يعتبر يوم السبت من الأيام المقدسة عند اليهود، وترجع أسباب تقديسه عندهم الى عوامل عدة، منها أن الوصية الرابعة من الوصايا العشر دعت إلى تقديس يوم السبت واتخاذه يوماً للراحة والعبادة وعدم ممارسة أي عمل فيه "لأن الرب في ستة أيام خلق السموات والأرض والبحر وجميع ما فيها وفي اليوم السابع استراح، ولذلك "بارك الرب يوم السبت وقدسه" سفر الخروج. كما يأتي تقديس يوم السبت أيضاً من خروج اليهود من مصر في يوم السبت في شهر أبيب، وفي سفر "التثنية" واذكر أنك كنت عبداً في أرض مصر فأخرجك الرب إلهك من هناك بيد قديرة وذراع مبسوطة، ولذلك أمرك إلهك أن تحفظ يوم السبت. وهنا يظهر أن سبب تقديس يوم السبت في سفر "الخروج" هو أن الله استراح فيه بعد خلق العالم، أما في سفر "التثنية" فيرجع التقديس إلى أسباب تتعلق بالشعب اليهودي، هذا كما أن الله سبحانه وتعالى كلم سيدنا موسى على جبل سيناء في يوم السبت وإن كان الحوار بين موسى وربه استمر أربعين يوماً، حسب نصوص التوراه، حيث سلمه الألواح وبها الوصايا العشر. "وكلم الرب موسى قائلا: وأنت فكلم بني إسرائيل، وقل لهم: سبوتي فاحفظوها لأنها علامة بيني وبينكم مدى أجيالكم لتعلموا أني أنا الرب مقدسكم" الخروج. وجاء في مقدمة الوصايا العشر "أنا هو الرب إلهك الذي أخرجك من أرض مصر من بيت العبودية"، ويتكرر هذا كثيراً في سفر التثنية، فتبرير الحفاظ على وصايا الرب كافة هو الاعتراف بالجميل والحفاظ على الولاء له وعبادته لأنه أحسن إليهم. ويؤكد المفسر إبراهام بني عزرا هذا بقوله: "إن الله قد فدانا من بيت العبودية وحيث أنه صنع معنا هذا الجميل فإننا ملزمون بأن نخشى اسمه". وبعد عبور اليهود البحر ودخولهم سيناء مع موسى أنزل الله المن من السماء على اليهود أثناء رحلتهم في سيناء وكانوا يتلقطون خبزهم يوما بيوم، ثم كان في اليوم السادس، إنهم التقطوا خبزاً مضاعفاً، وعندما سألوا سيدنا موسى أخبرهم بأن غداً السبت عطلة، سبت مقدس للرب وأمرهم أن يعدوا طعاماً كافياً لليوم التالي السابع السبت، وحفظوا ما عندهم فلم يفسد "يعطيكم في اليوم السادس خبز يومين، إجلسوا كل واحد في مكانه، فاستراح الشعب في اليوم السابع" الخروج. ويشير سفر التثنية الى بُعد إنساني وهو تمكين الإنسان والحيوان من الراحة بعد ستة أيام من العناء لا تعمل فيه عملاً أنت وإبنك وإبنتك وعبدك وأمتك وثورك وحمارك وسائر بهائمك ونزيلك الذي في داخل أبوابك لكي يستريح عبدك وأمتك مثلك". ويقول شالوم البك في تفسيره لنص الراحة يوم السبت إن القدوس تبارك وتعالى ليس في حاجة الى ستة أيام لكي يخلق عالمه وكان بإمكانه أن يخلقه بكلمة واحدة وفي طرفة عين كما أن الرب ليس في حاجة الى أن يستريح ولا في حاجة لأن يخبرنا بذلك، إن الذي أخبرنا هو موسى لكي نتذكر أننا أحرار والأحرار لا يعبدون الله دون راحة على غرار ما كان الحال عليه في مصر حيث أصبحنا عبيداً لله وليس عبيداً للعبيد. والتوقف عن العمل تشبه بالله القادر على كل شيء. والله أمر بالراحة في اليوم السابع حتى يتعلم الناس كيف يتصرفون مع أنفسهم ويتصرفون مع عبيدهم وبهائمهم بعدل يشبه عدل الرب. وقد فسر الحاخامات الاختلاف بين صيغتي سفري الخروج والتثنية بأن سببه هو تحطيم موسى للَوْحي العهد اللذين تلقاهما من ربه على الجبل في سيناء فلما عاد وأتى بنسخة أخرى كانت الثانية غير مطابقة للأولى. بينما قال آخرون إن هذا الاختلاف هو معجزة محضة، والسفران يتفقان على ضرورة تقديس يوم السبت، ولكن الخروج يرجع التقديس لخلق الله للعالم، وهو حادثة كونية بينما ينص سفر التثنية على خروج بني إسرائيل من أرض مصر وهي حادثة قومية، وهكذا ترتبط الطبيعة بالتاريخ حيث إن أعياد اليهود كلها أعياد دينية تاريخية، وفي الوقت ذاته طبيعية حيث يتداخل النسبي بالمطلق والزمني بالمقدس. ويشير عبدالله الشامي في كتابه "الوصايا العشر" لهذا الاختلاف بأن وجود يوم للراحة في الحياة البدوية التي كان يحياها اليهود في عهد موسى ليس له أي معنى، وإنما الراحة ضرورية في مجتمعات مدنية، ويقول: "إن تحديد هذا اليوم لم يكن أساساًَ من الشريعة اليهودية بل فكرة دخيلة عليها، ويؤيد ذلك ما ورد في سفر أشعيا "رأي الشهر والسبت ونداء الحفل لا أطيقها". ويقول فؤاد حسنين في كتابه "اليهود واليهودية المسيحية" أن الاحتفال بيوم السبت أخذه الإسرائيليون بعد نزوحهم الى أرض كنعان عن البابليين عن طريق الكنعانيين، ففي بابل وآشور كانوا يقدسون اليوم الأول من الشهر القمري ثم اليوم السابع ربع القمر ثم الخامس عشر وكان البابليون يسمون احتفالهم بالهلال باسم "شيتو" وهي تسمية مطابقة تماماً للفظة "شايات" العبرية التي تشير الى اليوم المقدس عند اليهود. ويؤكد الحاخام سلمون ملكاه قداسة السبت في الشعور الظريف بالسعادة "وراحة الضمير وهذا الشعور يدعى قداسة لأنها تقرب الإنسان الى الله والروح شعاع من روح الله"، كما جاء في المزمور 119 "نور الله روح الإنسان". والسبت في الديانة اليهودية هو ملك الأيام فقد ورد ذكره في العهد القديم في ستة وثلاثين موضعاً، "ستة أيام تقوم فيها بأداء عملك أما اليوم السابع فهو سبت للرب إلهك"، وعلى اليهودي أن يعد كل ما يلزمه في هذا اليوم في اليوم السابق وهو الجمعة بحيث لا يضطر لأداء أي عمل كان يوم السبت الذي هو عندهم يوم سلام "شايات شالوم". وقد عدد حكماء التلمود تسعة وثلاثين عملاً من الأعمال المحرمة يوم السبت ويحكم على من يمارسها بالموت، ومنها إيقاد النار والسفر وركوب الدواب قديماً والقطار والسيارة والباخر والطائرة حديثاً وعبور الجداول والأنهار أو الانتقال بحراً وكذا إنفاق النقود أو تسلمها، أي بيع أو شراء أو اكتساب فيه أخذ وعطاء بين الناس ولا يخرج اليهودي المتمسك بتعاليم السبت من بيته قبل أن يتأكد من خلو جيبه من الأوراق والأقلام والنقود والكبريت، ولا يذهب للمعبد إلا ومعه كتاب التوراة فقط، كما يحرم عقد الزواج يوم السبت حيث يستلزم ذلك الكتابة ودفع الأموال وقبضها والإعداد للزفاف، كما تحرم الحرب الهجومية في يوم السبت، لذلك فهم يسمون جميع حروبهم حرباً دفاعية وجيشهم جيش الدفاع. وما ينطبق على اليهود في شأن يوم السبت ينطبق على الغريب الذي يعيش بين ظهرانيهم حيث تنص الوصية على "نزيلك الذي هو في داخل أبوابك". وفي عهد موسى وجدوا رجلاً يحتطب يوم السبت فنادوه الى موسى وهارون فألقي في السجن ثم أمر بقتله رجماً بالحجارة حسب أوامر الرب سفر العدد كما يقول سفر حزقيال "ونجسوا سبوتي فقلت إني أسكب رجزي عليهم في البرية لإفنائهم". وقد وردت إشارة الى قدسية يوم السبت عند اليهود في القرآن الكريم وكيف أن الله سبحانه وتعالى جازى الذين تعدوا حرمة هذا اليوم بالعقاب: "واسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر إذ يعدون في السبت إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرعاً ويوم لا يسبتون لا تأتيهم كذلك نبلوهم بما كانوا يفستون" الأعراف 163. وكان الله يبلو الذين يدنسون حرمة السبت بحرمانهم من الحيتان في حين كان يجعل الحيتان تأتيهم حين يكفون عن العمل وفق ما تأمرهم به الشريعة اليهودية. ويشير القرآن الى أن هذا الصنف من بني إسرائيل قد حلّ بهم عذاب شديد "فلما نسوا ما ذكروا به أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئس ما كانوا يفعلون" الأعراف 165. على أن هناك حالات استثنائية أجازت فيها الشريعة اليهودية بعض الأعمال يوم السبت كالختان في اليوم الثامن من عمر المولود لو كان يوم سبت، والمرض والولادة والإسعاف، وإطفاء الحريق وفي حالة سقوط منزل، كما أن هناك عدداً من التسهيلات التي وافق عليها المجلس الديني الأعلى كحدود الأحواش وحدود الزراعة والطبخ يوم العيد أو السرور نهاية الشهر العبري. وهناك بعض أيام السبت لها قدسية خاصة عند اليهود مثل: 1- السبت الكبير: السابق على عيد الفصح وكذلك السبت السابق لرأس السنة وعيد المظال وعيد الأسابيع. 2- سبت النبوءة: وهو السابق للتاسع من آب أغسطس وفيه يقرأون "نبوءة أشعيا" ولا يلبسون سوى الملابس الداخلية القطنية فقط. 3- سبت التعزية: وهو السبت التالي للتاسع من آب اغسطس ويقرأون فيه الإصحاح الأربعين وسفر أشعيا عزوا عزوا شعبي. 4- سبت التوبة: وهو السبت الذي يبدأ بأيام التوبة العشرة. 5- سبت البركة: وهو الذي يسبق الشهر الجديد وتشارك المرأة في طقوس هذا السبت. وغيرها مثل سبت بداية الشهر وسبت الغناء وسبت الشواقل الضريبة وسبت الذكرى وسبت البقرة الذي يتحدث عن قصة البقرة الحمراء وسبت الشهر الاول من نيسان ابريل أول السنة العبرية، وسبت العروس على اساس ان التوراه عندهم كالعروس. وتقدس اليهود ايضاً ما يسمونه بالسنة السبتية وهى التي تأتي بعد كل ست سنوات وتسمى ايضا سنة التبوير حيث تترك الارض من دون زراعة ولا يقطف الثمر من الاشجار ويترك للفقراء والحيوانات ولإخصاب الارض ويتنازل اليهود عن ديونهم لدى غيرهم بالمساحة والتنازل وهي تسمى سنة العتق YEAR OF RELEASE ويسمح فيها باقراض المال لمن يحتاج لتفريج الكروب وعام العتق يتم اعتاق كل العبيد اليهود ايضا وسيكون عاما 93/94 سنة سبتية وكذا عاما 2000/2001. وهناك ايضا سنة اليوبيل وهي السنة التي تلي سبع سنوات سبتية الخمسون بعد 49 عاما، وتستريح فيها الارض عامين متتاليين. وعلى اليهود ان يستقبلوا يوم السبت بتقليم اظافرهم بطريقة معينة ولا يلقون اظفارهم الى الارض حتى لا يؤذيهم الشيطان بها. واليهودي يتلقى روحاً زائرة في يوم السبت حيث يكون الوحي الروحي وترافقه الملائكة من المعبد الى منزله لذا فهو يقول عند دخوله المنزل السلام عليكم يا ملائكة الرحمة. وهم يستبشرون بليلة السبت لانهم يعتقدون ان النبي إلياهو سيأتي ليلة السبت ومعه البشرى الطيبة بقدوم المسيح وفقا لما جاء في التلمود. والسبت عند الطوائف اليهودية في اميركا مليء باللذات والطعام الفاخر ويدعو الاب فيه لأبنائه ان يباركهم جميعا ويحفظهم في هذا اليوم المقدس. وكان السبت في العصور الوسطى هو لاستعادة ذكريات الآلام والاحزان وكان خاليا من جميع اوجه البهجة الدنيوية. ويمتنع على اليهودي المعاصر يوم السبت اغلاق الابواب بالمفاتيح وقيادة السيارات وشراء الصحف وتحرير الرسائل واستعمال المذياع او التلفزيون واشعال المصابيح الكهربائية ومواقد الغاز او الشموع وهم يستعينون بالعرب في الارض المحتلة لأداء هذه الاعمال وقد تم استثناء الثلاجة منها. ولا تلتزم حوالي 75 في المئة من المستوطنين اليهود الذين هاجروا لفلسطين بقيود السبت بينما يتمسك بها حوالي 25 في المئة اغلبهم من المتدينين الذين يربون الذوائب ويطلقون الذقون وهم يحرمون اقامة مباريات كرة القدم يوم السبت ويقاومون فكرة بناء ستاد في مدينة القدس ويشترطون لاقامة المباريات يوم السبت ان تباع التذاكر يوم الجمعة قبل الغروب. كما يتحايلون على عدم تبوير الارض في السنة السبتية وسنة اليوبيل بعمل عقود بيع صورية للعرب وقد افتى رجال الدين اليهودي بان هذه الطقوس لا تتحقق الا بعودة جميع اليهود من الشتات كما سمحوا لليهود الشرقيين بالهجرة الى اسرائيل يوم السبت. ويقاوم المتشددون اليهود أي عمل يوم السبت ويشتبكون في معارك ويقيمون المظاهرات للاعتداء مع من يخرق حرمة السبت بالبصق في وجوههم ورشقهم بالحجارة ونثر الزجاج في طريقهم بل وعضهم وضربهم وتمزيق ملابسهم. وقد وصل الامر الى ان شكل المتدينون منظمة المنبهون ليوم السبت والمركز الروحاني ثم الحزب الديني القومي لاحقا لمقاومة انتهاك حرمة يوم السبت في الباصات وطائرات العال ودور السينما والمسارح والمطاعم والمصانع وغيرها، وحاولوا اصدار قانون السبت الاساسي الا انه رفض من الكنيسيت وقد سقطت الحكومة الاسرائيلية في 14 كانون الاول ديسمبر 1976 بسبب ضغط المتشددين فقرروا حجب الثقة عن الحكومة مما ادى الى اسقاطها. ولا يعترف المتدينون اليهود بالتوقيت الصيفي لانه في نظرهم تحايل على موعد بدء يوم السبت وتسعى الحكومة الاسرائيلية لعدم استفزازهم ويتجلى ذلك بوضوح في حركة الطيران والاذاعة. وعندما جاء السيد المسيح رفض الاعتراف بقدسية يوم السبت وقال "السبت جُعل لأجل الانسان، لا الإنسان مؤجل السبت" وقال "من منكم يسقط حماره أو ثوره في بئر ولا ينشله حالا في يوم السبت؟ فلم يقدروا ان يجيبوه عن ذلك" لوقا. وقد غيرت المسيحية يوم السبت كيوم مقدس فجعلته الأحد لأنه في يوم الأحد كمل معنى الراحة بالقيامة لأنها دليل على راحة البشرية بالانتصار على الموت. أما في الإسلام فإن القرآن الكريم يقول في قصة الخلق "ولقد خلقنا السموات والارض وما بينهما في ستة ايام وما مسنا من لغوب" كما حث المسلمين على الانتشار في الارض بعد صلاة الجمعة "فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الارض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون". صدق الله العظيم. * كاتب مصري