الكتاب: "البحث عن يوم سابع" المؤلفة: ليلى الأحيدب الناشر: مكتبة مدبولي - القاهرة 1998. احتوت مجموعة "البحث عن يوم سابع" للكاتبة السعودية ليلى الأحيدب على خمس عشرة قصة قصيرة، لم يخضع ترتيبها لتسلسل تواريخ الكتابة، كما هي حال كثير من الأعمال المنشورة. لكنها كتبت بين عامي 1985 و1997. وبقراءة فهرس المجموعة يسكن القارئ انطباع باهتمام الأحيدب بعناوين قصصها لتكون مليئة بالحس والدلالة، وهو اهتمام بالتأني في التعامل مع الكتابة أدى إلى تأخرها في إصدار باكورة أعمالها لسنوات في حين أصدرت كاتبات من جيلها مجموعتين أو أكثر. لكن الحياة الإجتماعية التي تغيب عن محيط الإبداع في أعمال كثير من الكاتبات السعوديات، او انها تظهر بصورة غير ما هي عليه أحياناً ما يقلل من قيمة أعمالهن وصدقيتها، تحضر بقوة في قصص ليلى كأنثى، يشغل فضاء العائلة معظم وقتها حركة، صنم، البحث عن يوم سابع، رنين الموتى.إذ يلمس القارئ بسهولة إخلاصها في التعبير عن قضية المرأة. فكل فكرة امرأة، وكل امرأة فكرة مختلفة عما في القصص الأخرى مشهد سلبي لخطبة فتاة تنتظر الرد بقبولها، هموم المرأة العاملة، الفتاة العاشقة، مشاكل الفتاة مع أفراد العائلة، هموم المبدعة كربة بيت، سوء معاملة الزوج، صور من الحب تختلف باختلاف مراحل العمر، آلام المرأة عند الوحم والولادة، العلاقة بين الخادمة والزوج. هذه القضايا التي تصورها ليلى في قصصها تقليدية ومكررة، لولا تناولها بأسلوب يجدد روح الفكرة، ويساندها تنوع الشخصيات النسائية في القصة ما بين أخت وصديقة وأم وزميلة في العمل أو في الدراسة ومستخدمة. لهذا تتحول اللغة القصصية لدى الأحيدب من مستوى إلى آخر، ويتأتى ذلك في مجموعتها انسجاما مع فكرة القصة ومستويات التفكير بين شخوصها، كالسهولة والبساطة في الحديث عن التفاصيل اليومية التي تدور في فضاء محدود لا يتجاوز محيط البيت. لكن ليس معنى ذلك ابتذال القاصة لغتها القصصية وتحويلها الى أرشيف للحوارات اليومية، بل أن الفكرة هي التي تتحول الى لغة بسيطة لأنها تقوم على منطق بسيط. وفي المقابل تكون اللغة كثيفة عند تناول موضوعات تتعلق بالإبداع والحلم والحب أحياناً. هذا التكيف في لغة المجموعة لتستجيب لطبيعة المضامين لا يعني افتقارها للجرأة التي تتجلى في نبش المسكوت عنه في المضامين المطروقة من جهة، وفي التحليل النفسي والنقدي بأسلوب لا يتلبسه الغموض أو التردد، وينم عن رؤية فلسفية وفكرية مقنعة لقاريء قد لا يتقبل الجرأة الفكرية التي تضمنها بعض القصص من جهة أخرى. يشغل الهم الإبداعي والفكري لدى المرأة الكاتبة مساحة غير قليلة من لغة القص. ومن شدة إلحاحه على مخيلة المؤلفة نراها تكتبه بلغة تقريرية تصل حد التنظير البحت، من ذلك ماجاء في قصة "البحث عن يوم سابع" التي حملت المجموعة اسمها: "عرفت الكلمة، عرفتها جيداً وأردت الإقتراب من قارئي وشارعي وسواليف أمي، أن تثور مع القارىء ضدك، هذه معركتي، أن أقترب منه بشكل يرضيني هذا حلمي!". ويجتمع لدى الأحيدب حس تجريدي وحس تحليلي ناقد. ولأحدهما علاقة بالآخر، فالقاصة تصور شخصية البطل في قصتها كپ"لاشعور" إلى جوار شخصية أخرى هي "الشعور". تحلل اللاشعور، أو تزاوج بين عالمي الحلم والواقع اللذين تبدو معهما الروح أو الذات حائرة بين الألم واللذة كما في قصتي "حركة صنم" و"الحوش". وفي حين نرى بعض الكتاب يتوهم أن هوية العمل المكتوب تأتي من الكتابة باللغة أو اللهجة الشعبية المحكية في منطقته، فينشغل فقط بالبحث عن المفردات العامية وجمعها لا بتصوير الحدث الشعبي كسلوك وواقع يغصان بالمفردات الشعبية، نشير إلى أن الأحيدب - كما في قصة "عباءة" - استطاعت تجاوز السائد من إستغلال المفردة الشعبية إستغلالاً سلبياً، وذلك عند تسجيلها فكرة شعبية سائدة وكتابتها بمفردات فصيحة من اللغة القصصية الحديثة ذاتها. بل ونجحت في تصوير وكشف أكثر الجوانب غموضاً وتخفياً في الإحتفالات الشعبية بالزواج عند بدو نجد حيث الفتاة البدوية لا تلمح شريك حياتها إلا في يوم العرس. وتتلون لغة الأحيدب بلونين في القصة الواحدة ما بين سرد حر على لسان بطل، وبين حوار يتنقل بين شكلين من الضمائرالمتكلم والمخاطب.ومن الطريف في هذا الخصوص الإشارة الى أن جميع الشخصيات في مجموعة البحث عن يوم سابع جاءت بلا أسماء، ووسيلة القاصة للإشارة اليها هي استخدام الضمير هو، هي، أنت، أنا، هم، كاف الخطاب. وهو أسلوب قد يروق للقاريء الذي يحس في الضمير تعميماً يتوحد معه بالشخصية التي تحررت من إطار الإسم. فالضمائر تهيمن حتى على عناوين القصص مثل قصة "الأنت" التي تحضر فيها الضمائر وتتحاور فيما بينها بأشكال عدة. من ناحية أخرى يسطو الزمن على معظم قصص المجموعة خصوصا بداياتها، لكن الزمن في قصص الأحيدب هو عبارة عن وحدات قصيرة يزيد أكبرها عن يوم بينما أغلبها يراوح بين اللحظة والدقيقة أو الساعة. ولهذا الأمر علاقته العكسية من حيث أن الإيحاء بالشعور المشحون بطول الزمن يكون أبلغ إذ ينجم عن تكبير المدد القصيرة المحدودة، بأن تكتسب أبديتها من خلال تأطيرها بالعدد الذي يقبل التكرار والعموم. ولذلك يحضر العدد كثيراً في قصص المجموعة مرتبطاً بزمن ما، وعناوين بعض القصص تؤكد هذه الصلة الوثيقة بين العدد والزمن الزمن الثالث، البحث عن يوم سابع، تفاصيل التاسعة. أما الصمت الذي يشكل مفاصل الجمل في القصص فليس إلا الظرف الذي تحويه المرأة حتى في لحظات ثوراتها، وهو بدوره يحوي الأجزاء الصغيرة الجامدة من زمن فات أوانه أو لم يحن أوانه. هو صمت يجعل اليوم السابع نفسه عمراً متوقعاً في دائرة غير متوقعة، لكنه عمر تقاوم عاديته كل تمرد الكلمات التي لم تكتبها ليلى الأحيدب لأنها لا تزال تبحث عنه داخل جدران البيت المصمتة