انتقد العاهل المغربي الملك الحسن الثاني مظاهر التعصب الديني والنزعة العدوانية للاستئثار بالهيمنة على القدس الشريف لصالح طائفة دينية واحدة. ووصف هذه الهيمنة، في خطاب وجهه امس الى الملتقى الذي تستضيفه اكاديمية المملكة المغربية حول موضوع القدس، في حضور ممثلين عن الاتحاد البرلماني العربي انها "مصدر الأزمات والنكبات التي منيت بها القدس". وقال الملك الحسن الثاني الذي يرأس لجنة القدس المنبثقة عن القمة الاسلامية "ان الاحتلال الاسرائيلي للقدس الشريف يعتبر بداية تحويل التاريخ المشرق لهذه المدينة من فضاء اللقاء الآمن بين الأديان والطوائف الى فضاء مشحون بالتوتر والمنابذة بالعدوان". لكنه نبه الى ضرورة استمرار الحوار وعدم الركون الى اليأس "على رغم ان السياسة الاسرائيلية رهنت حاضر القدس بالتهويد والاستيطان غير المشروع، والاستهتار بالقرارات الدولية، فلا ينبغي لنا كقادة سياسيين ان نيأس من العودة الى الحوار، للوصول الى تحقيق سلام عادل ودائم تلتزمه جميع الأطراف". وأضاف: "ان التاريخ يعلمنا ان كل اشكال الهيمنة والغطرسة واحلال منطق القوة محل منطق العدل والانصاف تظل مهزوزة ومتداعية للزوال، اذ لا يصمد في النهاية أمام متغيرات التاريخ الا ما يقوم على الشرعية، ويجنح الى السلام ويؤثر التعايش بين الطوائف والجماعات على العيش في خنادق المواجهة والصراع". وأوضح الملك الحسن الثاني ان الحفاظ على هوية القدس "قضية محورية" بالنسبة الى العالمين الاسلامي والمسيحي على حد سواء "لأن التهويد الذي يطاول المؤسسات الاسلامية ويمزق اوصال الكيان الاجتماعي الاسلامي يطاول بصورة أخرى الكيان المسيحي". وتحدث عن مظاهر التسامح التي التزمها الاسلام إزاء التعايش بين الديانات قائلاً: "ان المسلمين هم الذين رفعوا الحظر الذي كان مفروضاً من دولة بيزنطية على دخول اليهود الى القدس طوال القرن السابع الميلادي، كما رفعوا الحظر نفسه الذي كان مفروضاً عليهم خلال حكم الصليبيين لبيت المقدس على مدى القرى الحادي عشر الميلادي". وقال ان سلوك المسلمين تجاه أهل الكتاب من نصارى ويهود "ظل سلوكاً واحداً عبر العصور". ورأى ان خير دليل على هذا التسامح هو "بقاء التعددية الدينية في القدس الشريف الذي حكمها المسلمون على مدى 14 قرناً". واستدل على ذلك بالقول: "لو اختار خلفاء المسلمين وامراؤهم منذ البداية خطة كالخطة التي اتبعها فرناندو وايزابيلا في اسبانيا للقضاء على المسلمين نهائياً ومحو أثارهم، أو كالخطة التي اتبعتها دول أوروبية اخرى ضد اليهود في فترات من التاريخ الحديث، لما بقي في بيت المقدس اثر لكنيسة أو بيعة او لساكنة من اليهود والنصارى". ودعا العاهل المغربي في ختام كلمته الى اقتراح السبل الكفيلة باحلال التواصل محل القطيعة والوفاق محل التخالف لاسترجاع الشرعية والتطلع الى الانصاف. وقال: "ان تعايشاً حقيقياً بين ساكنة القدس ونشر ثقافة التسامح والحوار بينهم، بعد تخويل الشعب الفلسطيني كامل حقوقه المشروعة، يكفل لمدينة القدس الشريف مستقبلاً آمناً". ودعا وسائل الاعلام الى التصدي للثقافة العنصرية ولدعوات التطرف الديني "التي يمثل بعض اليهود اشدها شططاً" واحلال "ثقافة الحوار وتصحيح المفاهيم التي يتبعها الاعلام المنحاز لاسرائيل لأن الاعلام في عصرنا أول وسائل النضال والعمل المشروع"