مضحك تحذير تركيا العالم من أن "الارهاب" سيهدد كل بقاعه في حال منحت ايطاليا زعيم حزب العمال الكردستاني عبدالله أوجلان اللجوء السياسي، وليس مفاجئاً تعامل واشنطن مع أنقرة كضحية بريئة ل "قاتل" لا بد من معاقبته، فيما أصوات كثيرة ترتفع في أوروبا متعاطفة معه بوصفه "مناضلاً". وما لم تبح به سورية قبل مغادرة "ابو" إلى روسيا، تجرأت عليه ايطاليا، وهي تتمرد على الابتزاز التركي الذي بلغ حد عقوبات اقتصادية لروما والتلويح بقطع العلاقات معها إذا لم تذعن للتركي وهو يهدد ويتوعد يميناً وشمالاً: دمشق التي حشِرت "فجأة" تحت تحالف مهما دافع عن نفسه لا تنقصه الدوافع السيئة، فتراجعت بصمت، وموسكو الأكبر سطوة التي تبرأت من أوجلان ببراعة فرحّلته بعدما تبناه الدوما لاجئاً، لأن ايقاع الصراع مع المد التركي في آسيا الوسطى لا يسمح بإشكال طارئ، وأخيراً روما الديموقراطية التي وجدت نفسها فجأة في أزمة مع شريك في حلف الأطلسي يمارس معها سلوك قطاع الطرق، برعاية أميركية. حال هستيريا تتحكم بأنقرة منذ فجرت أزمة أوجلان، توزع الانذارات على دول كأنها على أبواب حرب. ماذا يفعل لبنان مثلاً، وهو ما زال على القائمة؟ فالسفير التركي في واشنطن يرصد "عن كثب تحركات لعناصر من حزب العمال" في البقاع، أما كيف فلا بد عبر أقمار اصطناعية "ذكية" لأن مقاتلي الحزب لا يملكون مدرعات أو طائرات، ولا وسيلة رصد أخرى سوى اثنتين: معلومات استخباراتية إسرائيلية، أو رجال استخبارات أتراك في لبنان. تتسع حلقات الابتزاز كلما تملكت أنقرة هستيريا الانتصار على "الارهاب"، لتسجل فشلاً تلو الآخر في تضليل العالم وايهامه بعدم وجود مشكلة كردية لديها. وحين تنصحها واشنطن، من باب رفع العتب، بل تجميل سمعة الجنرالات، بتحسين سجل حقوق الإنسان، ترد باعتقال المئات في يوم واحد، كأن كل كردي في تركيا "أوجلان ارهابي". فإذا كانت جريمة هؤلاء التعاطف معه فاستحقوا السجن، لا غرابة أن تخشى روما تسليم زعيم "الكردستاني" وألا تنطلي عليها خدعة التحضير لإلغاء عقوبة الاعدام في ذلك البلد، حيث الدولة تشرّع لنفسها كل وسيلة بذريعة الدفاع عن العلمانية، لكنها في الشارع تؤجج الأحقاد بين قوميتين. أياً يكن مصير أوجلان بعد فرض الإقامة الجبرية عليه في ايطاليا، لن تنجو تركيا من عواقب تحريضها المتطرفين على أكرادها ممن يضخم سحقهم عقدة النقص لدى الرجل المريض الذي يحتجز 11 مليون إنسان في سجن كبير، لا هو قادر على التخلص منهم ولا على منحهم حقوقهم كبشر، لذلك يسلط عليهم دائماً سيف تهمة الخيانة والانفصال. وحيث تفشل تركيا "العلمانية" العاجزة عن الاعتراف بعجز شعاراتها عن معالجة أزمة هويتها التاريخية، تنجح ايطاليا الديموقراطية التي توحدت قيادتها في الدفاع عن حقوق الإنسان كقيمة اخلاقية ذات أولوية على المصالح بين الدول. وبديهي أن أولوية المصالح هي التي تفسر اندفاع واشنطن وحماستها في تبرئة سلوك تركيا، حيث حمل الأكراد السلاح ضد الدولة تعتبره الولاياتالمتحدة ارهاباً، لكنها في الوقت ذاته تخطط لتسليح المعارضين في العراق، بمن فيهم الأكراد لتغيير الحكم. إذا قدر للمبادرة الايطالية أن تنجح في عقد مؤتمر دولي لمعالجة محنة الأكراد، يكون أوجلان حقق بلجوئه إلى روما ما لم يحققه لهم بالعنف سنوات طويلة. أما الفضل الأول فسيكون لتركيا الباحثة دائماً عن هوية لن تجدها بسياسة الابتزاز والقمع