شهدت بيروت الأسبوع الماضي حدثين يرمزان الى الكثير. كبار المسؤولين اللبنانيين، دشنوا يوم السبت الماضي، في حضور وفد سوري رفيع "جادة حافظ الأسد"، التي تصل العاصمة بمطارها وضاحيتها. وقبله بيومين زار وزير التجارة الأميركية وليام دايلي بيروت وعقد لقاءات مع كبار المسؤولين اللبنانيين، مؤكداً على نية واشنطن دعم المستثمرين الأميركيين وتوظيفاتهم في لبنان. وبقدر ما هو طبيعي تكريس العلاقة اللبنانية السورية في عديد من المجالات وتسمية أحد منجزات البنية التحتية المهمة في العاصمة اللبنانية بإسم الرئيس السوري فإن زيارة دايلي التي هي الأولى من نوعها للبنان تحولت الى تظاهرة سياسية لمصلحة العودة الأميركية الى لبنان. فهو أطلق إشارات سياسية لا لبس فيها حين قال "نحن لم ننس أصدقاءنا القدامى وها قد عدنا". واعتبر ان اتفاق واي بلانتيشن "خلق مناخاً إيجابياً يعول عليه"، وأمل "بالتعاون الإقليمي" اقتصادياً "مع اقترابنا من السلام". والواضح ان واشنطن تسعى الى استعادة دورها ونفوذها في لبنان. وهي إذ تعلن عن هذه الرغبة من بوابة تشجيع المستثمرين الأميركيين على المجيء اليه، فإن حضورها السياسي، منذ أن انكفأت في العام 86 واقفلت سفارتها فيه، في خط بياني تصاعدي أخذ حجماً كبيراً في الأشهر الأخيرة بدءاً من توسيع طاقم السفارة تدريجياً وشراء المزيد من العقارات حولها لزيادة أبنيتها، وصولاً الى ترحيبها الحار بانتخاب العماد اميل لحود رئيساً للجمهورية. وهي تراهن عليه من أجل تحقيق مزيد من المشاركة والإصلاحات والشفافية في النظام اللبناني. هل يعني تصاعد الحضور السياسي الأميركي، تنافساً مع سورية على النفوذ في البلد الصغير، أم بدء صراع عليه، أم أنه تمهيد لاتفاق بين الدولتين على كيفية ادارة الأمور فيه؟ لا شك أن واشنطن اختارت اللحظة الإقليمية المناسبة، للتظاهرة التي قام بها دايلي، عقب اتفاق واي، والانتخابات الرئاسية والاتفاق التركي - السوري، لكنها ليست في وارد الدخول في صراع مع سورية في لبنان، على رغم أنها ترغب في تغيير تدريجي في السياسة السورية، يبدأ من عملية السلام والاتفاق عليه مع اسرائيل، ويمر في لبنان... وهي تختار اللحظات المناسبة التي لا تستفز سورية، من أجل اعطاء حضورها المزيد من الدفع. كما أنها تستمر في الحذر من الأفرقاء اللبنانيين الذين يعطون دورها بعداً معادياً لسورية ويراهنون على أن يكون توسع حجم حضورها رافعة لتقليص نفوذ سورية فيه. ويعتقد البعض، أنه على رغم أن سورية هي التي اختارت دعم العماد لحود لرئاسة الجمهورية وأن لا شراكة من الولاياتالمتحدة في اختياره، فإنه يشكل نقطة تقاطع أميركي - سوري. فالخيارات السورية مبنية على الدوام على مدى خدمتها لمصالح سورية الحيوية. وربما كان اختيار لحود، من جبل لبنان لا من الأطراف، وابن البيت السياسي الماروني صاحب الدور في السياسة اللبنانية الداخلية، هو تحضير للتعاطي مع الكثير من المهمات المنتظرة من الحكم اللبناني مستقبلاً، والتي تتطلب توافقاً لبنانياًسورياً، بدءاً بالتعاطي مع الوضع الجنوبي في حال انسحاب اسرائيلي انتهاء بطمأنة المسيحيين اللبنانيين الى دورهم، عبر شخصية قوية..