تسلم الرئيس اللبناني الجديد، العماد اميل لحود مهماته في وقت تُقبل المنطقة على تطورات وتعقيدات جديدة، يجعل من الاعتبارات الإقليمية في عملية اختياره ومجيئه، جوهرية بالقياس الى الاعتبارات المحلية. وإذا كانت الاعتبارات المحلية المتعلقة بنظافة الكف والنزاهة وايمانه بتفعيل المؤسسات في عملية بناء الدولة، واراحة المسيحيين المنكفئين والمعترضين ومحاربة الفساد وغيرها تطغى في الساحة اللبنانية على غيرها، فإنها اعتبارات ليست معزولة هي الأخرى عما يحيط بلبنان، فسورية لا تريد للأزمة السياسية - الاقتصادية أن تتصاعد الى حد يحوّل الساحة اللبنانية نقطة ضعف لها بدل أن تكون نقطة قوة. لكن التطورات الإقليمية دلّت أيضاً، الى أن لبنان مرشح لأن يكون "طرفاً ثالثاً" في تغييرات تجري على قدم وساق من حوله، وفي اتفاقات إقليمية، بعضها فوق طاقته وتتعلق بالقوى الإقليمية الكبرى، لكنه مدعو الى مواكبتها. فالظروف شاءت أن يكون لبنان طرفاً ثالثاً غير معلن في اتفاق "واي بلانتيشن". إذ أن البعض يتخوف من أن يشمل الجانب المتعلق بقمع المعارضة الفلسطينية لاتفاقات الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات مع الحكومة الإسرائيلية، تلك القوى المعارضة الموجودة في مخيمات اللاجئين في محيط بيروت وفي جنوبلبنان. وهذا يرتب خطوات على السلطة اللبنانية. والظروف شاءت أن يطالب المسؤولون الأتراك بدورهم بأن يشمل التفتيش عن عناصر حزب العمال الكردستاني، الذي نص عليه الاتفاق التركي - السوري، البقاع اللبناني. وغني عن القول أن لبنان "طرف ثالث" أيضاً، وأساسي، في أي محاولة لفتح المفاوضات على المسار السوري من عملية السلام. وان كان هو طرف بفعل شعار وحدة المسارين السوري واللبناني، فإن هذه الصفة ترتب عليه مواكبة كل ما يتصل بالمناورات والتحضيرات والتمهيدات على هذا الصعيد. فمن عادة اسرائيل أن تستبق أي تفاوض مع سورية بتصعيد ضدها. وجنوبلبنان ميدان رئيسي من ميادين هذا التصعيد. واسرائيل لا تزال تحتفظ بورقة "لبنان أولاً" المسيئة للبنان أولاً. كل ذلك يجعل لبنان ساحة معنية بتغييرات إقليمية، لا يقتصر مداها على القضايا المذكورة بل يتعداها الى ما يحيط بموقع إيران الإقليمي وامتداداته في لبنان.... وإذا كان العماد لحود انتخب رئيساً تحت شعار التغيير، فإن التطورات الخارجية والتبدلات في السياسات، على أبواب مرحلة مفصلية في المنطقة جعلت البعض يربط بين التغيير في لبنان ومحاربة الرئيس الجديد الفساد فيه، وبين المهمة التي تحدث عنها الرئيس السوري حافظ الأسد، لنجله الدكتور بشار حين قال أنه يتولى محاربة الفساد أيضاً. وإذا صحت هذه التوقعات حول التغييرات المرتقبة فإن مهمة العهد الجديد، لا تقف عند حدود التغيير بل تتعداها الى التنبّه لما يمكن أن يجعل البلد الصغير خاضعاً لتفاعلات التبدلات المقبلة في شكل قد لا تحتمله تركيبته السياسية الداخلية المعقدة، إذا أريد له أن يدفع أثماناً لا طاقه له عليها