ركز وزير الخارحية روبن كوك خطابه امام مؤتمر حزب العمال مطلع الشهر على مستقبل اوروبا. لكنه حرص على ان يخصص قسماً من الخطاب للعلاقات مع ايران. وكان مما قاله عن الموضوع: "احرزنا اختراقاً مهماً في مجال حرية التعبير، اذ حصلنا على اعلان من حكومة ايران عن تخليها عن التهديد المستمر منذ عشر سنوات لحياة سلمان رشدي. ويتيح هذا لسلمان رشدي الخروج من الظلال، كما يعني بالنسبة الى بريطانيا بداية جديدة مع ايران والعالم الاسلامي عموماً. ان من بين التحديات الأهم أمامنا التوصل الى علاقة ايجابية مع العالم الاسلامي ... وأنا أرفض تماماً ان الدين المختلف والثقافة المختلفة للعالم الاسلامي يحتمان علينا خوض صدام حضاري". سبق لي ان التقيت سلمان رشدي قبل سنوات، عندما جاء الى مجلس النواب لمقابلة الاعضاء الذين ابدوا اهتماماً خاصاً بقضيته. وكان يطالب حكومة المحافظين بتشديد الضغط على ايران لرفع الفتوى بقتله، ويرفض في الوقت نفسه التعبير عن الأسف او الاعتراف بأي خطأ. وبدا لي وقتها انه شخص يجمع الغرور البالغ الى حدة الذكاء. علينا في الغرب أن لا نخدع انفسنا. فمؤلف "الآيات الشيطانية" الهندي الأصل وظّف معرفته الواسعة بالفكر والأدب الاسلاميين لإثارة الضجة. وكان يعرف تماماً ما كان يفعل، وكتب "الآيات الشيطانية" بقصد توجيه أعمق إهانة ممكنة للمسلمين. وسعى الى الحد الاقصى من الترويج للكتاب، ونجح في ذلك. انه ليس بطلاً. من جهتها اصبحت الفتوى ضده قضية رئيسية من قضايا حقوق الانسان في بريطانيا والعالم، وشكلت انتهاكاً مرفوضاً لأبسط مبادئ العلاقة بين الدول. اذ لا يمكن التسامح مع تعرض حياة مواطن في بلده الى الخطر لأن شخصاً في بلد آخر اصدر عليه الحكم بالاعدام، من دون استجواب او محاكمة. واستنكرتُ بشدة، كمواطن بريطاني، تحريض سكان دولة اخرى على انتهاك قوانين بلدي وقتل مواطن بريطاني. وأذكر انني اقتبست في مقالة سابقة عن فولتير قوله: "أرفض رأيك لكن أدافع حتى الموت عن حقك في إبدائه". ان وصف "شيطاني" ينطبق على القضية كلها. فقد أدت الى القتل والى اضطرابات دامية في عدد من الدول المسلمة. واضطرت بريطانيا لتأمين الحماية لسلمان رشدي طوال سنين، في عملية كلفت دافع الضرائب ملايين الجنيهات. فوق كل ذلك شكلت القضية العقبة الرئيسية امام تحسن العلاقات مع ايران، ذلك البلد الكبير والمهم، بسكانه الذين يبلغ عددهم 67 مليون نسمة وموقعه الاستراتيجي الحاسم. برزت خلال السنين مؤشرات الى ان حكومة طهران تريد ان تنأى بنفسها عن الفتوى. وجاء المؤشر الأول اثناء رئاسة علي أكبر هاشمي رفسنجاني. لكن المشكلة ان مصدر الفتوى كان الراحل آية الله خميني، وضغط من اجل تنفيذها المرشد الروحي للجمهورية علي خامنئي. اضافة الى ذلك وضعت مؤسسة ايرانية كبيرة مستقلة عن الحكومة جائزة مالية قيمتها ثلاثة ملايين دولار لمن ينفذ الفتوى. كان للاتفاق في نيويورك بين وزيري الخارجية البريطاني والايراني سببان. الأول تمثل بتسلم حكومتين جديدتين للسلطة في كل من البلدين. والثاني ان ايران تمر بأزمة اقتصادية حادة وبحاجة الى التكنولوجيا والمشورة والاستثمار من الغرب. وهي أيضا بحاجة الى اصدقاء بسبب أزمتها المتصاعدة مع أفغانستان، التي قد تؤدي الى حرب بينهما قبل نهاية القرن. المهم ان الفتوى لم تلغَ. بل ان 150 نائباً من أصل 270 في البرلمان الايراني وقعوا على رسالة تؤكد "قدسية" الفتوى. من هنا فإن الخطر على رشدي لا يزال قائماً، لكنه أقل مما كان بعدما اعلنت حكومة طهران تخليها عن الفتوى. ولا شك ان الاعلان لم يصدر الا بعد التشاور مع القيادات المحافظة في ايران. ايران هي الرئيسة الحالية لمنظمة المؤتمر الاسلامي الذي يضم كل الدول المسلمة، فيما ترأس بريطانيا "مجموعة الدول الثماني". وستتبادل طهران ولندن السفراء قريباً. ويبدو ان الدولتين، بعد خلاف عقيم استمر عشر سنوات، ستعودان الى التقارب، في عملية قد تنضم اليها دول اخرى. * سياسي بريطاني، نائب سابق عن المحافظين.