يشفق كلينتون على نتانياهو الذي "لم ينصفه" الإعلام الأميركي خلال مفاوضات المزرعة، فيما يثير كلام الرئيس على محاولات أكيدة يتوقعها ل "اطاحة" عرفات، مزيداً من الشكوك في كل ما حصل في مزرعة واي... إلا إذا كان الهدف النهائي لشريكي أبو عمار، الأميركي والاسرائيلي، هو اطاحته بالفعل، بالاتفاق الذي سجل سابقة في القانون الدولي. سابقة لأن الاتفاقات والمعاهدات الدولية لا تعرف نصاً صريحاً فيها على دور تحكيمي للاستخبارات، كما في مذكرة التفاهم التي وقعت بعد مفاوضات الأيام التسعة، وأعطت لل "سي. آي. اي" دوراً مرجعياً في مراقبة حسن نية الشريك الفلسطيني، وأداء شرطته وتقويم أحكام قضائه في حق "الارهابيين" الذين يهددون أمن اسرائيل. أي بكلمة أخرى دور إدارة مشروع الحرب الأهلية بين الفلسطينيين في أراضي الحكم الذاتي، مضافة اليها ال 13 في المئة التي سيهبها نتانياهو لعرفات وهو يتجرع الكأس المرة لأنه يتنازل عن "قطعة من وطنه". ولا جديد في كلام زعيم ليكود بكل وقاحته، لكن الكأس المرة سيتجرعها الفلسطينيون والعرب، كالعادة. فليس خيالاً التكهن بمضاعفات الحملة التي تشنها الأجهزة الأمنية الفلسطينية على معارضي عرفات واتفاق واي بلانتيشن، والذين ينددون باسرائيل. أليس فعل التنديد كالتحريض على العنف بموجب التعريف الذي يمليه هذا الاتفاق؟ أخطر ما فيه ان أبو عمار وقع للمرة الأولى وثيقة تحرّم عملياً حمل السلاح ضد "الشركاء" الاسرائيليين، اذ تعتبره ارهاباً، وستساوي ال "سي. آي. اي" بين أي عملية ضدهم وأي بيان للمعارضين الفلسطينيين ضد الاستيطان وقضم القدس، بوصفه تحريضاً. ولن يفتقد نتانياهو براعة تزوير الحقائق والابتزاز ليكمل لعبته، وهو ينتظر انفجار البركان الفلسطيني لعله يطيح عرفات فيريحه هو من "التنازل عن قطعة من الوطن" لسلطة الحكم الذاتي. يتفرج زعيم ليكود على العرب وهم يتجرعون كأس الاتفاق، مزيداً من الهواجس والشكوك والتراشق بالاتهامات. أليس مؤلماً أن يتزامن تفاهم المزرعة مع الخلافات المرّة بين سورية والأردن، وان يعمق انعدام الثقة بين دمشق والقيادة الفلسطينية؟... وان يعطي الرئيس الياس الهراوي ذريعة ليأخذ جميع الفلسطينيين بجريرته بعدما "حمّلوا جميع العرب وزر قضيتهم خمسين سنة، وحمّلوا لبنان وزر أطماعهم ومناوراتهم، وهددوا دولته"؟ مؤلم ان المصطلحات التي سادت خلال خمسين سنة من الصراع مع مَن كان يسمى عدواً، للتنديد بأطماعه ومناوراته، باتت هي ذاتها تستخدم بين العرب، في معاركهم، ومن يدري، ربما يأتي يوم يتراجع فيه رفض الاستيطان اليهودي في الأراضي الفلسطينية أمام مصطلح رفض "الاستيطان الفلسطيني" في لبنان... بدل "التوطين". انها كأس نتانياهو والمزرعة يتجرعها العرب بعد الاتفاق تشكيكاً و"تكفيراً" وتدميراً لأي أمل باستعادة الحد الأدنى من التفاهم في ما بينهم. وزعيم ليكود حاول منذ ما قبل الأيام التسعة ولا يزال يسعى الى دق اسفين بين مصر وعرفات، ليحاصره بجدار عزلة عربية، بدول الطوق، فلا يبقى أمامه سوى التنفيذ "الأمين" لعقد الشراكة مع اسرائيل، برعاية ال "سي. آي. اي" وقبضة الأجهزة الأمنية الفلسطينية. ... هكذا يتحقق "سلام الشجعان".