمية وفرص العمل لدى الشباب ما يزيد من حجم البطالة في هذه الدول التي تعرف أعلى نسبة تراوح بين 13 و30 في المئة. ويعتقد الخبراء في المقابل انه على رغم الصعوبات تملك المنطقة فرصة لدخول القرن الواحد والعشرين بامكانات جيدة لتحقيق زيادات كبيرة في الازدهار الوطني والرفاهية الفردية لمواطنيها لأن آفاق النمو الاقتصادي مدفوعة بالقوى الديناميكية المتمثلة في تحرير التجارة وعولمة الانتاج والخدمات، تبدو مشرقة وتتيح فرصاً لم يسبق لها مثيل للدول التي تعقد العزم على بذل جهود حازمة لاغتنامها. ويعتبر البنك الدولي ان الاصلاحات الاقتصادية التي بوشرت في كل من المغرب وتونس والأردن ومصر وحديثاً في الجزائر واليمن لتثبيت الاقتصاد الكلي واعادة الهيكلة، بدأت في حالات عدة تعطي بعض النتائج ولو كانت غير كافية لمعالجة الفقر والتنمية والبطالة والفوارق. ويجمع خبراء البنك على ان جزءاً من موارد المنطقة يصرف على مجهودات عسكرية وانه لو كللت عملية السلام في الشرق الأوسط بالنجاح فإنها تتيح لدول المنطقة فرصة لاعادة تركيز أولوياتها، بالابتعاد عن المواجهات السياسية والعسكرية والتوجه الى التنمية الاقتصادية والاجتماعية ويمكن ان تساهم في استعادة تدفق الاستثمارات الخاصة مع انحسار تدرجي في تصورات المخاطر السياسية في المنطقة. وتؤثر هذه الحال ليس فقط في نفقات الموارد العامة الموجهة للانفاق على التسلح بل كذلك في مخاوف المستثمرين وتصنيف مينا على اساس "مخاطر متوسطة الى عالية". ويعتقد مصدر في "مؤسسة مينا" المتهمة بضمان الاستثمار في الدول النامية ان الهاجس الأمني والعنف يحرمان المنطقة من فرص توسع تدفقات الاستثمارات الاجنبية على رغم ان عائد الربح يظل كبيراً قياساً الى مناطق اخرى. ويتقاسم هذا الرأي خبراء يعتقدون ان البورصات العربية حققت عائدات ربحية مهمة على رغم تراجع الايرادات وانهيار البورصات الناشئة. وظل مستوى مؤشر البورصات العربية أعلى من معظم الاسواق الناشئة على رغم تراجعها. غير ان انغلاق تلك البورصات من جهة وقلة المراقبة المالية وضعف القوانين تحرمها من الاستفادة من الفرص المتاحة لتدفق الاستثمارات في وقت تفوق أرباح الاسهم في بورصات عربية مثل المغرب وعمان نسبة 20 في المئة، وتمثل السعودية أوسع سوق مالية في المنطقة وتتمتع شركاتها بأعلى نسبة راسملة. ومع الإقرار بأن الشرق الأوسط وشمال افريقيا سيشهدان فترات صعبة وعصيبة في السنوات القليلة المقبلة نتيجة تراجع المداخيل، الا ان وضعية القطاع الخاص الجيدة في المنطقة ستحد من تداعيات الأزمة بحيث يحل القطاع الخاص تدريجاً محل الدولة في مجالات عدة، وهي قطاعات واعدة مثل الاتصالات والمواصلات والكهرباء والبنى التحتية والخدمات وغيرها. وتختلف الصعوبات الاقتصادية من بلد لآخر حسب نوعية وحجم القطاع الخاص. فمن جهة تستفيد الدول المنفتحة اقتصادياً وتجارياً والمنضبطة مالياً من منافع العولمة، وتواجه دول اخرى تركة نموذج التخطيط المركزي الذي ساد في الماضي واعطى أفضلية للاستثمار العام والمؤسسات المملوكة للدولة على حساب مبادرات القطاع الخاص، كما ان ضغوط التنمية والنمو السكاني السريع والتحضر غير المتجانس تولد صعوبات باهظة الكلفة وتؤدي الى تدهور الموارد الطبيعية. لذلك يقول البنك الدولي ان معدلات النمو لن تكون متشابهة في كل المنطقة على رغم انها ستكون ضعيفة قياساً لما حققته في النصف الأول من التسعينات، وهي قد تنخفض الى نحو اثنين في المئة وقد ترتفع الى قرابة خمسة في المئة حسب الحالات والقدرة على التأقلم مع المستجدات وتنويع مصادر الدخل. وتبدو منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا في مفترق طرق من وجهة نظر المؤسسات المالية الدولية وهي مرتبطة بأوضاع داخلية اكثر منها متأثرة بمضاعفات الأزمة العالمية. ولذلك يتوقف النمو السريع على ثلاثة عوامل اساسية: 1- المحافظة على الاستقرار الكلي للتوازنات المالية والماكرو اقتصادية الذي تحققه بصورة متزايدة معظم بلدان المنطقة. 2- تعميق حجم التجارة والاسراع في خطى الاندماج في الاقتصاد الدولي وتشجيع الصادرات غير النفطية القادرة على المنافسة، بما في ذلك تطوير التجارة العربية البينية لتنتقل من 10 الى 20 في المئة بعد عقد. 3- تنفيذ مزيد من الاصلاحات الداخلية ومنها الادارة ونظام الضرائب واعطاء الأولوية للقطاع الخاص باعتباره محرك النمو، ومواصلة برامج التخصيص وتحرير القطاعات المالية واسواق المال وتبسيط الاجراءات أمام المستثمرين واعتماد الإجراءات الوقائية والمعايير الضرورية للانتاج والجودة. ويقول البنك الدولي انه على رغم ان "مينا" تبقى أقل فقراً من غيرها من المناطق النامية بوسعها القضاء شبه نهائياً على الفقر المدقع بحلول السنة 2010 تاريخ دخول المنطقة التجارية الحرة حيز التنفيذ بين العرب والاتحاد الأوروبي وبين العرب وبعضهم البعض. ولأجل ذلك تحتاج "مينا" الى نمو في متوسط الدخل الفردي لا يقل عن 2.5 في المئة سنوياً على ان يرافق ذلك تحسن في نوعية التعليم الاساسي وربط التكوين بسوق العمل وتوسيع الرعاية الاجتماعية، وتراجع دور الدولة في قطاعات الانتاج والخدمات ونواحي الاقتصاد مع ابقاء دورها الاجتماعي التنظيمي المراقب. ويعتقد البنك الدولي في تلخيصه لمستقبل المنطقة اقتصادياً ان تنفيذ هذه البرامج وجني ثمار العولمة سيتطلب التزاماً قوياً ومستمراً من جانب الحكومات بما في ذلك الجوانب المرتبطة بحقوق الانسان وتوازن توزيع العائدات الوطنية وتشجيع تحقيق النمو السريع القابل للاستمرار الذي يتقاسمه الجميع