يقول المثل الشعبي "اللي بياكل عصي مش مثل اللي بيعدّها"، وهو مثل يشرح الفرق بين قادة حماس والجهاد الاسلامي، وكل المعارضين الفلسطينيين في الخارج من جهة، وبين قيادات الداخل من جهة اخرى. في الخارج هناك اصرار على مواصلة العمليات العسكرية، مع تأكيد الفصام بين القيادات الميدانية، والقيادات السياسية. اما في الداخل فهناك اعتقالات مستمرة، ومفاوضات مع المعتقلين، خصوصاً من حماس، لاعلان وقف اطلاق النار. ووكالة الاستخبارات المركزية الاميركية سي. آي. ايه تتابع عمل أجهزة الأمن الفلسطينية منذ اتفاق مزرعة واي، ولا تتركها ترتاح لحظة واحدة في مطاردة المطلوبين. وكانت "معاريف" ذكرت ان عشرات من عملاء الوكالة وصلوا الى أراضي السلطة، وهم يقدمون النصح الى اجهزة الأمن الفلسطينية، خصوصاً في مجال حماية ابو عمار. وبعد التضييق على زعيم حماس الشيخ احمد ياسين وحلقة مساعديه المقربين، يبقى في السجن من حماس عبدالعزيز الرنتيسي وابراهيم المقادمة في غزة، ومحمود مصلح في رام الله، وجمال منصور في نابلس، ومحمد جمال النتشة في الخليل. وكان رئيس الاستخبارات العامة أمين الهندي استدعى المهندس اسماعيل ابو شلق واسماعيل هنية وسألهما عن بيانات تحذر من وضع شبيه بالوضع الجزائري. اما رئيس الأمن الوقائي محمد دحلان فهو لم يتردد في طلب محمود ابو هنود ومحمد ضيف، صديقه من ايام الطفولة، وهو يقول انه لن يعطي بنيامين نتانياهو اي عذر للتنصّل من اتفاق واي. ومع ان الجهاد الاسلامي تحمل مسؤولية العملية الاخيرة في القدس، فانه يبقى محدود الانتشار وتركيز السلطة في حربها على العمليات الانتحارية يركز على حماس، وقد بدأ يعطي ثماره بظهور شرخ بين القيادة السياسية للحركة والقيادة الميدانية، فبعد عملية غوش قطيف رفضت القيادة السياسية تبني العملية، كما رفضت بعد ذلك تبني منشورات قيل ان فصائل عزالدين القسام وزعتها، وهدّدت السيد ياسر عرفات. والمعروف ان الدكتور موسى ابو مرزوق رفض ان يشارك في دعوات لاطاحة الرئيس الفلسطيني عندما مرّ في بيروت، وكرّر موقفه هذا في عمان. غير ان مصادر حماس تقول ان ثمة ضغوطاً على قيادييها في عمان، وقد يضطر هؤلاء للانتقال الى سورية، من دون ان يقوم دليل على ان سورية ستقبل استضافتهم، فهم في النهاية من حركة دينية اختلفت في السابق مع النظام السوري. ووضع الجهاد الاسلامي اصعب، فأبو عمار يستطيع ضرب محازبي هذا الفصيل بحرية اكبر مما يستطيع مع حماس. والجهاد كان دائماً اقلية منتقاة من المقاتلين، ولم يحاول الامتداد شعبياً مثل حماس. وقد ضعفت علاقاته مع ايران منذ تسلّم الرئيس محمد خاتمي السلطة، وينفي قياديون فيه اي علاقة ذات معنى هذه الأيام، ويقولون بغضب انهم لا ينتظرون ايران لتعلمهم ضرورة تحرير وطنهم المحتل. ومع ان الجهاد الاسلامي خرج من حركة الاخوان المسلمين، لأنه لم يكن لهذه مشروع قتالي في فلسطين، فان القيادة تشعر بأن الحكومة المصرية باتت تدرك انه فصيل فلسطيني مستقل، ليست له ادنى علاقة بالجماعات المصرية المسلحة. والارجح ان تسوء الأمور اكثر في وجه حماس والجهاد قبل ان تتحسن، فالمطاردة في الداخل ستستمر، لاقناع الاسرائيليين والاميركيين، بأن الرئيس الفلسطيني سينفذ وعوده الامنية لرئيس وزراء اسرائيل. اما في الخارج فان فتور حماسة ايران، والتضييق في الأردن بعد حضور الملك حسين توقيع اتفاق مزرعة واي، لا يقابله اي ترحيب كبير في سورية. المسؤولون السوريون لا يريدون ان تتهم بلادهم بإيواء اي ارهاب، وهم حريصون على الا يعطوا اسرائيل العذر لتزعم ذلك. وهم يريدون ان يعقد الفلسطينيون مؤتمراً وطنياً ينافس اجتماع المجلس الوطني، وسيرحبون بقيام شرعية بديلة، الا ان هذا كله يبقى ضمن نطاق العمل السياسي المسموح به. اما القيادات الميدانية فعليها ان تبحث عن مصادر تأييد خارج سورية. وكان كريستوفر روس، رئيس قسم مكافحة الارهاب في وزارة الخارجية الاميركية، زار اخيراً دمشق حيث عمل سفيراً خمس سنوات، وبحث مع المسؤولين السوريين امكان رفع سورية عن قائمة الدول المؤيدة للارهاب، ولا بد انه شخصياً يؤيد هذا الرفع بحماسة، الا ان القرار في النهاية سياسي يتخذه مسؤولون اعلى منه مركزاً، لذلك تبقى سورية على قائمة الدول المؤيدة للارهاب، مع انها غير متهمة بتأييد اي عملية منذ سنة 1988، باعتراف وزارة الخارجية الاميركية. السوريون لن يدفعوا ثمن رفعهم عن قائمة الارهاب بشن حملة على معارضي ابو عمار، فهذا ليس اسلوبهم، الا انهم لن يحتضنوا احداً لمجرد انه فلسطيني معارض. وهكذا فوضع حماس والجهاد، وربما فصائل اخرى، سيسوء كثيراً قبل ان يتحسن... هذا اذا تحسّن