فقد الشيشانيون مئة ألف قتيل خلال الحرب التي دمرت المدن وعطلت الاقتصاد وتركت ندباً في النفوس. وهم اليوم يواجهون مصيبة أكبر، وقد يخسرون تعاطف العالم مع قضيتهم، مبددين بذلك الثروة المعنوية التي كسبوها بدمائهم. وأياً تكن نتائج التحقيق في قضية البريطانيين الثلاثة والمواطن النيوزيلندي، فإن رؤوسهم المقطوعة ستظل سوطاً يجلد ضمير الشيشانيين قبل غيرهم. وقد تظهر دلائل على أن القتلى الذين خطفوا قبل شهرين كانوا يتجسسون لجهات اجنبية، ذكر ان بينها بريطانيا واسرائيل والولايات المتحدة، كما قد تساق براهين على تورط مجموعات مناوئة للحكومة الشيشانية في الجريمة. لكن الواقع ان الرئيس اصلان مسخادوف لم يتمكن حتى الآن من ضبط الأوضاع داخل الجمهورية ووقف احتجاز رهائن، والتصدي فعلاً لموجة الاجرام العاتية. والشيشانيون الذين أبدوا بسالة أثناء الحرب الأخيرة، بل طيلة تاريخهم، معروفون بتقاليدهم الجبلية التي لم يكن بينها قطع الرقاب وفصل الرأس عن الجسد. الانفلات الأمني ظاهرة لا يحتكرها القوقاز، بل هي من افرازات "الاصلاح" الكارثي في عموم روسيا، واضيفت اليها أثمان الحرب التي بدأت بعرض رؤوس حُمل الرئيس الشيشاني السابق جوهر دودايف وأنصاره مسؤولية قطعها، واستغل الاعلام الروسي تلك الواقعة لزج القوات الفيديرالية بهدف "حفظ النظام الدستوري". وبعد توقيع اتفاق السلام لم يتأمن العمل لشعب كان مسلحاً بأكمله تقريباً، ولا يخلو بيت شيشاني من رشاش وبضعة مسدسات. غدا ذلك لغماً موقوتاً يهدد بالانفجار، وزاد في الطين بلة امتناع موسكو عن تحويل الأموال التي وافقت على دفعها لاعمار ما دمرته طائراتها ودباباتها. والرئيس مسخادوف لم يبرهن انه المركز الفعلي الوحيد للقرار. وكان تحالف عدد من القادة الميدانيين المعروفين مثل شامل باسايف وسلمان رادويف ضد السلطة الرسمية ناقوس خطر وتحذيراً لرئيس الجمهورية. ولم ينقذ مسخادوف أي من تهديداته ب "استئصال" الجريمة ووقف خطف الرهائن، بل ان الجهات الأمنية أمرت باعتقال دودايف واعلنت انها تبحث عنه، فيما كان يستعرض انصاره المسلحين وسط غروزني ويدلي بتصريحات. كانت غريزة البقاء المتأصلة في صورة خاصة لدى الشعوب الصغيرة، منعت الاحتراب الشيشاني - الشيشاني، وواضح ان الأطراف المتنازعة سياسياً لم تحتكم حتى الآن الى السلاح. لكن اخفاق الشيشانيين في التوصل الى صيغة تضمن استتباب الأمن الفعلي، يجعل هذه الجمهورية القوقازية كياناً معزولاً ويحكم على سكانها بموت بطيء، أو اشتباكات دموية أخطر من الحرب مع القوات الفيديرالية