ماذا كان بنيامين نتانياهو يريد من مفاوضات مزرعة واي؟ كان قال عشية سفره من اسرائيل، وبعد وصوله الى الولاياتالمتحدة انه يريد أن يبحث في الاتفاق الأمني، وأن هذا أول شيء وأهم شيء. وجاء الهجوم في بئر السبع فاجتمع نتانياهو مع وزارته المصغرة المؤلفة من اريل شارون واسحق موردخاي وناتان شارانسكي، وأعلنوا تعليق المفاوضات على كل موضوع باستثناء المشاكل الأمنية. بكلام آخر، الجانب الاسرائيلي علّق المفاوضات بعد انفجار بئر السبع، غير الضغط الأميركي، مع رفض الفلسطينيين المطلق الوصول الى اتفاق جزئي أرغم الاسرائيليين بعد ذلك على تعديل موقفهم، مع بقاء تركيزهم على الأمن. مع ذلك، كان واضحاً ان نتانياهو يشعر بأن هجوم بئر السبع عزز موقفه وأثبت صحة إصراره على اتفاق أمني قبل أي اتفاق آخر. وخرج الناطقون باسم رئيس الوزراء، دوري غولد وديفيد بار - ايلان وافيف بوشنسكي، ليروّجوا لهذه الفكرة. قال بوشنسكي ان هذا هو "الهجوم الثالث من نوعه خلال ثلاثة أسابيع، ونحن لن نجلس في مزرعة واي مكتوفي الأيدي، فيما السلطة الفلسطينية لا تفعل شيئاً إزاء الارهاب". اما بار - ايلان فقال ان الجانب الاسرائيلي لن يبحث في أي موضوع غير الأمن "لأن هذا هو الهجوم العاشر من نوعه في سلسلة من الهجمات الارهابية على اسرائيل من دون ان تفعل السلطة الفلسطينية شيئاً لوقفها". هل هو الهجوم الثالث أو العاشر؟ الرقم يعتمد على مدى رغبة الناطق الاسرائيلي هذا أو ذاك في العودة الى الوراء، غير أن الخلط يتجاوز الرقم الى موضوع الارهاب نفسه، فالسلطة الوطنية الفلسطينية بذلت جهوداً جبارة لوقف العمليات المسلحة ضد اسرائيل، ونجحت الى حد كبير، والدليل ان العمليات الأخيرة كلها كانت من نوع عملية بئر السبع، يقوم بها أفراد يطلقون النار، أو يلقون قنبلة، وهذا النوع يستحيل وقفه، كما قالت أجهزة الأمن الاسرائيلية غير مرة. "حماس" تفضل عملية من نوع تفجير سيارة مفخخة في قلب تل أبيب أو القدس، إلا أن السلطة الوطنية الفلسطينية احبطت عمليات عدة من هذا النوع في الأسابيع الأخيرة، فبقيت الهجمات الفردية. وكانت السلطات الأمنية الاسرائيلية نفسها أصدرت تحذيرات من تخطيط "حماس" لعمليات انتحارية، أو هجمات كبيرة قبل اجتماع مزرعة واي أو خلاله، ونشرت تفاصيل لتحذير الجمهور. ولا بد أن عدم وقوع مثل هذه العمليات دليل على نجاح السلطة الوطنية لا فشلها. نتانياهو يعرف هذا أكثر من غيره، إلا أن الارهاب المضاد يفيده، فالارهاب يغذي بعضه بعضاً، وارهاب "حماس" يجعل الارهاب الرسمي الاسرائيلي مبرراً. وهناك في الجانب العربي من يلوم "حماس"، ويعتبر أنها تسهل مهمة نتانياهو، وربما كان هذا صحيحاً، إلا أن الصحيح أيضاً ان "حماس" غير معنية بنجاح المفاوضات أو فشلها مع ان نجاحها يعني وجود اتفاق أمني يتضمن ان تفكك السلطة البنية التحتية للمنظمة، فهناك قرار قائم بشن حملات فدائية تسميها اسرائيل ارهابية على الأهداف الاسرائيلية حيث كان ذلك ممكناً، وفي أي وقت ممكن. وهذا الموقف هو أيضاً موقف الجهاد الاسلامي وكل منظمة أخرى معارضة للتفاوض مع اسرائيل أصلاً. إلا أن "حماس" أكثر قدرة على التنفيذ من غيرها. وهكذا كان ان نفذت "حماس" عملية، وان المفاوضات استمرت رغم ما حدث في بئر السبع. وإذا فشلت المفاوضات في النهاية، فالسبب ان نتانياهو جاء بنية افشالها، وأعطته عملية بئر السبع عذراً مناسباً. اما إذا نجحت، فالأرجح أن يكون النجاح على حساب تنازلات فلسطينية أخرى، يجب أن تتحمل "حماس" قسطاً من المسؤولية عنها. شخصياً، وكمراقب عربي أو مجرد مواطن، كنت أفضل فشل المحادثات من البداية لأن الضغوط كلها على الجانب الفلسطيني، ولخشيتي ان تؤدي هذه الضغوط الى عقد اتفاق أمني سيء، يتضمن كثيراً من طلبات اسرائيل ما يهدد بحرب أهلية فلسطينية، إذا بدأت السلطة تعتقل محازبي "حماس"، أو تسلم اسرائيل المطلوبين بعمليات "ارهابية"، أو تفكك مؤسسات "حماس" الاجتماعية وتغلقها. والأمل ان يقاوم أبو عمار هذه الضغوط الأميركية والاسرائيلية، ففشل المفاوضات ليس فشلاً شخصياً له، وهو على الأقل يستطيع أن يقول بعد ذلك انه حاول وفشل، أما غيره ففشل من دون محاولة.