بون، روما، باريس، انقرة - رويترز، أ ف ب - أعلن المستشار الألماني غيرهارد شرودر أمس الجمعة ان بلاده لن تطلب من ايطاليا ان تسلمها زعيم "حزب العمال الكردستاني" عبدالله اوجلان، بل ستعمل على محاكمته أمام "محكمة اوروبية". وحسم هذا الموقف جدلاً استمر أياماً في شأن إمكان طلب بون تسلّم الزعيم الكردي التركي لمحاكمته بتهمة تحريض أنصاره في المانيا على العنف. وفي حين لوحظ ان الأزمة بين تركياوايطاليا التي نشبت بعد رفض الأخيرة طلب الأولى تسليمها أوجلان، خفّت حدتها، أُعلن في أنقرة ان السلطات التركية انتهت من إعداد ملف من 900 صفحة يتضمن الاتهامات الموجّهة الى زعيم "الكردستاني" الذي كرر أمس دعوته الى "حل سياسي" للقضية الكردية. ولعل التطور الأبرز في قضية أوجلان تمثّل امس في المحادثات التي جرت بين المستشار شرودر ورئيس الوزراء الايطالي ماسيمو داليما في بون. وقال شرودر في مؤتمر صحافي بعد اللقاء انه طلب من ايطاليا ان "تتفهم حقيقة وجود جالية كبيرة" من الاتراك والاكراد في المانيا، وانه لهذا السبب "طلبت من رئيس الوزراء الايطالي ان يتفهم اننا لن نقدم طلب تسلم". وأوضح: "إننا الدولة الاوروبية التي تؤوي معظم الاكراد ... غالبيتهم من اللاجئين ... ورعايا اتراك يعيشون هنا. ونحن نحرص على حماية السلام في المانيا". واشار شرودر الي انه اتفق مع داليما على انهما سيعملان فوراً على مثول اوجلان امام محكمة اوروبية. وجددت المحكمة الفيديرالية الالمانية الاسبوع الماضي مذكرة توقيف اوجلان التي اصدرتها في 1990. واعتبر المدعي الفيديرالي الالماني كاي نيهم انه جمع ما فيه الكفاية من الادلة من اجل توجيه الاتهامات الى اوجلان عند اللزوم. وكان اوجلان اعتقل في 12 تشرين الثاني نوفمبر في روما وحددت اقامته قرب العاصمة. ومن المقرر ان تدرس لجنة تابعة لوزارة الداخلية قريباً طلبه اللجوء السياسي. محكمة اوروبية وفي روما، اعتبر رئيس المجلس الدستوري الايطالي السابق جيوفاني كونسو ان اوجلان يمكن ان يحاكم امام محكمة خاصة يقيمها مجلس اوروبا. واوضح وزير العدل السابق فى حديث لصحيفة "لا ستامبا" ان "مجلس اوروبا يستطيع خلال مدة قصيرة وبارادة سياسية انشاء محكمة خاصة للنظر في قضية اوجلان". وقال كونسو الذي يمثل ايطاليا فى مؤتمر روما لانشاء محكمة جنائية دولية ان اوروبا تملك الادوات اللازمة لانشاء محكمة قادرة على محاكمة زعيم حزب العمال الكردستاني. وأضاف: "يكفي ان نطبق الاتفاقية الدولية المتعلقة بالارهاب الموقع فى ستراسبورغ فى 27 كانون الثاني يناير 1977 والتى صدقت عليه ايطاليا فى 26 تشرين الثاني نوفمبر 1985". وذكر بان "اوجلان لا يمكن ان يسلم الى المانيا اذا لم تطالب به"، مشيراً الى ان طلبات التسليم يمكن ان تقدم حتى 23 كانون الاول ديسمبر. ولم يستبعد كونسو احتمال محاكمة اوجلان فى ايطاليا. لكنه أوضح ان ذلك قد يثير مشكلة بالنسبة "الى النظام العام". واشار الى ان الاتفاقية الاوروبي المبرم في 15 ايار مايو 1971 والذي ينص على انه تمكن احالة قضية "حساسة" بالنسبة الى احدى دول مجلس اوروبا على دولة اخرى موقعة على الاتفاق. والدول الموقعة هي النمسا والدانمارك وهولندا واسبانيا والسويد والنروج واستونيا وليتوانيا وجمهورية تشيكيا وسلوفاكيا وتركيا التى قال كونسو انه "لا يمكن اخذها في الاعتبار بسبب تطبيقها عقوبة الاعدام". واوضح ان "كل واحدة من هذه الدول يمكن ان تعلن استعدادها لاستضافة المحكمة" التى ستحاكم اوجلان. وكان وزير العدل الايطالي اوليفييرو ديليبرتو طرح في مقابلة نشرت الجمعة فكرة محاكمة اوجلان في ايطاليا امام "هيئة محلفين دولية كبرى". وقال ديليبرتو لصحيفة "ريبوليكا" ان "ذلك يمكن ان يكون حلا يضمن من جهة الاحترام المطلق لحقوق المتهم ومن جهة اخرى اجراء محاكمة ستكون مناسبة لاوجلان لشرح دوافعه امام الرأي العام العالمي". وفي الإطار نفسه، اعرب وزير الداخلية الالماني اوتو شيلي عن امكان محاكمة اوجلان في ايطاليا او خارجها امام "محكمة دولية". وقال في مقابلة مع صحيفة "لا ريبوبليكا": "اذا كنا كلنا في اوروبا مقتنعين بان اوجلان يجب ان يمثل امام قاض فهناك ثلاثة احتمالات: اما ان يمثل اوجلان امام قاض ايطالي او قاض الماني او امام محكمة دولية". وتابع: "يمكن نظرياً انشاء هذا النوع من المحاكم على غرار المحكمة التي انشئت لمحاكمة مجرمي الحرب في البوسنة اذا كان هناك قرار في هذا الصدد من قبل الاممالمتحدة او حسب اجراءات اخرى. سيكون ذلك حلا مثالياً". وبخصوص مكان المحاكمة، قال شيلي ان المانيا لا تعتزم المطالبة بتسليم اوجلان وانه يمكن اختيار ايطاليا "لان هذه القضية، واقول هذا بكل تحفظ ودون غطرسة، نشأت في ايطاليا". وقال: "في ايطاليا تعالت اصوات من اليسار الى اليمين تعتبر اوجلان بطلا حقيقيا". واضاف "ان اجراء المحاكمة في ايطاليا اقل خطراً من اجرائها في المانيا. لان في ايطاليا عدد قليل من الاكراد واهم من ذلك فان عدد الاتراك اقل بكثير". حل سياسي وفي باريس، اعرب اوجلان عن رغبته بالتوصل الى "سلام ... وحل سياسي للمسألة الكردية". وقال في رسالة تحمل تاريخ الخميس وجهها الى جاك لانغ رئيس لجنة الشؤون الخارجية في الجمعية الوطنية الفرنسية: "نكرر موقفنا السلمي ونطالبكم وجميع المسؤولين السياسيين في فرنسا ... بدعم التوصل الى حل سلمي للمسألة الكردية". وتابع اوجلان الموجود قيد الاقامة الجبرية قرب روما: "نطالب بحل سياسي للمسألة الكردية. وحتى الان أعلنا مراراً وقفاً لاطلاق النار من طرف واحد الا ان تركيا لم تعط أي رد ايجابي على مطلبنا الداعي الى السلام". واعتبر ان "حزب العمال الكردستاني" يقاتل من "اجل الحقوق المشروعة للشعب الكردي المحروم من ابسط حقوقه. في الواقع نحن ضحايا ارهاب دولة". واضاف في رسالته "ان الدولة التركية ... تريد حاليا تأجيج التعصب والعنصرية لدى الشعب التركي ضد الشعب الكردي الاعزل". وكان اوجلان قدم الاربعاء "اقتراحات سلام" من سبع نقاط يدعو فيها الى قيام "حكم ذاتي" في كردستان من "دون المساس بوحدة اراضي تركيا" بحسب ما نقل عنه محاموه الايطاليون. وتأتي رسالة اوجلان الى لانغ في السياق نفسه. وشكر اوجلان لانغ على "موقفه الانساني من اقامته في ايطاليا" وعلى "دعمه للحكومة الايطالية وللمسألة الكردية". وكان لانغ اعرب الاسبوع الماضي عن "دعمه الشخصي" لرئيس الحكومة الايطالية ماسيمو داليما "بمواجهة الضغوط غير المقبولة من قبل الحكومة التركية وبمواجهة شروط واشنطن" بالنسبة الى مسألة اوجلان. تراجع التوتر وفي انقرة، انتهت وزارة العدل التركية من اعداد ملف المطالبة بتسليمها الزعيم الكردي الذي تتهمه فيه خصوصا بالارهاب والاتجار بالمخدرات. ورفع هذا الملف الذي يقع في 900 صحفة امس الجمعة الى وزارة الخارجية التركية التي يجب ان ترسله بدورها الى السلطات الايطالية الاسبوع المقبل على الارجح على ما ذكرت "وكالة انباء الاناضول". ويشمل الملف احكاما سبق واصدرها القضاء التركي في حق اوجلان ووثائق تتعلق بالجرائم المنسوبة الى زعيم "الكردستاني" الذي يشن حركة تمرد مسلحة على انقرة منذ 1984. واوضحت الوكالة ان صورا واشرطة فيديو لهجمات "حزب العمال" الدموية على سكان بلدات الحقت بالملف. ويفيد الملف ان اوجلان "يجب ان يعتبر ارهابياً وليس شخصية سياسية". وشددت الوزارة ايضا على مبادرة الحكومة التركية بالغاء عقوبة الاعدام في تركيا وانها غير مطبقة منذ العام 1984.