شيّع لبنان أمس رئىس حزب الكتائب اللبنانية الدكتور جورج سعادة، في مأتم رسمي وحزبي وشعبي حاشد، أقيم في كنيسة مار مارون في الجميزة، تقدّمه ممثّلو رؤساء الجمهورية والمجلس النيابي والحكومة الوزير ميشال إده والنائب محمد عبدالحميد بيضون والوزير بهيج طبارة، وممثل الرئيس السوري حافظ الأسد الوزير وهيب الفاضل على رأس وفد ضم اللواء غازي كنعان والعقيد رستم غزالة، وممثل قائد الجيش الرئىس المنتخب إميل لحود العميد أسعد غانم. ترأس الصلاة المطران إميل بولس سعادة ممثلاً البطريرك الماروني الكاردينال نصرالله صفير الذي أشاد في رقيمه البطريركي بمزايا الراحل، مركّزاً على عصاميته وكفاحه ونضاله في المجالين الحزبي والوطني، ودوره في إنجاز إتفاق الطائف. وأضاف "كانت خيبات أمل مُرّة توالت بعد الطائف على الراحل، ورأى أن الثمار لم تكن في حجم الوعود بعدما جاء تطبيقه إنتقائياً، لكنه لم يتنكر له، ما جرّ عليه متاعب كثيرة، ولعله عجّل في أجله". وتلا الصلاة احتفال تأبيني تحدث فيه الوزير إده باسم الرئيس الياس الهراوي، فرأى أن جورج سعادة "كان لبنانياً حقاً لأنه اعتبر إنقاذ وطنه وإخراجه من دوامة الإقتتال والحروب العبثية مهمة أولى". وقدّر له "إسهامه في اتفاق الطائف، واعتداله وحكمته وقراراته الشجاعة وإصراره على السعي إلى إخراج لبنان من النفق الإنتحاري المظلم". ومنح الهراوي الراحل وسام الأرز الوطني من رتبة ضابط أكبر. ثم تحدث النائب بيضون باسم الرئىس نبيه بري والوزير طبارة باسم الرئىس رفيق الحريري فأجمعا على اعتدال سعادة وسعيه إلى البناء المؤسساتي ودوره في الوفاق الوطني اللبناني وعودة السلم الأهلي. كذلك تحدث نقيب المحامين السابق سمير أبي اللمع باسم النقابة التي كان ينتمي إليها سعادة ونائب رئيس حزب الكتائب منير الحاج الذي اعتبر أن سعادة "عرف كيف يربط الأشياء بقيمها بدءاً من مفهومه للبنان إلى مفهومه الإلتزام إلى مناقبيات المسلكية الشخصية، وأكد أن لبنان لا يقوم إلا على التعاقد الحر بين أبنائه تأسيساً على الوفاق". وأضاف "أن لبنان لا يتفرد بالنقص في هويته كما كان يشاع، بل بالإضافة، هو مكتمل العروبة. وشاهد الثقة الوحيد على إمكان تجسيدها بمعناها القومي المجرد". ولفت إلى أن سعادة "رفق بلبنان فدفع رصيده الشخصي الكامل لحساب الوطن يوم كان شائعاً الدفع من حساب الوطن في الحسابات الشخصية". وختم الإحتفال بكلمة العائلة ألقاها نجل الراحل سامر سعادة الذي شكر جميع من شاركوهم حزنهم ومصابهم. ثم انطلق موكب الجنازة من الجميزة إلى مسقط رأس الفقيد في شبطين البترون حيث ووري. وقد رفعت على طول الطريق الساحلية صور لسعادة ولافتات، وأنزل النعش في غير منطقة ليرفع على الأكتاف. وسجي جثمان الراحل في البيت المركزي الكتائبي منذ الصباح لإلقاء النظرة الأخيرة عليه. وكان لافتاً أن وفاة سعادة جمعت شمل الكتائبيين الذين فرّقتهم صراعات داخلية عدة، وقسمتهم أجنحة. فالرئيس السابق أمين الجميّل، نجل مؤسس الحزب، اعتبر أنه خسر بسعادة صديقاً ورفيق نضال، وتحدث عن نقاط تفاهم مشتركة توصلا إليها في المدة الأخيرة من أجل الحزب. ومعارضو سعادة الناشطون تحت إسم المعارضة الكتائبية كانوا حاضرين في العزاء والمأتم، والمعارضون من داخل المؤسسة الحزبية كذلك. لكأن ما لم يستطع سعادة أن يحققه خلال ترؤسه الحزب 12 سنة متتالية، حققه بوفاته. وإذا كان البعض طرح منذ الآن مسألة خلافة سعادة على رأس الحزب، فالأمر مؤجل أقلّه في المدى المنظور، إذ أن أنظمة الحزب تنص على أن يستكمل الولاية نائبه الأول المحامي منير الحاج، في انتظار إجراء الإنتخابات بعد نحو سنتين